تأذين ابْن أم مَكْتُوم) ، وَكَانَ من مؤذنيه أَيْضا سعد الْقرظ وَأَبُو مَحْذُورَة والْحَارث الصدائي، فَمَا التَّوْفِيق بَين هَذِه الرِّوَايَات؟ قلت: أَرَادَ السَّائِب بقوله: (لم يكن لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غير مُؤذن وَاحِد) ، يَعْنِي فِي الْجُمُعَة، فَلم ينْقل أَن غَيره كَانَ يُؤذن للْجُمُعَة، فَالَّذِي ورد عَنهُ التأذين يَوْم الْجُمُعَة، بِلَال، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَلم ينْقل أَن ابْن أم مَكْتُوم كَانَ يُؤذن للْجُمُعَة. وَأما سعد الْقرظ فَكَانَ جعله مُؤذنًا بقباء، وَأما أَبُو مَحْذُورَة جعله مُؤذنًا بِمَكَّة، شرفها الله تَعَالَى، وَأما الْحَارِث، فَإِنَّهُ تعلم الْأَذَان حَتَّى يُؤذن لِقَوْمِهِ.
قَالَ أبُو عُبَيْدِ الله الزَّوْرَاءُ مَوْضِعٌ بالسُّوقِ بالمَدِينَةِ
أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، والزوراء، بِفَتْح الزَّاي وَسُكُون الْوَاو بعْدهَا رَاء ممدودة، وَقد فَسرهَا البُخَارِيّ بقوله: مَوضِع بِالسوقِ بِالْمَدِينَةِ. وَقَالَ ابْن بطال: هُوَ حجر كَبِير عِنْد بَاب الْمَسْجِد. قَالَ أَبُو عبيد: هِيَ ممدودة ومتصلة بِالْمَدِينَةِ، وَبهَا كَانَ مَال أحيحة بن الجلاح، وَهِي الَّتِي عنيت بقوله:
(إِنِّي مُقيم على الزَّوْرَاء أعمرها ... إِن الْكَرِيم على الإخوان ذُو المَال)
وَقَالَ أَبُو عبد الله الْحَمَوِيّ: هِيَ قرب الْجَامِع مُرْتَفعَة كالمنارة، وَيفرق بَينهَا وَبَين أَرض أحيحة وَفِي (فَتَاوَى ابْن يَعْقُوب الخاصي) : هِيَ المأذنة، وَفِيه نظر. وَلم يكن فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مأذنة الَّتِي يُقَال لَهَا: المنارة، نعم كل مَوضِع مُرْتَفع عَال يشبه بالمنارة، وَعند ابْن مَاجَه وَابْن خُزَيْمَة بِلَفْظ: (زَاد النداء الثَّالِث على دَار فِي السُّوق يُقَال لَهَا: الزَّوْرَاء) ، وَعند الطَّبَرَانِيّ: (فَأمر بالنداء الأول على دَار لَهُ يُقَال لَهَا الزَّوْرَاء) .
٢٢ - (بابٌ المُؤَذِّنُ الوَاحِدُ يَوْمَ الجُمُعَةِ)
أَي: هَذَا بَاب تَرْجَمته: الْمُؤَذّن الْوَاحِد يَوْم الْجُمُعَة، وَأَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى الرَّد على من قَالَ: (كَانَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِذا رقي الْمِنْبَر وَجلسَ أذن المؤذنون، وَكَانُوا ثَلَاثَة وَاحِدًا بعد وَاحِد، فَإِذا فرغ الثَّالِث قَامَ فَخَطب) . وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ ابْن حبيب.
٩١٣ - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ أبِي سَلَمَةَ المَاجِشُونُ عنِ الزُّهْرِيِّ عنِ السَّائِبِ بنِ يَزِيدَ أنَّ الَّذِي زَادَ التَّأذِينَ الثَّالِثَ يَوْمَ الجُمُعَةِ عُثْمَانُ بنُ عَفَّانَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ حينَ كَثُرَ أهْلُ المَدِينَةِ ولَمْ يَكُنْ للنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُؤذِّنٌ غَيْرُ وَاحِدٍ وكانَ التَّأذِينْ يوْمَ الجُمُعَةِ حِينَ يَجْلِسُ الإمامُ يَعْنِي عَلَى المِنْبَرِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، والْحَدِيث أخرجه فِي الْبَاب الَّذِي قبله عَن آدم بن أبي إِيَاس، وَأخرجه هَهُنَا لأجل التَّرْجَمَة الْمَذْكُورَة للزِّيَادَة الَّتِي فِيهِ، وَهِي قَوْله: (وَلم يكن للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُؤذن غير وَاحِد) ، عَن أبي نعيم الْفضل بن دُكَيْن عَن عبد الْعَزِيز ابْن أبي سَلمَة، بِفَتْح اللَّام الْمَاجشون، بِفَتْح الْجِيم وَكسرهَا، عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ ... إِلَى آخِره.
وَفِيه أَن عُثْمَان هُوَ الَّذِي زَاد الْأَذَان الثَّالِث الَّذِي هُوَ الأول فِي الْوُجُود، كَمَا ذكرنَا وَجهه مستقصىً وَذكرنَا أَيْضا وَجه قَوْله: (وَلم يكن للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُؤذن غير وَاحِد) . وَفِيه: أَن الْمُسْتَحبّ أَن يجلس الإِمَام على الْمِنْبَر بعد صُعُوده، إِمَّا للأذان أَو للاستراحة، كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي الْبَاب السَّابِق، وَأَن الْمُسْتَحبّ الْخطْبَة على الْمِنْبَر، فَإِن لم يكن فعلى مَوضِع عَال مشرفٍ، وَسمي الْمِنْبَر أَيْضا بِهِ لِأَنَّهُ من النبر وَهُوَ الِارْتفَاع، وَالْقِيَاس فِيهِ فتح الْمِيم، وَلَكِن المسموع كسرهَا. فَافْهَم.
٢٣ - (بابٌ يُجِيبُ الإمَامُ عَلَى المِنْبَرِ إذَا سَمِعَ النِّدَاءَ)
أَي: هَذَا بَاب تَرْجَمته يُجيب الإِمَام وَهُوَ على الْمِنْبَر إِذا سمع النداء أَي: الْأَذَان، وَإِنَّمَا أطلق الْأَذَان عَلَيْهِ. وَإِن كَانَ جَوَابا لَهُ، لِأَن صورته صُورَة الْأَذَان. وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة: يُؤذن، بدل: يُجيب، فَكَأَنَّهُ سَمَّاهُ أذانا لكَونه بِلَفْظِهِ.