وَإِن حملت ردهَا بعد الْولادَة وَقِيمَة وَلَدهَا إِن ولد حَيا، وَمَا نقصتها الْولادَة، وَإِن مَاتَت لزمَه مثلهَا، فَإِن لم يُوجد مثلهَا فقيمتها. وَقَالَ ابْن قدامَة: أما بَنو آدم، فَقَالَ أَحْمد: أكره قرضهم، فَيحْتَمل كَرَاهَة تَنْزِيه، وَيصِح قرضهم، وَهُوَ قَول ابْن جريج والمزني، وَيحْتَمل أَنه كَرَاهَة تَحْرِيم، فَلَا يَصح قرضهم، وَاخْتَارَهُ القَاضِي فِي (شرح الْمُهَذّب) : استقراض الْحَيَوَان فِيهِ ثَلَاثَة مَذَاهِب: مَذْهَب الشَّافِعِي وَمَالك وجماهير الْعلمَاء: جَوَازه إِلَّا الْجَارِيَة لمن ملك وَطأهَا، فَإِنَّهُ لَا يجوز، وَيجوز إقراضها لمن لَا يجوز لَهُ وطؤهما كمحرمها، وللمرأة وَالْخُنْثَى. الثَّانِي: مَذْهَب ابْن جرير وَدَاوُد، وَيجوز قرض الْجَارِيَة وَسَائِر الْحَيَوَان لكل أحد. الثَّالِث: مَذْهَب أبي حنيفَة والكوفيين وَالثَّوْري وَالْحسن بن صَالح، وَرُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود وَحُذَيْفَة وَعبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة مَنعه، وَقد مر الْجَواب عَمَّا قَالُوا من جَوَاز قرض الْحَيَوَان فِي كتاب الْبيُوع فِي: بَاب بيع العبيد وَالْحَيَوَان بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَة، وَفِيه مَا يدل أَن الْمقْرض إِذا أعطَاهُ الْمُسْتَقْرض أفضل مِمَّا اقْترض جِنْسا أَو كَيْلا أَو وزنا، أَن ذَلِك مَعْرُوف، وَأَنه يطيب لَهُ أَخذه مِنْهُ لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اثنى فِيهِ على من أحسن الْقَضَاء، وَأطلق ذَلِك وَلم يُقَيِّدهُ. قلت: هَذَا عِنْد جمَاعَة الْعلمَاء إِذا لم يكن بِغَيْر شَرط مِنْهُمَا فِي حِين السّلف، وَقد أجمع الْمُسلمُونَ نقلا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَن اشْتِرَاط الزِّيَادَة فِي السّلف رَبًّا. وَفِيه: دَلِيل على أَن للْإِمَام أَن يستسلف للْمَسَاكِين على الصَّدقَات ولسائر الْمُسلمين على بَيت المَال، لِأَنَّهُ كالوصي لجميعهم وَالْوَكِيل، مَعْلُوم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يستسلف ذَلِك لنَفسِهِ لِأَنَّهُ قَضَاهُ من إبل الصَّدَقَة، وَمَعْلُوم أَن الصَّدَقَة مُحرمَة عَلَيْهِ، لَا يحل لَهُ أكلهَا وَلَا الِانْتِفَاع بهَا. فَإِن قلت: فلِمَ أعْطى من أَمْوَالهم أَكثر مِمَّا اسْتقْرض لَهُم؟ قلت: هَذَا الحَدِيث دَلِيل على أَنه جَائِز للْإِمَام إِذا اسْتقْرض للْمَسَاكِين أَن يرد من مَالهم أَكثر مِمَّا أَخذ على وَجه النّظر وَالصَّلَاح إِذا كَانَ على غير شَرط. فَإِن قلت: إِن الْمُسْتَقْرض مِنْهُ غنى، وَالصَّدَََقَة لَا تحل لَغَنِيّ؟ قلت: قد يحْتَمل أَن يكون الْمُسْتَقْرض مِنْهُ قد ذهبت إبِله بِنَوْع من حوائج الدُّنْيَا، فَكَانَ فِي وَقت صرف مَا أَخذ مِنْهُ إِلَيْهِ فَقِيرا تحل لَهُ الزَّكَاة، فَأعْطَاهُ النبيصلى الله عَلَيْهِ وَسلم خيرا من بعيره بِمِقْدَار حَاجته، وَجمع فِي ذَلِك وضع الصَّدَقَة فِي موضعهَا وَحسن الْقَضَاء، وَيحْتَمل أَن يكون غارما أَو عَارِيا مِمَّن يحل لَهُ الصَّدَقَة من الْأَغْنِيَاء. وَقيل: وَيحْتَمل أَنه كَانَ اقْترض لنَفسِهِ، فَلَمَّا جَاءَت إبل للصدقة اشْترى مِنْهَا بَعِيرًا مِمَّن اسْتَحَقَّه، فملكه بِثمنِهِ وأوفاه مُتَبَرعا بِالزِّيَادَةِ من مَاله، يدل عَلَيْهِ رِوَايَة مُسلم: (اشْتَروا لَهُ بَعِيرًا) . وَقيل: إِن الْمُقْتَرض كَانَ بعض المحتاجين، اقْترض لنَفسِهِ، فَأعْطَاهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من الصَّدَقَة، وَهَذَا يرد قَول من قَالَ: إِنَّه كَانَ يَهُودِيّا. وَقيل يحْتَمل أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ اقترضه لبَعض نَوَائِب الْمُسلمين، لِأَنَّهُ اقترضه لخاصة نَفسه، وَعبر الرَّاوِي عَن ذَلِك مجَازًا، إِذْ كَانَ هُوَ الْآمِر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَأما قَول من قَالَ: كَانَ استسلافه ذَلِك قبل أَن تحرم عَلَيْهِ الصَّدَقَة ففاسد، لِأَنَّهُ لم ويزل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُحرمَة عَلَيْهِ الصَّدَقَة. قَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَذَلِكَ من خَصَائِصه، وَمن عَلَامَات نبوته فِي الْكتب الْقَدِيمَة، بِدَلِيل قصَّة سلمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
٦ - (بابُ الوَكَالَةِ فِي قَضاءِ الدُّيُونِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْوكَالَة فِي قَضَاء الدُّيُون.
٦٠٣٢ - حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَة بنَ عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّ رجُلاً أتَى النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَتَقَاضاهُ فأغْلَظَ فَهَمَّ بِهِ أصْحَابُهُ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعُوهُ فإنَّ لِصاحِبِ الحَقِّ مقَالاً ثُمَّ قَالَ أعْطُوهُ سِنّا مِثْلَ سِنِّهِ قالُوا يَا رسولَ الله لَا نَجِدُ إلَاّ أمْثَلَ مِنْ سِنِّهِ فَقَالَ أعْطُوهُ فإنَّ مِنْ خَيْرِكُمْ أحْسَنَكُمْ قَضاءً. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أَعْطوهُ سنا) ، لِأَن أمره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِإِعْطَاء السن وكَالَة فِي قَضَاء دينه، وَهَذَا الحَدِيث هُوَ الحَدِيث الْمَذْكُور فِي الْبَاب الَّذِي قبله، لكنه من وَجه آخر، وَبَينهمَا بعض تفَاوت فِي الْمَتْن بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَان، وَأخرجه هُنَاكَ: عَن أبي نعيم عَن سُفْيَان عَن سَلمَة، وَهَهُنَا أخرجه: عَن سُلَيْمَان بن حَرْب وَأبي أَيُّوب الواشحي الْبَصْرِيّ، قَاضِي مَكَّة عَن شُعْبَة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute