الْمُرُور بَين يَدي الْمُصَلِّي من الْكَبَائِر، ويعد من ذَلِك، وَاخْتلف فِي تَحْدِيد ذَلِك، فَقيل: إِذا مر بَينه وَبَين مِقْدَار سُجُوده وَقيل: بَينه وَبَين السَّاتِر ثَلَاث أَذْرع. وَقيل: بَينهمَا قدر رمية بِحجر، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى. وَفِيه: قَالَ ابْن بطال: يفهم من قَوْله: (لَو يعلم) أَن الْإِثْم يختصر بِمن يعلم بالمنهي وارتكبه. قَالَ بَعضهم: فِيهِ: بعد قلت: لَيْسَ فِيهِ بعد لِأَن: لَو، للشّرط فَلَا يَتَرَتَّب الحكم الْمَذْكُور إلَاّ عِنْد وجوده. وَفِيه: عُمُوم النَّهْي لكل مصلَ وَتَخْصِيص بَعضهم بِالْإِمَامِ وَالْمُنْفَرد لَا دَلِيل عَلَيْهِ. وَفِيه: طلب الْعلم والإرسال لأَجله. وَفِيه: جَوَاز الإستنابة. وَفِيه: أَخذ الْعلمَاء بَعضهم من بعض. وَفِيه: الإقتصار على النُّزُول مَعَ الْقُدْرَة على الْعُلُوّ لإرسال زيد بن خَالِد بسر بن سعيد إِلَى جهيم، وَلَو طلب الْعُلُوّ لسعى هُوَ بِنَفسِهِ إِلَى أبي جهيم. وَفِيه: قبُول خبر الْوَاحِد.
٢٠١ - (بابُ اسْتِقْبالِ الرَّجُلِ وَهُوَ يُصَلِّي)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان اسْتِقْبَال الرجل الرجل، وَالْحَال أَنه يُصَلِّي يَعْنِي: هَل يكره أم لَا؟ وَالرجل الأول مُضَاف إِلَيْهِ للاستقبال وَالرجل الثَّانِي مَنْصُوب لِأَنَّهُ مفعول. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَفِي بعض النّسخ بَاب اسْتِقْبَال الرجل صَاحبه أَو غَيره، وَفِي بَعْضهَا اسْتِقْبَال الرجل وَهُوَ يُصَلِّي، وَفِي بَعْضهَا لفظ: الرجل مُكَرر، وَلَفظ: هُوَ، يحْتَمل عوده إِلَى الرجل الثَّانِي، فَيكون الرّجلَانِ متواجهين، وَإِلَى الأول فَلَا يلْزم التواجه.
وكَرِهَ عُثْمَانُ أنْ يُسْتَقْبَلَ الرَّجُلُ وَهُوَ يُصَلّى.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَعُثْمَان هُوَ ابْن عَفَّان أحد الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة الرَّاشِدين. قَوْله: (يسْتَقْبل) ، بِضَم الْيَاء على صِيغَة الْمَجْهُول، و: (الرجل) مَرْفُوع لنيابته عَن الْفَاعِل، وَيجوز فتح الْيَاء على صِيغَة الْمَعْلُوم، وَلَا مَانع من ذَلِك، والكرماني اقْتصر على الْوَجْه الأول. قَوْله: (وَهُوَ يُصَلِّي) جملَة إسمية وَقعت حَالا عَن: الرجل، وَقَالَ بَعضهم: وَلم أر هَذَا الْأَثر عَن عُثْمَان إِلَى الْآن، وَإِنَّمَا رَأَيْته فِي (مُصَنف) عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَغَيرهمَا: من طَرِيق هِلَال بن يسَاف عَن عمر أَنه زجر عَن ذَلِك، وَفِيهِمَا أَيْضا عَن عُثْمَان مَا يدل على عدم كَرَاهَة ذَلِك، فَلْيتَأَمَّل، لاحْتِمَال أَن يكون فِيمَا وَقع فِي الأَصْل تَصْحِيف عَن عمر إِلَى عُثْمَان. قلت: لَا يلْزم من عدم رُؤْيَة هَذَا الْأَثر من عُثْمَان أَن لَا يكون مَنْقُولًا عَنهُ، فَلَيْسَ بسديد زعم التَّصْحِيف بِالِاحْتِمَالِ الناشيء عَن غير دَلِيل. فَإِن قلت: رِوَايَة عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة عَن عُثْمَان بِخِلَاف مَا ذكره البُخَارِيّ عَنهُ دَلِيل الِاحْتِمَال. قلت: لَا نسلم ذَلِك لاحْتِمَال أَن يكون الْمَنْقُول عَنهُ آخرا بِخِلَاف مَا نقل عَنهُ أَولا لقِيَام الدَّلِيل عِنْده بذلك.
وَإنّمَا هذَا إِذا اشْتَغَلَ بهِ فأمَّا إذَا لَمْ يَشْتَغِلْ فَقَدْ قَالَ زَيْدُ بنُ ثابِتٍ مَا بالبَيْتُ إنَّ الرَّجُلَ لَا يَقْطَعُ صَلَاةَ الرَّجُلِ.
قَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : هَذَا من كَلَام البُخَارِيّ يُشِير بِهِ إِلَى أَن مذْهبه هَهُنَا بالتفصيل، وَهُوَ أَن اسْتِقْبَال الرجل الرجل فِي الصَّلَاة إِنَّمَا يكره إِذا اشْتغل الْمُسْتَقْبل الْمُصَلِّي، لِأَن عِلّة الْكَرَاهَة فِي كف الْمُصَلِّي عَن الْخُشُوع وَحُضُور الْقلب، وَأما إِذا لم يشْغلهُ فَلَا بَأْس بِهِ، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ قَول زيد بن ثَابت الْأنْصَارِيّ النجاري الفرضي، كَاتب رَسُول ا: مَا باليت، أَي: بالاستقبال الْمَذْكُور. يُقَال: لَا أباليه أَي: لَا أكترث لَهُ. قَوْله: (إِن الرجل) بِكَسْر: إِن لِأَنَّهُ اسْتِئْنَاف ذكر لتعليل عدم المبالاة. وروى أَبُو نعيم فِي (كتاب الصَّلَاة) : حدّثنا مسعر، قَالَ: أَرَانِي أول من سَمعه من الْقَاسِم قَالَ: ضرب عمر رجلَيْنِ: أَحدهمَا مُسْتَقْبل وَالْآخر يُصَلِّي. وحدّثنا سُفْيَان حدّثنا رجل عَن سعيد بن جُبَير أَنه: كره أَن يُصَلِّي وَبَين يَدَيْهِ مخنث مُحدث، وحدّثنا سُفْيَان عَن أَشْعَث بن أبي الشعْثَاء عَن ابْن جُبَير. قَالَ: إِذا كَانُوا يذكرُونَ اتعالى فَلَا بَأْس، وَقَالَ ابْن بطال: أجَاز الْكُوفِيُّونَ وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ الصَّلَاة خلف المتحدثين، وَكَرِهَهُ ابْن مَسْعُود، وَكَانَ ابْن عمر لَا يسْتَقْبل من يتَكَلَّم إلَاّ بعد الْجُمُعَة. وَعَن مَالك: لَا بَأْس أَن يُصَلِّي إِلَى ظهر الرجل، وَأما إِلَى جنبه فَلَا، وروى عَنهُ التَّخْفِيف فِي ذَلِك. وَقَالَ: لَا تصلوا إِلَى المتحلقين، لِأَن بَعضهم يستقبله. قَالَ: وَأَرْجُو أَن يكون وَاسِعًا، وَذَهَبت طَائِفَة من الْعلمَاء إِلَى أَن الرجل يستر إِلَى الرجل إِذا صلى. وَقَالَ الْحسن وَقَتَادَة يستره إِذا كَانَ جَالِسا. وَعَن الْحسن: يستره وَلم يشْتَرط الْجُلُوس وَلَا تَوْلِيَة الظّهْر، وَأكْثر الْعلمَاء على كَرَاهَة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute