للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَوْله: (وَعرف المسلك) ، بِكَسْر الْمِيم، وَهُوَ مُعرب، مشك، بالشين الْمُعْجَمَة وَضم الْمِيم، ويروى: عرف مسك، مُنْكرا وَكَذَلِكَ. الدَّم، يرْوى مُنْكرا قَوْله: (وَالْعرْف) ينْتج بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الرَّاء وَفِي آخه فَاء وَهِي الرَّائِحَة الطّيبَة والمنتنة أَيْضا.

بَيَان استنباط الْفَوَائِد وَمِنْهَا: أَن الْحِكْمَة فِي كَون دم الشَّهِيد يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة على هَيْئَة إِنَّه يشْهد لصَاحبه بفضله، وعَلى ظالمه بِفِعْلِهِ وَمِنْهَا: كَونه على رَائِحَة الْمسك إِظْهَارًا لفضيلته لأهل الْمَحْشَر، وَلِهَذَا لَا يغسل دَمه وَلَا هُوَ يغسل خلافًا لسَعِيد بن الْمسيب وَالْحسن وَمِنْهَا: الدّلَالَة على فضل الْجراحَة فِي سَبِيل الله. وَمِنْهَا: أَن قَوْله: (عرف الْمسك) لَا يسْتَلْزم أَن يكون مسكاً حَقِيقَة بل يَجعله الله شَيْئا يشبه هَذَا وَلَا كَونه دَمًا يسْتَلْزم أَن يكون دَمًا نجسا حَقِيقَة، وَيجوز أَن يحوله الله إِلَى مسك حَقِيقَة لقدرته على كل شَيْء كَمَا أَنه يحول أَعمال بني آدم من الْحَسَنَات والسيئات إِلَى جَسَد ليوزن فِي الْمِيزَان الَّذِي ينصبه يَوْم الْقِيَامَة وَالله أعلم.

٦٨ - (بَاب البَولِ فِي الماءِ الدَّائِمِ)

أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْبَوْل فِي المَاء الراكد، وَهُوَ الَّذِي لَا يجْرِي فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ، بَاب لَا تبولوا فِي المَاء الراكد وَفِي بعض النّسخ: بَاب المَاء الدَّائِم، وَفِي بَعْضهَا، بَاب الْبَوْل فِي المَاء الدَّائِم ثمَّ الَّذِي لَا يجْرِي، وَتَفْسِير الدَّائِم هُوَ: الَّذِي لَا يجْرِي وَذكر قَوْله: بعد ذَلِك الَّذِي لَا يجْرِي يكون تَأْكِيدًا لمعناه وَصفَة مُوضحَة لَهُ، وَقيل: للِاحْتِرَاز عَن راكد لَا يجْرِي بعضه كالبرك وَنَحْوهَا. قلت: فِيهَا تعسف، وَالْألف وَاللَّام فِي المَاء، إِمَّا لبَيَان حَقِيقَة الْجِنْس أَو للْعهد الذهْنِي، وَهُوَ: المَاء الَّذِي يُرِيد الملكف التوضأ بِهِ والاغتسال مِنْهُ.

فَإِن قلت مَا وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ؟ قلت: ظَاهر لِأَن الْبَاب السَّابِق فِي بَيَان السّمن وَالْمَاء الَّذِي يَقع فِيهِ النَّجَاسَة، وَهَذَا أَيْضا فِي بَيَان المَاء الراكد الَّذِي يَبُول فِيهِ الرجل فيتقاربان فِي الحكم وَلم أجد مِمَّن اعتنى بشرح هَذَا الْكتاب أَن يذكر وُجُوه المناسبات بَين الْأَبْوَاب والكتب إلَاّ نَادرا.

٢٣٨ - حدّثنا أَبُو الْيَمَان قالَ أخبرنَا شُعَيْبٌ قَالَ إأخبرنا أبُو الزِّنادِ أنَّ عَبْدَ الرَّحْمانِ بنَ هُرْمُزَ الأَعْرَجَ حَدَّثَهُ أنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنْهُ تَعَالَى أنَّهُ سَمِعَ رَسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول نحْنُ الآخَرُونَ السَّابِقُونَ

باسْنَادِهِ قَالَ لَا يَبُولَنَّ احَدُكُمْ فِي الماءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي ثُمَّ يَغْتَسَلُ فِيهِ.

هَذَانِ حديثان مستقلان، ومطابقة الحَدِيث الثَّانِي للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأما الْحِكْمَة فِي تَقْدِيم الحَدِيث الأول فقد اخْتلفُوا فِيهَا فَقَالَ ابْن بطال: يحْتَمل أَن يكون أَبُو هُرَيْرَة سمع ذَلِك من النَّبِي ت وَمَا بعده فِي نسق وَاحِد،. فَحدث بهما جَمِيعًا وَيحْتَمل أَن يكون همام فعل ذَلِك لِأَنَّهُ سَمعهَا من أبي هُرَيْرَة وإلَاّ فَلَيْسَ فِي الحَدِيث مُنَاسبَة للتَّرْجَمَة. قيل: فِي الِاحْتِمَال الأول نظر لتعذره. وَلِأَنَّهُ مَا بلغنَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حفظ عَنهُ أحد فِي مجْلِس وَاحِد مِقْدَار هَذِه النُّسْخَة صَحِيحا إِلَّا أَن يكون من الْوَصَايَا الْغَيْر الصَّحِيحَة، وَلَا يقرب من الصَّحِيح. وَقَالَ ابْن الْمُنِير: مَا حَاصله أَن هما مَا رَاوِيه، روى جملَة أَحَادِيث عَن أبي هُرَيْرَة استفتحها لَهُ أَبُو هُرَيْرَة بِحَدِيث نَحن الْآخرُونَ فَصَارَ همام كلما حدث عَن أبي هُرَيْرَة ذكر الْجُمْلَة من أَولهَا، وَتَبعهُ البُخَارِيّ فِي ذَلِك، وَكَذَلِكَ فِي مَوَاضِع أُخْرَى من كِتَابه فِي كتاب: الْجِهَاد والمغازي وَالْإِيمَان وَالنُّذُور وقصص الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، والاعتصام ذكر فِي أوائلها كلهَا نَحن الْآخرُونَ السَّابِقُونَ وَقَالَ ابْن الْمُنِير: هُوَ حَدِيث وَاحِد، فَإِذا كَانَ وَاحِدًا تكون الْمُطَابقَة فِي آخر الحَدِيث. وَفِيه نظر لِأَنَّهُ لَو كَانَ وَاحِدًا لما فَصله البُخَارِيّ بقوله: (وبأسناده) وَأَيْضًا فَقَوله: نَحن الْآخرُونَ السَّابِقُونَ طرف من حَدِيث مَشْهُور فِي ذكر يَوْم الْجُمُعَة لَو رَاعى البُخَارِيّ مَا ادَّعَاهُ لساق الْمَتْن بِتَمَامِهِ، وَيُقَال: الْحِكْمَة فِي هَذَا أَن حَدِيث نَحن الْآخرُونَ السَّابِقُونَ، أول الحَدِيث فِي صحيفَة همام عَن أبي هُرَيْرَة، وَكَانَ همام إِذا رُؤِيَ الصَّحِيفَة استفتج بِذكر، ثمَّ سرد الْأَحَادِيث، فواقه البُخَارِيّ هَاهُنَا وَيُقَال: الْحِكْمَة فِيهِ أَن من عَادَة الْمُحدثين ذكر الحَدِيث جملَة لتَضَمّنه مَوضِع الدّلَالَة الْمَطْلُوبَة، وَلَا يكون مَا فِيهِ مَقْصُودا بالاستدلال، وَإِنَّمَا جَاءَ تبعا لموْضِع الدَّلِيل وَفِيه نظر، وَلَا يخفى.

وَقَالَ الْكرْمَانِي

<<  <  ج: ص:  >  >>