وَفِيه: شجاعة الزبير، وتقدمته وفضله. وَقَالَ الدَّاودِيّ: وَلَا أعلم رجلا جمع لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَبَوَيْهِ إلَاّ الزبير بن الْعَوام وَسعد بن أبي وَقاص، كَانَ يَقُول لَهُ:(إرم فدَاك أبي وَأمي) . وَإِنَّمَا كَانَ يَقُول لغَيْرِهِمَا:(إرم فدَاك أبي، أَو فدتك أُمِّي) ، وَهِي كلمة تقال للتبجيل لَيْسَ على الدُّعَاء وَلَا على الْخَبَر، وَقَالَ ابْن بطال: زعم بعض الْمُعْتَزلَة أَن بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الزبير وَحده معَارض لقَوْله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:(الرَّاكِب شَيْطَان) ، وَنهى أَيْضا عَن أَن يُسَافر الرجل وَحده، قَالَ الْمُهلب: وَلَيْسَ بَينهمَا تعَارض لاخْتِلَاف الْمَعْنى فِي الْحَدِيثين، وَهُوَ أَن الَّذِي يُسَافر وَحده لَا يأنس بِأحد وَلَا يقطع طَرِيقه بمحدث يهون عَلَيْهِ مؤونة السّفر، كالشيطان الَّذِي لَا يأنس بِأحد وَيطْلب الْوحدَة ليغويه. وَأما سفر الزبير فَلَيْسَ كَذَلِك، لِأَنَّهُ كَانَ كالجاسوس يتجسس على قُرَيْش مَا يُرِيدُونَ من حَرْب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَا يُنَاسِبه إلَاّ الْوحدَة، على أَنه خرج فِي مثل هَذَا الْأَمر الخطير لحماية الدّين وَإِظْهَار طَاعَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلم يزل، كَانَ عَلَيْهِ حفظ من الله تَعَالَى ببركة دُعَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَيْنَ هَذَا من ذَلِك؟ أَلا يرى أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لما بلغه أَن سَعْدا بنى قصراً أرسل شخصا وَحده ليهدمه؟ وَذكر ابْن أبي عَاصِم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرسل عبد الله بن أنس سَرِيَّة وَحده؟ وَبعث عَمْرو بن أُميَّة وَحده عينا؟ وَذكر ابْن سعد: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرسل سَالم بن عُمَيْر سَرِيَّة وَحده، وَحمل الطَّبَرِيّ الحَدِيث على جَوَاز السّفر للرجل الْوَاحِد إِذا كَانَ لَا يهوله هول، وإلَاّ فَمَمْنُوع من السّفر وَحده خشيَة على عقله أَو يَمُوت فَلَا يدْرِي خَبره أحد وَلَا يشهده، كَمَا قَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أَرَأَيْتُم إِذا سَافر وَحده فَمَاتَ، من أسأَل عَنهُ؟ قَالَ: وَيحْتَمل أَن يكون النَّهْي عَن السّفر وَحده نهي تَأْدِيب وإرشاد إِلَى مَا هُوَ الأولى. وَقَالَ ابْن التِّين: وَحمله الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد على السّفر الَّذِي يقصر فِيهِ الصَّلَاة.
٢٤ - (بابُ سَفرِ الإثْنيْنِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز سفر الرجلَيْن مَعًا وَلَيْسَ المُرَاد سفر يَوْم الْإِثْنَيْنِ وَزعم ابْن التِّين أَن الدَّاودِيّ فهم مِنْهُ سفر يَوْم الْإِثْنَيْنِ، وَاعْترض على البُخَارِيّ بقوله: لَيْسَ فِي الحَدِيث ذكر سفر يَوْم الْإِثْنَيْنِ، وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء، لِأَنَّهُ لم يرد بِهِ إلَاّ سفر الرجلَيْن، لِأَنَّهُ تقدم ذكر سفر الرجل وَحده ثمَّ أتبعه بِبَيَان سفر الرجلَيْن، وَلَو نظر متن الحَدِيث لوضح لَهُ