هَذَا حَدِيث آخر فِي قصَّة مَاعِز عَن أبي هُرَيْرَة أخرجه عَن أبي الْيَمَان الحكم بن نَافِع عَن شُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ. وَأخرجه مُسلم أَيْضا فِي الْحُدُود عَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الدَّارمِيّ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الرَّجْم عَن عَمْرو بن مَنْصُور كِلَاهُمَا عَن أبي الْيَمَان.
قَوْله:(وَعَن الزُّهْرِيّ) عطف على قَوْله: شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ إِلَى آخِره، إِنَّمَا لم يبين الزُّهْرِيّ هُنَا من هُوَ الَّذِي سَمعه مِنْهُ، وَقد صرح فِيمَا قبله بِأَن الَّذِي سَمعه مِنْهُ هُوَ أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن وَسَعِيد بن الْمسيب إِشَارَة إِلَى أَن لَهُ شَيخا آخر غير أبي سَلمَة، وَسَعِيد قد سمع عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
٢١ - (بابُ الخُلْعِ وكَيْفَ الطَّلَاقُ فِيهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْخلْع، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون اللَّام، مَأْخُوذ من خلع الثَّوْب والنعل وَنَحْوهمَا، وَذَلِكَ لِأَن الْمَرْأَة لِبَاس للرجل، كَمَا قَالَ الله تَعَالَى:{هن لِبَاس لكم وَأَنْتُم لِبَاس لَهُنَّ}(الْبَقَرَة: ٧٨١) وَإِنَّمَا جَاءَ مصدره بِضَم الْخَاء تَفْرِقَة بَين الإجرام والمعاني، يُقَال خلع ثَوْبه وَنَعله خلعا بِفَتْح الْخَاء، وخلع امْرَأَته خلعا وخلعة بِالضَّمِّ، وَأما حَقِيقَته الشَّرْعِيَّة فَهُوَ فِرَاق الرجل امْرَأَته على عوض يحصل لَهُ، هَكَذَا قَالَه شَيخنَا فِي (شرح التِّرْمِذِيّ) وَقَالَ: هُوَ الصَّوَاب، وَقَالَ كثير من الْفُقَهَاء: هُوَ مُفَارقَة الرجل امْرَأَته على مَال، وَلَيْسَ بجيد، فَإِنَّهُ لَا يشْتَرط كَون عرض الْخلْع مَالا، فَإِنَّهُ لَو خَالعهَا عَلَيْهِ من دين أَو خَالعهَا على قصاص لَهَا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ صَحِيح، وَإِن لم يَأْخُذ الزَّوْج مِنْهَا شَيْئا فَلذَلِك عبرت بالحصول لَا بِالْأَخْذِ. قلت: قَالَ أَصْحَابنَا: الْخلْع إِزَالَة الزَّوْجِيَّة بِمَا يُعْطِيهِ من المَال. وَقَالَ النَّسَفِيّ: الْخلْع الْفَصْل من النِّكَاح بِأخذ المَال بِلَفْظ الْخلْع، وَشَرطه شَرط الطَّلَاق، وَحكمه وُقُوع الطَّلَاق الْبَائِن، وَهُوَ من جِهَته يَمِين وَمن جِهَتهَا مُعَاوضَة. وَأجْمع الْعلمَاء على مَشْرُوعِيَّة الْخلْع إلَاّ بكر بن عبد الله الْمُزنِيّ التَّابِعِيّ الْمَشْهُور، حَكَاهُ ابْن عبد الْبر فِي (التَّمْهِيد) قَالَ عقبَة بن أبي الصَّهْبَاء: سَأَلت بكر بن عبد الله الْمُزنِيّ عَن الرجل يُرِيد أَن يخالع امْرَأَته، فَقَالَ: لَا يحل لَهُ أَن يَأْخُذ مِنْهَا شَيْئا. قلت: فَأَيْنَ قَوْله تَعَالَى: {فَإِن خِفْتُمْ أَن لَا يُقِيمَا حُدُود الله فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا فِيمَا افتدت}(الْبَقَرَة: ٩٢٢) قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَة. قلت: وَمَا نسخهَا؟ قَالَ: مَا فِي سُورَة النِّسَاء، قَوْله تَعَالَى:{وَإِن أردتم استبدال زوج مَكَان زوج وَآتَيْتُم إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا}(النِّسَاء: ٠٢) الْآيَة قَالَ ابْن عبد الْبر: قَول بكر بن عبد الله هَذَا خلاف السّنة الثَّابِتَة فِي قصَّة ثَابت بن قيس وحبيبة بنت سهل وَخَالف جمَاعَة الْفُقَهَاء وَالْعُلَمَاء بالحجاز وَالْعراق وَالشَّام انْتهى وخصص ابْن سِيرِين وَأَبُو قلَابَة جَوَازه بِوُقُوع الْفَاحِشَة فَكَانَا يَقُولَانِ: لَا يحل للزَّوْج الْخلْع حَتَّى يجد على بَطنهَا رجلا، لِأَن الله تَعَالَى يَقُول:{إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة}(النِّسَاء: ٩١، الطَّلَاق: ١) قَالَ أَبُو قلَابَة: فَإِذا كَانَ ذلكف قد جَازَ لَهُ أَن يضارها ويشق عَلَيْهَا حَتَّى تختلع مِنْهُ. قَالَ أَبُو عمر: لَيْسَ هَذَا بِشَيْء لِأَن لَهُ أَن يطلقهَا أَو يلاعنها، وَأما أَن يضارها ليَأْخُذ مَالهَا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِك. قَوْله: وَكَيف الطَّلَاق فِيهِ؟ أَي: كَيفَ حكم الطَّلَاق فِي الْخلْع؟ هَل تقع الطَّلَاق بِمُجَرَّدِهِ أَو لَا يَقع حَتَّى يذكر الطَّلَاق إِمَّا اللَّفْظ أَو بِالنِّيَّةِ؟ وللفقهاء فِيهِ خلاف فَعِنْدَ أَصْحَابنَا الْوَاقِع بِلَفْظ الْخلْع وَالْوَاقِع بِالطَّلَاق على مَال بَائِن. وَعند الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم فسخ وَلَيْسَ بِطَلَاق، يرْوى ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس، حَتَّى لَو خَالعهَا مرَارًا ينْعَقد النِّكَاح بَينهمَا بِغَيْر تزوج بِزَوْج آخر، وَبِه قَالَ أَحْمد، وَفِي قَول الشَّافِعِي: إِنَّه رَجْعِيّ، وَفِي قَول وَهُوَ أصح أَقْوَاله: إِنَّه طَلَاق بَائِن كمذهبنا لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْخلْع تَطْلِيقَة بَائِنَة، وَهُوَ مَرْوِيّ عَن عمر وَعلي وَابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَقد نَص الشَّافِعِي فِي الْإِمْلَاء على أَنه من صرائح الطَّلَاق.