رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس يرفعهُ:(من ترك الصَّفّ الأول مَخَافَة أَن يُؤْذِي مُسلما أَضْعَف الله لَهُ الْأجر) . وَفِيه: فَضِيلَة التبكير إِلَى الصَّلَاة. وَفِيه: حث عَظِيم على حُضُور صَلَاتي الْعَتَمَة وَالصُّبْح، وَالْفضل الْكثير فِي ذَلِك لما فيهمَا من الْمَشَقَّة على النَّفس من تنقيص أول النّوم وَآخره. وَفِيه: تَسْمِيَة الْعشَاء بالعتمة. فَإِن قلت: قد ثَبت النَّهْي عَنهُ. قلت: هَذِه التَّسْمِيَة لبَيَان الْجَوَاز وَإِن النَّهْي لَيْسَ للتَّحْرِيم وَأَيْضًا اسْتِعْمَال الْعَتَمَة هَهُنَا لمصْلحَة، لِأَن الْعَرَب كَانَت تسْتَعْمل الْعشَاء فِي الْمغرب، فَلَو قَالَ: مَا فِي الْعشَاء لحملوها على الْمغرب، ففسد الْمَعْنى، وَفَاتَ الْمَطْلُوب، فَاسْتعْمل الْعَتَمَة الَّتِي لَا يَشكونَ فِيهَا، فقواعد الشَّرْع متظاهرة على احْتِمَال اخف المفسدتين لدفع أعظمهما. وَفِيه: أَن الصَّفّ الثَّانِي أفضل من الثَّالِث، وَالثَّالِث أفضل من الرَّابِع وهلم جرا. وَفِيه: دلَالَة لمشروعية الْقرعَة. وَفِيه: مَا اسْتدلَّ بِهِ بَعضهم لمن قَالَ بالاقتصار على مُؤذن وَاحِد، وَهَذَا لَيْسَ بِظَاهِر لصِحَّة إستهام أَكثر من وَاحِد فِي مُقَابلَة أَكثر من وَاحِد، وَزعم بعض من شرح الحَدِيث الْمَذْكُور أَن المُرَاد بالاستهام هَهُنَا الترامي بِالسِّهَامِ، وَأَنه أخرج مخرج الْمُبَالغَة، واستأنس لذَلِك بِحَدِيث:(لتجالدوا عَلَيْهِ بِالسُّيُوفِ) . قلت: الَّذِي قَصده البُخَارِيّ، وَذهب إِلَيْهِ هُوَ، الْأَوْجه وَالْأولَى، وَلذَلِك اسْتشْهد بقضية سعد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
١٠ - (بابُ الكَلَامِ فِي الأذَانِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْكَلَام فِي أثْنَاء الْأَذَان بِغَيْر أَلْفَاظه، وَلكنه مَا صرح بالحكم كَيفَ هُوَ أجائز أم غير جَائِز؟ لَكِن إِيرَاده الأثرين الْمَذْكُورين فِيهِ، وإيراده حَدِيث ابْن عَبَّاس يُشِير إِلَى أَنه اخْتَار الْجَوَاز، كَمَا ذهبت إِلَيْهِ طَائِفَة، على مَا نذكرهُ عَن قريب إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَتَكَلّمَ سُلَيْمَانُ بنُ صْرَدٍ فِي أذَانِهِ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وصرد، بِضَم الصَّاد الْمُهْملَة وَفتح الرَّاء وَفِي آخِره دَال مُهْملَة: وَهُوَ سُلَيْمَان بن صرد بن أبي الجون الْخُزَاعِيّ الصَّحَابِيّ، وَكَانَ اسْمه فِي الْجَاهِلِيَّة: يسارا فَسَماهُ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سُلَيْمَان، وكنيته أَبُو الطّرف، وَكَانَ خيّرا عابدا، نزل الْكُوفَة، وَقَالَ ابْن سعد: قتل بالجزيرة بِعَين الوردة فِي شهر ربيع الآخر سنة خمس وَسِتِّينَ، وَكَانَ أَمِيرا على البوابين، أَرْبَعَة آلَاف يطْلبُونَ بِدَم الْحُسَيْن بن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وعلق البُخَارِيّ مَا روى عَنهُ، وَأخرجه ابْن أبي شيبَة من حَدِيث مُوسَى بن عبد الله بن يزِيد بن سُلَيْمَان بن صرد، وَكَانَت لَهُ صُحْبَة، كَانَ يُؤذن فِي الْعَسْكَر وَكَانَ يَأْمر غُلَامه بِالْحَاجةِ فِي أَذَانه، وَوَصله أَبُو نعيم شيخ البُخَارِيّ فِي كتاب الصَّلَاة لَهُ، وَأخرجه البُخَارِيّ عَنهُ فِي (التَّارِيخ) بِإِسْنَاد صَحِيح، وَلَفظه مثل لفظ ابْن أبي شيبَة.