وَلَا شكّ أَن المَاء مبارك فِيهِ: فَلذَلِك قَالَ جَابر فِي حَدِيث الْبَاب: فَعلمت أَنه بركَة، وَمِنْه قَول أَيُّوب، عَلَيْهِ السَّلَام: لَا غنى لي عَن بركتك، فَسمى الذَّهَب بركَة، وَذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بَيْنَمَا أَيُّوب يغْتَسل عُريَانا خر عَلَيْهِ جَراد من ذهب، فَجعل أَيُّوب يحثي فِي ثَوْبه، فناداه ربه عز وَجل: يَا أَيُّوب {ألم أكن أغنيتك عَمَّا ترى؟ قَالَ: بلَى يَا رب، وَلَكِن لَا غنى لي عَن بركتك.
٥٦٣٩ - حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حَدثنَا جَرِيرٌ عَن الأعْمَشِ قَالَ: حدّثني سالِمُ بنُ أبي الجَعْدِ عنْ جابِرِ بن عبْدِ الله، رَضِي الله عَنْهُمَا، هاذَا الحَدِيثَ قَالَ: قَدْ رَأيْتُنِي مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقَدْ حَضَرَتِ العَصْرُ ولَيْسَ مَعَنا ماءٌ غَيْر فَضْلَةٍ، فَجُعِلَ فِي إناءٍ فأُتِيَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِهِ فأدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ وفَرَّجَ أصابِعَهُ ثُمَّ قَالَ: حيَّ عَلى أهْلِ الوَضُوءِ} البَرَكَةُ مِنَ الله، فَلَقَدْ رأيْتُ الماءَ يتَفَجَّرُ مِنْ بَيْنِ أصابِعهِ فَتَوَضَّأ النَّاسُ وشَرِبُوا، فَجَعَلْتُ لَا آلُوا مَا جَعَلْتُ فِي بَطْنِي مِنْهُ، فَعَلِمْتُ أنَّهُ بَرَكَةٌ.
قُلْتُ لِجابِرٍ: كمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: ألْفاً وأرْبَعَمِائَةٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَعلمت أَنه بركَة) وَيُمكن أَن يجل قَوْله: (الْبركَة من الله) مطابقاً للجزء الثَّانِي للتَّرْجَمَة، وَهُوَ قَوْله: (وَالْمَاء الْمُبَارك) .
وَجَرِير هُوَ ابْن عبد الحميد، وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان.
والْحَدِيث قد مر فِي عَلَامَات النُّبُوَّة من رِوَايَة حُصَيْن عَن سَالم بن أبي الْجَعْد عَن جَابر.
قَوْله: (هَذَا الحَدِيث) أَشَارَ بِهِ إِلَى الَّذِي بعده. قَوْله: (قد رَأَيْتنِي) أَي: قد رَأَيْت نَفسِي، وَهَذَا يعد من بَاب التَّجْرِيد. قَوْله: (وَقد حضرت الْعَصْر) أَي: صَلَاة الْعَصْر، وَكَانَ ذَلِك فِي الْحُدَيْبِيَة. قَوْله: (غير فضلَة) ، الفضلة مَا فضل من الشَّيْء. قَوْله: (فَأتي) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (حَيّ على أهل الْوضُوء) هَكَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: حَيّ على الْوضُوء، بِإِسْقَاط لفظ: أهل، وَهَذِه أصوب، وَوجه الأول أَن: حَيّ، مَعْنَاهُ: أَسْرعُوا، وَأهل الْوضُوء مَنْصُوب على النداء، وَحذف مِنْهُ حرف النداء. وَقَالَ بَعضهم: كَأَنَّهُ قَالَ: حَيّ على الْوضُوء الْمُبَارك يَا أهل الْوضُوء. قلت: لَيْسَ كَذَلِك، بل تَقْدِيره: حَيّ عَليّ، بتَشْديد الْيَاء يَعْنِي: أَسْرعُوا إِلَيّ يَا أهل الْوضُوء، وَهُوَ بِفَتْح الْوَاو اسْم لما يتَوَضَّأ بِهِ. قَوْله: (يتفجر) من التفجر، وَهُوَ التفتح بِالسَّعَةِ وَالْكَثْرَة. قَوْله: (من بَين أَصَابِعه) يحْتَمل أَن يكون الانفجار من نفس الْأَصَابِع يَنْبع مِنْهَا وَأَن يخرج من بَين الْأَصَابِع لَا من نَفسهَا، وعَلى كل تَقْدِير فَالْكل معْجزَة عَظِيمَة لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَالْأول أقوى لِأَنَّهُ من اللَّحْم. قَوْله: (لَا آلو) أَي: لَا أقصر فِي الاستكثار من شربه، وَلَا أفتر فِيمَا أقدر أَن أجعله فِي بَطْني من ذَلِك المَاء.
وَفِيه: من الْفِقْه: أَن الْإِسْرَاف فِي الطَّعَام وَالشرَاب مَكْرُوه إِلَّا الْأَشْيَاء الَّتِي أرى الله فِيهَا بركَة غير معهودة، وَأَنه لَا بَأْس بالاستكثار مِنْهَا وَلَيْسَ فِي ذَلِك سرف وَلَا استكثار وَلَا كَرَاهِيَة.
قَوْله: (قلت لجَابِر) الْقَائِل هُوَ سَالم بن أبي الْجَعْد. قَوْله: (ألفا وَأَرْبَعمِائَة) بِالنّصب على أَنه خبر: كَانَ، وَالتَّقْدِير: كُنَّا ألفا وَأَرْبَعمِائَة، وَعند الْأَكْثَرين: ألف وَأَرْبَعمِائَة، بِالرَّفْع تَقْدِيره: نَحن يومئذٍ ألف وَأَرْبَعمِائَة، فَيكون ارتفاعه على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، وَقد مر الْكَلَام على الِاخْتِلَاف على جَابر فِي عَددهمْ يَوْم الْحُدَيْبِيَة.
{بِسم الله الرحمان الرَّحِيم}
٧٥ - (كتابُ المَرْضَى)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان أَحْوَال المرضى، وَهُوَ جمع مَرِيض، وَالْمَرَض خُرُوج الْجِسْم عَن المجرى الطبيعي، ويعبر عَنهُ بِأَنَّهُ حَالَة أَو ملكة تصدر بهَا الْأَفْعَال عَن الْمَوْضُوع لَهَا غير سليمَة، وَقدم ابْن بطال عَلَيْهِ: كتاب الْأَيْمَان وَالنُّذُور، وَذكره بعد كتاب الْأَدَب.
١ - (بابُ مَا جاءَ فِي كَفَّارةِ المَرَض)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا جَاءَ من الْأَخْبَار فِي كَفَّارَة الْمَرَض، وَالْكَفَّارَة صِيغَة الْمُبَالغَة من الْكفْر، وَهُوَ التغطية قيل: الْمَرَض لَيْسَ لَهُ كَفَّارَة بل هُوَ كَفَّارَة للْغَيْر. وَأجِيب بِأَن الْإِضَافَة بَيَانِيَّة، نَحْو: شجر الْأَرَاك، أَي: كَفَّارَة هِيَ مرض أَو الْإِضَافَة بِمَعْنى: فِي، فَكَانَ