بِعَرَفَة والمزدلفة، فَأسْلمت قُرَيْش وَارْتَفَعت المجادلة، ووقف الْكل بِعَرَفَة. قَوْله: (كَمَا وَلدته أمه) ، الْجَار وَالْمَجْرُور حَال، أَي مشابها لنَفسِهِ فِي الْبَرَاءَة عَن الذُّنُوب فِي يَوْم الْولادَة، أَو يكون معنى: رَجَعَ، صَار والظرف خَبره، وَقَوله فِي الحَدِيث الْآتِي: (كَيَوْم) بِالْفَتْح وَالْكَسْر جَائِز، وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: (غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه) ، وَمعنى اللَّفْظَيْنِ قريب، وَظَاهره الصَّغَائِر والكبائر. وَقَالَ صَاحب (الْمُفْهم) : هَذَا يتَضَمَّن غفران الصَّغَائِر والكبائر والتبعات، وَيُقَال: هَذَا فِيمَا يتَعَلَّق بِحَق الله، لِأَن مظالم النَّاس تحْتَاج إِلَى استرضاء الْخُصُوم. فَإِن قلت: العَبْد مَأْمُور باجتناب مَا ذكر فِي كل الْحَالَات، فَمَا معنى تَخْصِيص حَالَة الْحَج؟ قلت: لِأَن ذَلِك مَعَ الْحَج أسمج وأقبح، كلبس الْحَرِير فِي الصَّلَاة.
٠١ - (بابُ قَولِ الله عزَّ وجلَّ {ولَا فُسُوقَ ولَا جِدَالَ فِي الحَجِّ} (الْبَقَرَة: ٧٩١) .)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا جَاءَ فِي الحَدِيث فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {وَلَا فسوق} (الْبَقَرَة: ٧٩١) .
٠٢٨١ - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ قَالَ حَدثنَا سُفْيَانُ عنْ مَنْصُورِ عنْ أبِي حازِمٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَم يَرْفُثْ ولَمْ يَفْسقْ رَجَعَ كَيَومَ ولَدَتْهُ أُمُّهُ..
هَذَا بِعَيْنِه هُوَ الحَدِيث السَّابِق قبل هَذَا الْبَاب غير أَنه أخرج ذَاك: عَن سُلَيْمَان بن حَرْب عَن شُعْبَة عَن مَنْصُور، وَهَذَا أخرجه: عَن مُحَمَّد بن يُوسُف الْفرْيَابِيّ عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن مَنْصُور إِلَى آخِره، وَغير أَن هُنَاكَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهنا: قَالَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَغير أَن هُنَاكَ: كَمَا وَلدته أمه، وَهنا: كَيَوْم وَلدته أمه. فَإِن قلت: من أَيْن قلت: إِن سُفْيَان فِي الْإِسْنَاد هُوَ الثَّوْريّ؟ وَقد أخرجه التِّرْمِذِيّ عَن ابْن أبي عمر عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن مَنْصُور؟ قلت: نَص الْبَيْهَقِيّ على أَن سُفْيَان فِي رِوَايَة البُخَارِيّ هُوَ الثَّوْريّ، لِأَنَّهُ رَوَاهُ عَن أبي الْحسن بن بَشرَان عَن أبي الْحسن عَليّ بن بكر الْمصْرِيّ عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن أبي مَرْيَم عَن مُحَمَّد بن يُوسُف الْفرْيَابِيّ عَن سُفْيَان عَن مَنْصُور، فَذكر الحَدِيث وَقَالَ: رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي (الصَّحِيح) عَن الْفرْيَابِيّ، وَكَذَا قَالَه أَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ، فَإِذا كَانَ كَمَا نصا عَلَيْهِ فسفيان هُوَ الثَّوْريّ، قَالَه صَاحب (التَّلْوِيح) وَالله أعلم.
بِسم الله الرحمان الرَّحِيم
٨٢ - (كتاب جَزَاء الصَّيْد)
وقَوْلِ الله تعَالى {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وأنْتُمْ حُرُمٌ
هَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر بالبسملة أَولا، ثمَّ بِالْبَابِ الْمَذْكُور، ثمَّ بقوله تَعَالَى: {وَلَا تقتلُوا الصَّيْد} (الْمَائِدَة: ٥٩) . أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَزَاء الصَّيْد إِذا بَاشر الْمحرم قَتله، وَأَشَارَ بقوله: وَنَحْوه، أَي: وَنَحْو جَزَاء الصَّيْد إِلَى: تنفير صيد الْحرم، وَإِلَى عضد شَجَره، وَغير ذَلِك مِمَّا يُبينهُ بَابا بَابا، ولغير أبي ذَر هَكَذَا.
١ - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وأنْتُمْ حُرُمٌ ومٍ نْ قتَلَهُ مِنْكْمْ مُتَعَمِّدا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النِّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيا بالِغَ الكَعْبَةِ أوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَسَاكِينَ أوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاما لِيَذُوقَ وبالَ أمْرِهِ عَفَا الله عَمَّا سَلَفَ ومنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ الله مِنْهُ وَالله عَزِيزٌ ذِو انْتِقَامٍ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وطَعَامُهُ مَتاعا لَكُمْ ولِلسَّيَّارَةِ وحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ البَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُما واتَّقُوا الله الَّذِي إلَيْهِ تُحْشَرُونَ} )
سرد البُخَارِيّ من سُورَة الْمَائِدَة من قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تقتلُوا الصَّيْد وَأَنْتُم حرم} (الْمَائِدَة: ٥٩) . إِلَى قَوْله: {إِلَيْهِ تحشرون} (الْمَائِدَة: ٥٩) . وَلم يذكر فِيهِ حَدِيثا إِمَّا اكْتِفَاء بِمَا فِي الَّذِي ذكره، وَإِمَّا أَنه لم يظفر بِحَدِيث مَرْفُوع فِي جَزَاء الصَّيْد على شَرطه.
ثمَّ الْكَلَام هَهُنَا على أَنْوَاع:
الأول فِي سَبَب النُّزُول: قَالَ مقَاتل فِي (تَفْسِيره) : كَانَ أَبُو الْيُسْر، واسْمه عَمْرو بن مَالك الْأنْصَارِيّ، محرما فِي عَام الْحُدَيْبِيَة بِعُمْرَة