للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٠٦ - (بابُ صِيَامِ البِيضِ ثَلاثَ عَشَرَةَ وَأرْبَعَ عَشَرَةَ وخَمْسَ عَشَرَةَ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل صِيَام أَيَّام الْبيض، وَهِي الْأَيَّام الَّتِي لياليهن مقمرات لَا ظلمَة فِيهَا، وَهِي الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة: لَيْلَة الْقدر وَمَا قبلهَا وَمَا بعْدهَا وَالْبيض، بِكَسْر الْبَاء جمع أَبيض أضيف إِلَيْهَا الْأَيَّام تَقْدِيره: أَيَّام اللَّيَالِي الْبيض. وَقيل: المُرَاد بالبيض: اللَّيَالِي، وَهِي الَّتِي يكون الْقَمَر فِيهَا من أول اللَّيْل إِلَى آخِره، حَتَّى قَالَ الجواليقي: من قَالَ الْأَيَّام الْبيض فَجعل الْبيض صفة الْأَيَّام فقد أَخطَأ. قَالَ بَعضهم: فِيهِ نظر لِأَن الْيَوْم الْكَامِل هُوَ النَّهَار بليلته، وَلَيْسَ فِي الدَّهْر يَوْم أَبيض كُله إلَاّ هَذِه الْأَيَّام، لِأَن لَيْلهَا أَبيض ونهارها أَبيض، فصح قَول: الْأَيَّام الْبيض على الْوَصْف. انْتهى. قلت: هَذَا كَلَام واهٍ، وَتصرف غير موجه، لِأَن قَوْله: لِأَن الْيَوْم الْكَامِل هُوَ النَّهَار بليلته غير صَحِيح، لِأَن الْيَوْم الْكَامِل فِي اللُّغَة عبارَة عَن طُلُوع الشَّمْس إِلَى غُرُوبهَا، وَفِي الشَّرْع عَن طُلُوع الْفجْر الصَّادِق، وَلَيْسَ لليلة دخل فِي حد النَّهَار. قَوْله: (ونهارها أَبيض) يَقْتَضِي أَن بَيَاض نَهَار الْأَيَّام الْبيض من بَيَاض اللَّيْلَة وَلَيْسَ كَذَلِك، لِأَن بَيَاض الْأَيَّام كلهَا بِالذَّاتِ وَأَيَّام الشَّهْر كلهَا بيض، فَسقط قَوْله: وَلَيْسَ فِي الشَّهْر يَوْم أَبيض كُله إلَاّ هَذِه الْأَيَّام، وَهل يُقَال ليَوْم من أَيَّام الشَّهْر غير أَيَّام الْبيض: هَذَا يَوْم بياضه غير كَامِل، أَو يُقَال: هَذَا كُله لَيْسَ بأبيض، أَو يُقَال: بعضه أَبيض؟ فَبَطل قَوْله، فصح قَول الْأَيَّام الْبيض على الْوَصْف، وَالْقَوْل مَا قَالَه الجواليقي:

(إِذا قَالَت حذام فصدقوها)

ثمَّ سَبَب التَّسْمِيَة بأيام الْبيض مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: إِنَّمَا سميت بأيام الْبيض لِأَن آدم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لما أهبط إِلَى الأَرْض أحرقته الشَّمْس فاسودَّ. فَأوحى الله تَعَالَى إِلَيْهِ أَن صم أَيَّام الْبيض، فصَام أول يَوْم فأبيضَّ ثلث جسده، فَلَمَّا صَامَ الْيَوْم الثَّانِي ابيضَّ ثلثا جسده، فَلَمَّا صَامَ الْيَوْم الثَّالِث ابيضَّ جسده كُله. وَقيل: سميت بذلك لِأَن ليَالِي أَيَّام الْبيض مُقْمِرَة، وَلم يزل الْقَمَر من غرُوب الشَّمْس إِلَى طُلُوعهَا فِي الدُّنْيَا فَتَصِير اللَّيَالِي وَالْأَيَّام كلهَا بيضًا.

قَوْله: (ثَلَاث عشرَة وَأَرْبع عشرَة وَخمْس عشرَة) كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (صِيَام أَيَّام الْبيض: ثَلَاثَة عشر وَأَرْبَعَة عشر وَخَمْسَة عشر) . وَذَلِكَ بِاعْتِبَار الْأَيَّام، وَالْأول بِاعْتِبَار اللَّيَالِي. فَإِن قلت: كَيفَ عين الثَّالِث عشر وَالرَّابِع عشر وَالْخَامِس عشر من الشَّهْر؟ والْحَدِيث الَّذِي ذكره فِي الْبَاب لَيْسَ فِيهِ التَّعْيِين لذَلِك؟ قلت: جرت عَادَته فِي الْإِشَارَة إِلَى مَا ورد فِي بعض طرق الحَدِيث، وَإِن لم يكن على شَرطه، فقد روى القَاضِي يُوسُف بن إِسْمَاعِيل فِي كتاب الصّيام: حَدثنَا عُثْمَان بن أبي شيبَة حَدثنَا حُسَيْن بن عَليّ عَن زَائِدَة بن قدامَة عَن حَكِيم بن جُبَير عَن مُوسَى بن طَلْحَة، قَالَ: قَالَ عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لأبي ذَر وعمار وَأبي الدَّرْدَاء، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم: (أتذكرون يَوْمًا كُنَّا مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بمَكَان كَذَا وَكَذَا، فَأَتَاهُ رجل بأرنب، فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي رَأَيْت بهَا دَمًا، فَأمر فأكلنا وَلم يَأْكُل؟ قَالُوا: نعم. ثمَّ قَالَ لَهُ: ادنه فأطعم! قَالَ: إِنِّي صَائِم، قَالَ: أَي صَوْم؟ قَالَ: صَوْم ثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر، أَوله وَآخره، وكما تيسَّر عَليّ فَقَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: هَل تَدْرُونَ الَّذِي أَمر بِهِ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالُوا: نعم، يَصُوم ثَلَاث عشرَة وَأَرْبع عشرَة وَخمْس عشرَة. قَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: هَكَذَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) . وَحَكِيم بن جُبَير ضعفه الْجُمْهُور، ومُوسَى بن طَلْحَة عَن عمر مُرْسل، قَالَه أَبُو زرْعَة، وَبَينهمَا ابْن الحوتكية.

وأصل الحَدِيث عِنْد النَّسَائِيّ فِي كتاب الصَّيْد وَلَيْسَ فِيهِ ذكر لعمَّار وَأبي الدَّرْدَاء، رَوَاهُ من طَرِيق حَكِيم بن جُبَير وَعَمْرو بن عُثْمَان وَمُحَمّد بن عبد الرَّحْمَن عَن مُوسَى بن طَلْحَة (عَن ابْن الحوتكية، قَالَ: قَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: من حاضرنا يَوْم القاحة قَالَ أَبُو الدَّرْدَاء) فَذكر الحَدِيث، وَفِيه: (قَالَ: فَأَيْنَ أَنْت عَن الْبيض الغر: ثَلَاث عشرَة وَأَرْبع عشرَة وَخمْس عشرَة ... ؟) وَابْن الحوتكية سَمَّاهُ بَعضهم يزِيد، وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي (الْجرْح وَالتَّعْدِيل) : وَمَا سَمَّاهُ أحد إلَاّ الْحجَّاج بن أَرْطَأَة عَن عُثْمَان بن عبد الله بن موهب عَن مُوسَى بن طَلْحَة عَن يزِيد بن الحوتكية. والقاحة، بِالْقَافِ وَتَخْفِيف الْحَاء الْمُهْملَة، مَكَان من الْمَدِينَة على ثَلَاث مراحل.

وروى النَّسَائِيّ من رِوَايَة زيد بن أبي أنيسَة عَن أبي إِسْحَاق عَن جرير بن عبد الله، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (صِيَام ثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر صِيَام الدَّهْر، وَأَيَّام الْبيض صَبِيحَة ثَلَاث عشرَة وَأَرْبع عشرَة وَخمْس عشرَة) . وَإِسْنَاده صَحِيح، وَفِي رِوَايَة: (أَيَّام الْبيض) بِغَيْر وَاو، وَرُوِيَ: (أَيَّام الْبيض صَبِيحَة) ، بِالرَّفْع فيهمَا، وروى بِالْجَرِّ فيهمَا، حَكَاهُ صَاحب (الْمُفْهم) : وروى ابْن

<<  <  ج: ص:  >  >>