الْمَرَض ظرف لِلْكَفَّارَةِ، أَو هُوَ من بَاب إِضَافَة الصّفة إِلَى الْمَوْصُوف، ثمَّ إعلم بِأَنَّهُ قد جرت الْعَادة بَين المؤلفين على أَنهم إِذا ذكرُوا لفظ: الْكتاب، فِي أَي شَيْء كَانَ يذكرُونَ عَقِيبه لفظ: الْبَاب بَابا بعد بَاب إِلَى أَن تَنْتَهِي الْإِشَارَة بالأبواب إِلَى الْأَنْوَاع الَّتِي تَتَضَمَّن الْكتاب وَالْبَاب بِمَعْنى النَّوْع، يَأْتِي: وَهَكَذَا وَقعت هَذِه التَّرْجَمَة عقيب التَّرْجَمَة بِكِتَاب المرضى عِنْد الْأَكْثَرين وَخَالفهُم النَّسَفِيّ فَلم يفرد كتاب المرضى من كتاب الطِّبّ، بل صدر بِكِتَاب الطِّبّ ثمَّ ذكر التَّسْمِيَة، ثمَّ قَالَ: مَا جَاءَ. . إِلَى آخِره، وَلِهَذَا وَقع فِي بعض النّسخ هُنَا مَوضِع كتاب المرضى كتاب الطِّبّ.
وقَوْلِ الله تَعَالَى: {من يعْمل سوءا يجز بِهِ} (النِّسَاء: ١٢٣) .
وَقَول الله بِالْجَرِّ عطفا على قَوْله: مَا جَاءَ، لِأَنَّهُ مجرور محلا بِالْإِضَافَة. قَالَ الْكرْمَانِي: وَجه مُنَاسبَة الْآيَة بِالْكتاب هُوَ أَن الْآيَة أَعم من يَوْم الْقِيَامَة، فَيتَنَاوَل الْجَزَاء فِي الدُّنْيَا بِأَن يكون مَرضه عُقُوبَة لتِلْك الْمعْصِيَة، فَيغْفر لَهُ بِسَبَب ذَلِك الْمَرَض. وَقيل: الْحَاصِل أَن الْمَرَض كَمَا جَازَ أَن يكون مكفراً للخطايا كَذَلِك يكون جُزْءا لَهَا. وَقَالَ ابْن بطال: ذهب أَكثر أهل التَّأْوِيل إِلَى أَن معنى الْآيَة أَن الْمُسلم يجازى على خطاياه فِي الدُّنْيَا بالمصائب الَّتِي تقع لَهُ فِيهَا، فَتكون كَفَّارَة لَهَا. وَقَالَ اللَّيْث: عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: لما نزل قَوْله تَعَالَى: {من يعْمل سوءا يُجز بِهِ} خرج علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: لقد أنزلت عَليّ آيَة هِيَ خير لأمتي من الدُّنْيَا، وَمَا فِيهَا، ثمَّ قَرَأَهَا، ثمَّ قَالَ: إِن العَبْد إِذا أذْنب ذَنبا فتصيبه شدَّة أَو بلَاء فِي الدُّنْيَا فَإِن الله تَعَالَى أكْرم من أَن يعذبه ثَانِيًا.
٥٦٤٠ - حدّثنا أبُو اليَمانِ الحَكَمُ بنُ نافِعٍ أخبرَنا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبرنِي عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْر أنَّ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، زَوُجَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالَتْ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ المسْلِمَ إلَاّ كَفَّرَ الله بِها عنْهُ حتَّى الشَّوْكَةُ يُشاكُها.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن التَّرْجَمَة فِيمَا جَاءَ فِي كَفَّارَة الْمَرَض. وَحَدِيث عَائِشَة مِمَّا جَاءَ فِي ذَلِك.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم من طَرِيق مَالك بن أنس وَيُونُس بن يزِيد عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا من مُصِيبَة يصاب بهَا الْمُسلم إلَاّ كفر بهَا عَنهُ، حَتَّى الشَّوْكَة يشاكها ... وَأخرج التِّرْمِذِيّ من حَدِيث الْأسود عَن عَائِشَة، قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يُصِيب الْمُؤمن شَوْكَة فَمَا فَوْقهَا إلَاّ رَفعه الله بهَا دَرَجَة وَحط عَنهُ بهَا خَطِيئَة.
قَوْله: (مَا من مُصِيبَة) أصل الْمُصِيبَة الرَّمية بِالسَّهْمِ ثمَّ اسْتعْملت فِي كل نازلة، وَقَالَ الرَّاغِب: أصَاب يسْتَعْمل فِي الْخَيْر وَالشَّر، قَالَ الله عز وَجل: {إِن تصبك حَسَنَة تسؤهم وَإِن تصبك مُصِيبَة} (التَّوْبَة: ٥٠)
الْآيَة قَالَ: وَقيل: الْإِصَابَة فِي الْخَيْر مَأْخُوذَة من الصوب، وَهُوَ الْمَطَر الَّذِي ينزل بِقدر الْحَاجة من غير ضَرَر، وَفِي الشَّرّ مَأْخُوذَة من أصابة السهْم. وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْمُصِيبَة فِي اللُّغَة مَا ينزل بالإنسان مُطلقًا، وَفِي الْعرف: مَا نزل بِهِ من مَكْرُوه خَاصَّة، وَهُوَ المُرَاد هُنَا. قَوْله: (حَتَّى الشَّوْكَة يشاكها) قَالَ الطَّيِّبِيّ: الشَّوْكَة مُبْتَدأ، أَو يشاكها خَبره، وَرِوَايَة الْجَرّ ظَاهِرَة، وَالضَّمِير فِي: يشاكها، مَفْعُوله الثَّانِي، وَالْمَفْعُول الأول مُضْمر. أَي: يشاك الْمُسلم تِلْكَ الشَّوْكَة. قيل: وَيجوز النصب بِتَقْدِير عَامل أَي: حَتَّى وجد الشَّوْكَة يشاكها. قَوْله: (يشاكها) بِالضَّمِّ، قَالَ الْكسَائي: شكت الرجل الشَّوْكَة أَي: أدخلت فِي جسده شَوْكَة، وشيك، هُوَ مَا لم يسم فَاعله، يشاك شوكاً، وَقَالَ الْأَصْمَعِي: شاكتني الشَّوْكَة إِذا دخلت فِي جَسَدِي، وَيُقَال: أشكت فلَانا أَي: آذيته بِالشَّوْكَةِ. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَهُوَ متعدٍ إِلَى مفعول وَاحِد، فَمَا هَذَا الضَّمِير؟ قلت: هُوَ من بَاب وصل الْفِعْل أَي: يشاك بهَا، فَحذف الْجَار وأوصل الْفِعْل. وَقَالَ ابْن التِّين: حَقِيقَة قَوْله: (يشاكها) أَي: يدخلهَا غَيره. قلت: يردهُ مَا رَوَاهُ مُسلم من رِوَايَة هِشَام بن عُرْوَة لَا يُصِيب الْمُؤمن شَوْكَة، بِإِضَافَة الْفِعْل إِلَيْهَا، وَهُوَ الْحَقِيقَة، وَلَكِن لَا يمْنَع: إِرَادَة الْمَعْنى الْأَعَمّ، وَهُوَ أَن تدخل هِيَ بِغَيْر فعل أحد، أَو تدخل بِفعل أحد. فَإِن قلت: على هَذَا يلْزم الْجمع بَين الْحَقِيقَة وَالْمجَاز. قلت: هَذَا لَا يمْنَع عِنْد من يجوز الْجمع بَين إِرَادَة الْحَقِيقَة وَالْمجَاز، وَأما عِنْد من يمْنَع ذَلِك فَيكون من بَاب عُمُوم الْمجَاز.
٥٦٤١ - حدّثني عبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حَدثنَا عبْدُ المَلِكِ بنُ عَمرٍ وَحدثنَا زُهَيْرُ بنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ حَلْحَلَة عنْ عطاءِ بنِ يَسار عنْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ. وعنْ أبي هُرَيْرَةَ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute