للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بِمَ تعرفُون ربكُم؟ قَالُوا: بَيْننَا وَبَينه عَلامَة أَن رأيناها عَرفْنَاهُ. قَالَ: مَا هِيَ؟ قَالَ: يكْشف عَن سَاق. قَالَ: فَيكْشف عِنْد ذَلِك عَن سَاق فيخر الْمُؤْمِنُونَ سجدا. قَالَ: وَمَا يُنكر هَذَا اللفط ويفر مِنْهُ إلَاّ من يفر عَن الْيَد والقدم وَالْوَجْه وَنَحْوهَا. فعطل الصِّفَات. وَزعم ابْن الْجَوْزِيّ: أَن ذَلِك بِمَعْنى كشف الشدائد عَن الْمُؤمنِينَ فيسجدون شكرا. وَاسْتدلَّ على ذَلِك بِحَدِيث أبي مُوسَى مَرْفُوعا. فَيكْشف لَهُم الْحجاب فَيَنْظُرُونَ إِلَى الله، وَعَن ابْن مَسْعُود: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة قَامَ النَّاس لرب الْعَالمين أَرْبَعِينَ عَاما فِيهِ فَعِنْدَ ذَلِك يكْشف عَن سَاق ويتجلى لَهُم، وأوله بَعضهم بِأَن الله يكْشف لَهُم عَن سَاق لبَعض المخلوفين من مَلَائكَته وَغَيرهم، وَيجْعَل ذَلِك سَببا لبَيَان مَا شَاءَ من حكمته فِي أهل الْإِيمَان والنفاق. وَعَن أبي الْعَبَّاس النَّحْوِيّ أَنه قَالَ: السَّاق النَّفس. كَمَا قَالَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: وَالله لأقاتلن الْخَوَارِج وَلَو تلفت ساقي، فَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد بِهِ تجلي ذَاته لَهُم وكشف الْحجب حَتَّى إِذا رَأَوْهُ سجدوا لَهُ. وَقرأَهَا ابْن عَبَّاس: يكْشف، بِضَم الْيَاء وقرىء: نكشف، بالنُّون، ويكشف، على الْبناء للْفَاعِل وللمفعول جَمِيعًا، وَالْفِعْل للساعة أَو للْحَال أَي: يَوْم تشتد الْحَال أَو السَّاعَة. وقرىء: بِالْيَاءِ المضمومة وَكسر الشين من أكشف إِذا دخل فِي الْكَشْف. قَوْله: (فَيسْجد لَهُ) ، أَي: لله. فَإِن قلت: الْقِيَامَة دَار الْجَزَاء لَا دَار الْعَمَل. قلت: هَذَا السُّجُود لَا يكون على سَبِيل التَّكْلِيف بل على سَبِيل التَّلَذُّذ بِهِ والتقرب إِلَى الله تَعَالَى. قَوْله: (يَاء) ، أَي: ليراه النَّاس. قَوْله: (وسَمعه) ، أَي: ليسمعونه. قَوْله: (طبقًا وَاحِدًا) ، أَي: لَا ينثني للسُّجُود وَلَا ينحني لَهُ، وَهُوَ بِفَتْح الطَّاء. وَالْبَاء الْمُوَحدَة. قَالَ الْهَرَوِيّ: الطَّبَق ففار الظّهْر أَي: سَار فقاره وَاحِدًا كالصحيفة فَلَا يقدر على السُّجُود، وَجَاء فِي حَدِيث طَوِيل فالمؤمنون يخرون سجدا على وُجُوههم ويخر كل مُنَافِق على قَفاهُ، وَيجْعَل الله تَعَالَى أصلابهم كصيامي الْبَقر، وَفِي رِوَايَة: وَيبقى المُنَافِقُونَ لَا يَسْتَطِيعُونَ كَأَن فِي ظُهُورهمْ السَّفَافِيد فَيذْهب بهم إِلَى النَّار، وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَقد اسْتدلَّ بعض الْعلمَاء بِهَذَا مَعَ قَول الله تَعَالَى: {وَيدعونَ إِلَى السُّجُود فَلَا يَسْتَطِيعُونَ} (الْقَلَم: ٢٤) على جَوَاز تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق وَهَذَا اسْتِدْلَال بَاطِل. فَإِن الْآخِرَة لَيست دَار تَكْلِيف بِالسُّجُود وَإِنَّمَا المُرَاد امتحانهم.

(سُورَةُ الحَاقَّةِ)

أَي: هَذَا فِي تَفْسِير بعض سُورَة الحاقة وَهِي مَكِّيَّة فِي قَول الْجَمِيع، وَقَالَ السخاوي: نزلت قبل المعارج وَبعد سُورَة الْملك، وَهِي ألف وَأَرْبَعَة وَثَمَانُونَ حرفا. ومائتان وست وَخَمْسُونَ كلمة، وَاثْنَتَانِ وَخَمْسُونَ آيَة. وَفِي مُسْند ابْن عَبَّاس: عَن معَاذ إِنَّمَا سميت الحاقة لِأَن فِيهَا حقائق الْأَعْمَال من الثَّوَاب وَالْعِقَاب.

(بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)

ثبتَتْ الْبَسْمَلَة لأبي ذَر وَحده.

حُسُوما مُتَتَابِعَةً

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {سخرها عَلَيْهِم سبع لَيَال وَثَمَانِية أَيَّام حسوما} (الحاقة: ٧) وَفَسرهُ بقوله: (متتابعة) ، وَكَذَا فسره مُجَاهِد وَقَتَادَة وَمعنى متتابعة لَيْسَ فِيهَا فَتْرَة وَهُوَ من حسم الكي وَهُوَ أَن يُتَابع عَلَيْهِ بالمكواة وَعَن الْكَلْبِيّ: دائمة، وَعَن الضَّحَّاك: كَامِلَة لم تفتر عَنْهُم حَتَّى أفنتهم، وَعَن الْخَلِيل: قطعا لدابرهم، والحسم الْقطع وَالْمَنْع وَمِنْه حسم الدَّوَاء وحسم الرَّضَاع وانتصابه على الْحَال وَالْقطع قَالَه الثَّعْلَبِيّ، وَهَذَا لم يثبت إلَاّ للنسفي وَحده.

وَقَالَ ابنُ جُبَيْرٍ: {عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} (الحاقة: ١٢) يُرِيدُ فِيهَا الرِّضا

أَي: قَالَ سعيد بن جُبَير فِي قَوْله تَعَالَى: {فَهُوَ فِي عيشة راضية} (الحاقة: ١٢) يُرِيد فِيهَا الرِّضَا أَي: ذَات الرِّضَا أَرَادَ بِهِ أَنه من بَاب ذِي كَذَا كتامر وَلابْن، وَعند عُلَمَاء الْبَيَان هَذَا اسْتِعَارَة بِالْكِنَايَةِ، وَهَذَا لم يثبت إلَاّ لأبي ذَر والنسفي.

القَاضِيَةَ المَوْتَةَ الأُوْلَى الَّتِي مُتُّها ثُمَّ أُحْيا بَعْدَها

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {يَا ليتها كَانَت القاضية مَا أغْنى عني ماليه} (الحاقة: ٧٢، ٨٢) أَي: لَيْت الموتة الأولى كَانَت القاطعة لأمري لن أَحْيَا بعْدهَا وَلَا يكون بعث وَلَا جَزَاء، وَقَالَ قَتَادَة: تمنى الْمَوْت وَلم يكن عِنْده فِي الدُّنْيَا شَيْء أكره من الْمَوْت. قَوْله: (ثمَّ أَحْيَا) ، بعْدهَا: وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: لم أَحَي بعْدهَا، وَهَذِه هِيَ الْأَصَح، وَالظَّاهِر أَن النَّاسِخ صحف لم بثم.

<<  <  ج: ص:  >  >>