يزِيد، قَالَ: سَمِعت أَبَا أَيُّوب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يَقُول: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: غدْوَة فِي سَبِيل الله، أَو رَوْحَة خير مِمَّا طلعت عَلَيْهِ الشَّمْس وغربت. وَأخرج الْبَزَّار وإبو يعلى الْموصِلِي فِي (مسنديهما) من رِوَايَة عَمْرو بن صَفْوَان عَن عُرْوَة بن الزبير عَن أَبِيه قَالَ قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لغدوة فِي سَبِيل الله أَو رَوْحَة خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا. وَقَالَ الذَّهَبِيّ: صَفْوَان بن عَمْرو لَا يعرف، وَأخرج الْبَزَّار فِي (مُسْنده) من رِوَايَة الْحسن عَن عمرَان بن حُصَيْن أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ... فَذكره، وَفِي إِسْنَاده يُوسُف بن خَالِد السَّمْتِي وَهُوَ ضَعِيف. وَأخرجه أَحْمد فِي (مُسْنده) وَالطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من حَدِيث أبي أُمَامَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مطولا، وَفِيه: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لغدوة أَو رَوْحَة فِي سَبِيل الله خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، ولمقام أحدكُم فِي الصَّفّ خير من صلَاته سِتِّينَ سنة. وَإِسْنَاده ضَعِيف.
قَوْله:(لغدوة) مُبْتَدأ تخصص بِالصّفةِ وَهُوَ قَوْله: (فِي سَبِيل الله) ، وَالتَّقْدِير: لغدوة كائنة فِي سَبِيل الله. قَوْله:(أَو رَوْحَة) ، عطف عَلَيْهِ، وَكلمَة: أَو، للتقسيم لَا للشَّكّ. قَوْله:(خير) ، خبر الْمُبْتَدَأ وَاللَّام فِي: لغدوة، لَام التَّأْكِيد. وَقَالَ بَعضهم: للقسم، وَفِيه نظر. وَقَالَ الْمُهلب: معنى قَوْله: (خير من الدُّنْيَا) أَن ثَوَاب هَذَا الزَّمن الْقَلِيل فِي الْجنَّة خير من الدُّنْيَا كلهَا، وَكَذَا قَوْله: لَقَاب قَوس أحدكُم، أَي: مَوضِع سَوط فِي الْجنَّة، يُرِيد مَا صغر فِي الْجنَّة من الْمَوَاضِع كلهَا من بساتينها وأرضها، فَأخْبر أَن قصير الزَّمَان وصغير الْمَكَان فِي الْآخِرَة خير من طَوِيل الزَّمَان وكبير الْمَكَان فِي الدُّنْيَا تزهيداً وتصغيراً لَهَا وترغيباً فِي الْجِهَاد إِذا بِهَذَا الْقَلِيل يُعْطِيهِ الله فِي الْآخِرَة أفضل من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، فَمَا ظَنك بِمن أتعب فِيهِ نَفسه وَأنْفق مَاله. وَقَالَ غَيره: معنى (خير من الدُّنْيَا) ثَوَاب ذَلِك فِي الْجنَّة خير من الدُّنْيَا، وَقيل: خير من أَن يتَصَدَّق بِمَا فِي الدُّنْيَا إِذا ملكهَا، وَقيل: إِذا ملك مَا فِي الدُّنْيَا وأنفقها فِي وُجُوه الْبر وَالطَّاعَة غير الْجِهَاد، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: أَي الثَّوَاب الْحَاصِل على مشْيَة وَاحِدَة فِي الْجِهَاد خير لصَاحبه من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا لَو جمعت لَهُ بحذافيرها، وَالظَّاهِر أَنه لَا يخْتَص ذَلِك بِالْغُدُوِّ والرواح من بلدته، بل يحصل هَذَا حَتَّى بِكُل غدْوَة أَو روجة فِي طَرِيقه إِلَى الْغَد، وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَكَذَا غدْوَة ورواحه فِي مَوضِع الْقِتَال، لِأَن الْجَمِيع يُسمى غدْوَة وروحة فِي سَبِيل الله.