وَأخرجه ابْن ماجة من رِوَايَة زَكَرِيَّاء بن مَنْصُور عَن أبي حَازِم.
قَوْله: (الروحة والغدوة) ، وَفِي رِوَايَة مُسلم: غدْوَة أَو رَوْحَة، وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق أبي غَسَّان عَن أبي حَازِم: لَرَوْحَة، بلام التَّأْكِيد قيل: الْأَفْضَل هُوَ الْأَكْثَر ثَوابًا، فَمَا مَعْنَاهُ هَهُنَا إِذْ لَا ثَوَاب فِي الدُّنْيَا؟ وَأجِيب: أَي: أفضل من صرف مَا فِي الدُّنْيَا كلهَا لَو ملكهَا إِنْسَان، لِأَنَّهُ زائل ونعيم الْآخِرَة باقٍ.
٦ - (بابُ الحُورِ العِينِ وصِفَتِهِنَّ يَحَارُ فِيهَا الطَّرْفُ شَدِيدَةُ سَوادِ العَيْنِ شَدِيدَةُ بَياضِ العَيْنِ وزَوَّجْنَاهُمْ أنْكَحْنَاهُمْ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْحور الْعين وَبَيَان صفتهن، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر: الْحور الْعين، بِغَيْر لفظ: بَاب، فعلى هَذَا يكون الْحور مَرْفُوع بِأَنَّهُ مُبْتَدأ خَبره مَحْذُوف، تَقْدِيره: الْحور الْعين وصفتهن مَا نذكرهُ، وَالْعين: مَرْفُوع أَيْضا على الوصفية. وَقَوله: (وصفتهن) أَيْضا مَرْفُوع عطف على الْحور، والحور بِضَم الْحَاء جمع الْحَوْرَاء، وَقَالَ ابْن سَيّده: الْحور: أَن يشْتَد بَيَاض بَيَاض الْعين وَسَوَاد سوادها. وتستدير حدقتها وترق جفونها ويبيض مَا حولهَا وَقيل: الْحور شدَّة سَواد المقلة فِي شدَّة بياضها فِي شدَّة بَيَاض الْجَسَد، وَقيل: الْحور أَن تسود الْعين كلهَا مثل الظباء وَالْبَقر، وَلَيْسَ فِي بني آدم حور، وَإِنَّمَا قيل للنِّسَاء: حور الْعُيُون لِأَنَّهُنَّ يشبهن بالظباء وَالْبَقر، وَقَالَ كرَاع: الْحور أَن يكون الْبيَاض محدقاً بِالسَّوَادِ كُله، وَإِنَّمَا يكون هَذَا فِي الْبَقر والظباء ثمَّ يستعار للنَّاس. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: لَا أَدْرِي مَا الْحور فِي الْعين، وَقد حور حوراً واحور، وَهُوَ أحور، وَامْرَأَة حوراء، وَعين حوراء، وَالْجمع حور، والأعراب تسمي نسَاء الْأَمْصَار: حواريات، لبياضهن وتباعدهن عَن قشف الأعرابيات بنظافتهن. قَوْله: (الْعين) ، بِكَسْر الْعين وَسُكُون الْيَاء: جمع عيناء، وَهِي: الواسعة الْعين، وَالرجل أعين، وأصل الْجمع بِضَم الْعين فَكسرت لأجل الْيَاء. قَوْله: (وصفتهن) ، يَأْتِي بَيَان بعض صفتهن فِي آخر حَدِيث الْبَاب. فَإِن قلت: مَا وَجه إِدْخَال هَذَا الْبَاب بَين هَذِه الْأَبْوَاب الْمَذْكُورَة هُنَا؟ قلت: لما ذكر دَرَجَات الْمُجَاهدين وَذكر أَن فِي الْجنَّة مائَة دَرَجَة، وَذكر أَيْضا أَن فِيهَا امْرَأَة لَو اطَّلَعت ... إِلَى آخِره، وَهِي من الْحور الْعين، ترْجم لَهَا بَابا بطرِيق الاستطراد. قَوْله: (يحار فِيهَا الطّرف) ، كَلَام مُسْتَأْنف، كَأَن قَائِلا يَقُول: مَا من صفتهن؟ فَقَالَ: يحار فِيهَا الطّرف، أَي: يتحير فِيهِنَّ الْبَصَر لحسنها، وَفِي (الْمغرب) : الطّرف تَحْرِيك الجفن بِالنّظرِ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: الطّرف لَا يثنى وَلَا يجمع لِأَنَّهُ فِي الأَصْل مصدر، وَقيل: ظن البُخَارِيّ أَن اشتقاق الْحور من الْحيرَة، حَيْثُ قَالَ: يحار فِيهَا الطّرف، لِأَن أَصله: يحير، نقلت حَرَكَة الْيَاء إِلَى مَا قبلهَا، ثمَّ قلبت ألفا ومادته يائية، والحور من الْحور ومادته واوية، وَقَالَ بَعضهم: لَعَلَّ البُخَارِيّ لم يرد الِاشْتِقَاق الْأَصْغَر. قلت: لم يقل أحد الِاشْتِقَاق الْأَصْغَر، وَإِنَّمَا قَالُوا: الِاشْتِقَاق على ثَلَاثَة أَنْوَاع: اشتقاق صَغِير، واشتقاق كَبِير، واشتقاق أكبر، وَلَا يَصح أَن يكون الْحور مشتقاً من الْحيرَة على نوع من الْأَنْوَاع الثَّلَاثَة، وَلَا يخفى ذَلِك على من لَهُ بعض يَد من علم الصّرْف. قَوْله: (شَدِيدَة سَواد الْعين) ، تَفْسِير الْعين بِالْكَسْرِ فِي قَوْله: بِالْكَسْرِ فِي قَوْله: الحورالعين، وَكَذَلِكَ قَوْله: (شَدِيدَة بَيَاض الْعين) وَالْعين فيهمَا بِالْفَتْح. قَوْله: (وزوجناهم: أنكحناهم) أَشَارَ بِهَذَا إِلَى قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة الدخن: {كَذَلِك وزوجناهم بحور عين} (الدُّخان: ٤٥) . مُنَاسبَة للتَّرْجَمَة لِأَنَّهَا فِي الْحور الْعين أَي كَمَا أكرمناهم بجنات وعيون ولباس كَذَلِك أكرمناهم بِأَن زوجناهم بحور عين وَتَفْسِيره بقوله: (أنكحناهم) ، قَول أبي عُبَيْدَة، وَفِي لفظ لَهُ: (زوجناهم: جعلناهم أَزْوَاجًا) أَي: اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، كَمَا تَقول: زوجت النَّعْل بالنعل.
٥٩٧٢ - حدَّثنا عبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثنا مُعاوِيَةُ بنُ عَمْرٍ وَقَالَ حدَّثنا أَبُو إسْحَاقَ عنْ حُمَيْدٍ قالَ سَمِعْتُ أنَسَ بنَ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا منْ عَبْدٍ يَمُوتُ لَهُ عنْدَ الله خَيْرٌ يَسُرُّهُ أنْ يَرْجِعَ إلَى الدُّنْيَا وأنَّ لَهُ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا إلَاّ الشَّهِيدَ لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ فإنَّهُ يَسُرُّهُ أنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ مَرَّةً أخْرَى.
(الحَدِيث ٥٩٧٢ طرفه فِي: ٧١٨٢) .
٦٩٧٢ - قَالَ وسَمِعْتُ أنَسَ بنَ مَالِكٍ عنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute