التِّرْمِذِيّ: مثل الْقَائِم على حُدُود الله تَعَالَى والمدهن فِيهَا أَي: الغاش فِيهَا، ذكره ابْن فَارس، وَقيل: هُوَ كالمصانعة، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {ودوا لَو تدهن فيدهنون} (الْقَلَم: ٩) . وَقيل: المدهن المتلين لمن لَا يَنْبَغِي التلين لَهُ. قَوْله: (وَالْوَاقِع فِيهَا) أَي: فِي الْحُدُود، أَي: التارك للمعروف المرتكب للْمُنكر. قَوْله: (استهموا) أَي: اتخذ كل وَاحِد مِنْهُم سَهْما، أَي: نَصِيبا من السَّفِينَة بِالْقُرْعَةِ. قَوْله: (على من فَوْقهم) ، أَي: على الَّذين فَوْقهم. قَوْله: (وَلم نؤذ) ، من الْأَذَى، وَهُوَ الضَّرَر. قَوْله: (من فَوْقنَا) أَي: الَّذين سكنوا فَوْقنَا. قَوْله: (فَإِن يتركوهم وَمَا أَرَادوا) . أَي: فَإِن يتْرك الَّذين سكنوا فَوْقهم إِرَادَة الَّذين سكنوا تَحْتهم من الْخرق، وَالْوَاو، بِمَعْنى: مَعَ، وَكلمَة: مَا، مَصْدَرِيَّة. قَوْله: (هَلَكُوا) ، جَوَاب الشَّرْط وَهُوَ قَوْله: فَإِن ... قَوْله: (هَلَكُوا جَمِيعًا) أَي: كلهم الَّذين سكنوا فَوق وَالَّذين سكنوا أَسْفَل، لِأَن بخرق السَّفِينَة تغرق السَّفِينَة وَيهْلك أَهلهَا. قَوْله: (وَإِن أخذُوا على أَيْديهم) أَي: وَإِن منعوهم من الْخرق نَجوا أَي: الآخذون (ونجوا جَمِيعًا) يَعْنِي: جَمِيع من فِي السَّفِينَة، وَلَو لم يذكر قَوْله: (ونجوا جَمِيعًا) ، لكَانَتْ النجَاة اخْتصّت بالآخذين فَقَط، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل كلهم نَجوا لعدم الْخرق، وَهَكَذَا إِذا أُقِيمَت الْحُدُود وَأمر بِالْمَعْرُوفِ وَنهي عَن الْمُنكر تحصل النجَاة للْكُلّ وإلَاّ هلك العَاصِي بالمعصية وَغَيرهم بترك الْإِقَامَة.
وَيُسْتَفَاد مِنْهُ أَحْكَام فِيهِ: جَوَاز الضَّرْب بِالْمثلِ وَجَوَاز الْقرعَة، فَإِنَّهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ضرب الْمثل هُنَا بالقوم الَّذين ركبُوا السَّفِينَة، وَلم يذم المستهمين فِي السفية وَلَا أبطل فعلهم، بل وضيه وَضرب بِهِ مثلا لمن نجى من الهلكة فِي دينه. وَفِيه: تَعْذِيب الْعَامَّة بذنوب الْخَاصَّة وَاسْتِحْقَاق الْعقُوبَة بترك النَّهْي عَن الْمُنكر مَعَ الْقُدْرَة. وَفِيه: أَنه يجب على الْجَار أَن يصبر على شَيْء من أَذَى جَاره خوف مَا هُوَ أَشد. وَفِيه: إِثْبَات الْقرعَة فِي سُكْنى السفية إِذا تشاحوا، وَذَلِكَ فِيمَا إِذا نزلُوا مَعًا. فَأَما من سبق مِنْهُم فَهُوَ أَحَق. وَذكر ابْن بطال هُنَا مَسْأَلَة الدَّار الَّتِي لَهَا علوا وسفل لمناسبة بَينهَا وَبَين أهل السَّفِينَة، فَقَالَ: وَأما حكم الْعُلُوّ والسفل يكون بَين رجلَيْنِ، فيعتل السّفل وَيُرِيد صَاحبه هَدمه فَلَيْسَ لَهُ هَدمه إلَاّ من ضَرُورَة، وَلَيْسَ لرب الْعُلُوّ أَن يَبْنِي على سفله شَيْئا لم يكن قبل إلَاّ الشَّيْء الْخَفِيف الَّذِي لَا يضر صَاحب السّفل، فَلَو انْكَسَرت خَشَبَة من سفل الْعُلُوّ فَلَا يدْخل مَكَانهَا أَسْفَل مِنْهَا، قَالَ أَشهب: وَبَاب الدَّار على صَاحب السّفل، فَلَو انْهَدم السّفل أجبر صَاحبه على بنائِهِ وَلَيْسَ على صَاحب الْعُلُوّ أَن يَبْنِي السّفل، فَإِن أَبى صَاحب السّفل أَن يَبْنِي قيل لَهُ: بِعْ مِمَّن يَبْنِي. انْتهى. قلت: الَّذِي ذكره أَصْحَابنَا أَنه لَيْسَ لصَاحب الْعُلُوّ إِذا انْهَدم السّفل أَن يَأْخُذ صَاحب السّفل بِالْبِنَاءِ، لَكِن يُقَال لصَاحب الْعُلُوّ: ابْن السّفل إِن شِئْت حَتَّى يبلغ مَوْضِعه علوك ثمَّ ابْن علوك، وَلَيْسَ لصَاحب السّفل أَن يسكن حَتَّى يُعْطي قيمَة بِنَاء السّفل، وَذُو الْعُلُوّ يسكن علوه، والسفل كَالرَّهْنِ فِي يَده وسقف السّفل بِكُل آلاته لصَاحب السّفل وَلِصَاحِب الْعُلُوّ سكناهُ، وَصَاحب الْعُلُوّ إِذا بنى السّفل فَلهُ أَن يرجع بِمَا أنْفق على صَاحب السّفل، وَإِن كَانَ صَاحب السّفل يَقُول: لَا حَاجَة لي إِلَى السّفل.
٧ - (بابُ شَرِكَةِ الْيَتِيمِ وأهْلِ الْمِيرَاثِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم شركَة الْيَتِيم وَأهل الْمِيرَاث، وَحكمه مَا قَالَه ابْن بطال: شركَة الْيَتِيم ومخالطته فِي مَاله لَا يجوز عِنْد الْعلمَاء، إلَاّ أَن يكون للْيَتِيم فِي ذَلِك رُجْحَان. قَالَ تَعَالَى: {ويسألونك عَن الْيَتَامَى قل: إصْلَاح لَهُم خير وَإِن تخالطوهم فإخوانكم وَالله يعلم الْمُفْسد من المصلح} (الْبَقَرَة: ٠٢٢) .
٤٩٤٢ - حدَّثنا عبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله الْعامِرِيُّ الأُوَيْسيُّ قَالَ حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ عنْ صالحٍ عنِ ابنِ شِهابٍ قَالَ أخبرَني عُرْوةُ أنَّهُ سألَ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا. وَقَالَ اللَّيْثُ حدَّثني يونُسُ عنِ ابنِ شِهابٍ قَالَ أَخْبرنِي عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ أنَّهُ سَألَ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا عنْ قَوْلِ الله تَعَالَى: {وإنْ خِفْتُمْ} إِلَى {ورُباع} (النِّسَاء: ٣) . فقالتْ يَا ابنَ أُخْتِي هِيَ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حَجْرِ ولِيِّهَا تُشَارِكُهُ فِي مالِهِ فيُعْجِبُهُ مالُها وجَمالُها فيُرِيدُ ولِيُّها أَن يَتَزوَّجَهَا بغَيْرِ أنْ يُقْسطَ فِي صَداقِهَا فيُعْطِيهَا مثْلَ مَا يُعْطِيها غَيْرُهُ فَنُهوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute