الِاسْتِعْمَال فالإلحاق صَحِيح، وَمن زعم أَن الْعلَّة رفع الْحَدث فَلَا إِلْحَاق عِنْده، فَاعْتبر بِالْخِلَافِ الَّذِي بَين أبي يُوسُف وَمُحَمّد فِي كَون المَاء مُسْتَعْملا.
الثَّامِن: فِيهِ دَلِيل على نَجَاسَة الْبَوْل.
٦٩ - (بابٌ إذَا أُلْقِيَ عَلى ظهْرِ المصَلِّى قَذَرٌ أَوْ جِيفَةٌ لَمْ تَفْسُدْ عَلَيْهِ صَلاتُهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم من ألقِي على ظَهره نَجَاسَة وَهُوَ فِي الصَّلَاة. وَقَوله: (لم تفْسد عَلَيْهِ صلَاته) جَوَاب: إِذا، والقذر، بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة ضد النَّظَافَة يُقَال: قذرت الشَّيْء، بِالْكَسْرِ، إِذا كرهته، (والجيفة:) جنَّة الْمَيِّت المريحة.
وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ من حَيْثُ إِن الْبَاب الأول يشْتَمل على حكم وُصُول النَّجَاسَة إِلَى المَاء، وَهَذَا الْبَاب يشْتَمل على حكم وصولها إِلَى الْمُصَلِّي وَهُوَ فِي الصَّلَاة، وَهَذَا الْمِقْدَار يتلمح بِهِ فِي وَجه التَّرْتِيب، وَإِن كَانَ حكم مَا مُخْتَلفا، فَإِن فِي الْبَاب الأول وُصُول الْبَوْل إِلَى المَاء الراكد يُنجسهُ. كَمَا ذكر المَاء فِيهِ مستقضىً بِمَا قَالَت الْعلمَاء فِيهِ، وَفِي هَذَا الْبَاب وُصُول النَّجَاسَة إِلَى الْمُصَلِّي لَا تفْسد صلَاته على مَا زعم البُخَارِيّ، فَإِنَّهُ وضع هَذَا الْبَاب لهَذَا الْمَعْنى، وَلِهَذَا صرح بقوله: (لم تفْسد عَلَيْهِ صلَاته) وَهَذَا يمشي على مَذْهَب من يرى عدم اشْتِرَاط إِزَالَة النَّجَاسَة لصِحَّة الصَّلَاة، أَو على مَذْهَب من يَقُول: إِن من حدث لَهُ فِي صَلَاة مَا يمْنَع انْعِقَادهَا ابْتِدَاء لَا تبطل صلَاته وَقَالَ بَعضهم: (لم تفْسد) مَحَله مَا إِذا لم يعلم بذلك وَتَمَادَى، وَيحْتَمل الصِّحَّة مُطلقًا على قَول من يذهب إِلَى أَن اجْتِنَاب النَّجَاسَة فِي الصَّلَاة لَيْسَ بِفَرْض، وعَلى قَول من ذهب إِلَى منع ذَلِك فِي الِابْتِدَاء دون مَا يطْرَأ وَإِلَيْهِ ميل المُصَنّف انْتهى قلت: من أَيْن علم ميل المُصَنّف إِلَى القَوْل الثَّانِي، وَقد وضع هَذَا الْبَاب وَترْجم بِعَدَمِ الْفساد مُطلقًا وَلم يُقيد بِشَيْء. مِمَّا ذكره هَذَا الْقَائِل؟ على أَنه قد أكد مَا ذهب، إِلَيْهِ من الْإِطْلَاق بِمَا رُوِيَ عَن عبد الله بن عمر وَسَعِيد بن الْمسيب وعامر الشّعبِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، على أَن فِيهِ نظرا على مَا تذكره عَن قريب إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَقَالَ هَذَا الْقَائِل أَيْضا وَعَلِيهِ يخرج صَنِيع الصَّحَابِيّ الَّذِي اسْتمرّ فِي الصَّلَاة بعد أَن سَالَتْ مِنْهُ الدِّمَاء يَرْمِي من رَمَاه قلت: هَذَا الصَّحَابِيّ فِي حَدِيث جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه قَالَ: (خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) يَعْنِي فِي غَزْوَة ذَات الرّقاع الحَدِيث وَفِيه: (فَنزل النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، منزلا، وَقَالَ: من رجل يكلؤنا، فَانْتدبَ رجل من الْمُهَاجِرين وَرجل من الْأَنْصَار، وَقَالَ: كونا بِفَم الشّعب، قَالَ: فَلَمَّا خرج الرّجلَانِ إِلَى فَم الشّعب اضْطجع الْمُهَاجِرِي وَقَامَ الْأنْصَارِيّ يُصَلِّي، وأتى رجل، فَلَمَّا رأى شخصه عرفه أَنه ربيئة للْقَوْم، فَرَمَاهُ بِسَهْم فَوَضعه فِيهِ ونزعه حَتَّى قضى ثَلَاثَة أسْهم، ثمَّ ركع وَسجد) الحَدِيث وَتَخْرِيج هَذَا الْقَائِل صَنِيع هَذَا الصَّحَابِيّ على مَا ذكره غير صَحِيح، لِأَن هَذَا فعل وَاحِد من الصَّحَابَة، وَلَعَلَّه كَانَ ذهل عَنهُ، أَو كَانَ غير عَالم بِحكمِهِ، وَالتَّحْقِيق فِيهِ أَن الدَّم حِين خرج أصَاب بدنه وثوبه، فَكَانَ يَنْبَغِي أَن يخرج من الصَّلَاة وَلم يخرج، فَلَمَّا بدل مضيه فِي الصَّلَاة على جَوَاز الصَّلَاة مَعَ النَّجَاسَة كَذَلِك، لَا بدل مضيه فِيهَا على أَن خُرُوج الدَّم لَا ينْقض الْوضُوء.
وكانَ ابنُ عُمَرَ إِذا رَأَى ثَوْبِهِ دَمًا يُصَلِّى وَضَعهُ وَمَضَى فِي صَلاتِهِ
هَذَا الْأَثر لَا يُطَابق التَّرْجَمَة لِأَن فِيهَا مَا إِذا أصَاب الْمُصَلِّي نَجَاسَة وَهُوَ فِي الصَّلَاة لَا تفْسد صلَاته، والأثر يدل على أَن ابْن عمر إِذا رأى فِي ثَوْبه دَمًا، وَهُوَ فِي الصَّلَاة وضع ثَوْبه يَعْنِي: أَلْقَاهُ، وَمضى فِي صلَاته، فَهَذَا صَرِيح على أَنه لَا يرى جَوَاز الصَّلَاة مَعَ إِصَابَة النَّجَاسَة فِي ثَوْبه وَالدَّلِيل على صِحَة مَا قُلْنَا مَا رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة من طَرِيق برد بن سِنَان عَن نَافِع عَنهُ: أَنه كَانَ إِذا كَانَ فِي الصَّلَاة فَرَأى فِي ثَوْبه دَمًا فاستطاع أَن يَضَعهُ وَضعه، وَإِن لم يسْتَطع خرج فَغسله ثمَّ جَاءَ يَبْنِي على مَا كَانَ صلى. وَقَالَ بَعضهم: وَهُوَ يَقْتَضِي أَنه كَانَ يرى التَّفْرِقَة بَين الِابْتِدَاء والدوام قلت: لَا يَقْتَضِي هَذَا أصلا وَإِنَّمَا يدل على أَنه كَانَ لَا يرى جَوَاز الصَّلَاة مَعَ وجود النَّجَاسَة مَعَ الْمُصَلِّي مُطلقًا وَهَذَا حجَّة قَوِيَّة لأبي يُوسُف فِيمَا ذهب إِلَيْهِ من أَن الْمُصَلِّي إِذا كَانَ انتضح عَلَيْهِ الْبَوْل أَكثر.
من قدر الدِّرْهَم ينْصَرف وَيغسل وَيَبْنِي على صلَاته، وَكَذَلِكَ إِذا ضرب رَأسه أَو صدمه شَيْء فَسَالَ مِنْهُ الدَّم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute