بِكَسْر الْهَاء. وَقَالَ ابْن حزم، رَحمَه الله تَعَالَى: الْجحْفَة مَا بَين الْمغرب وَالشمَال من مَكَّة، وَمِنْهَا إِلَى مَكَّة اثْنَان وَثَمَانُونَ ميلًا وَالله تَعَالَى أعلم.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: رد على عَطاء وَالنَّخَعِيّ وَالْحسن فِي زعمهم أَن لَا شَيْء على من ترك الْمِيقَات وَلم يحرم، وَهُوَ يُرِيد الْحَج وَالْعمْرَة، وَهُوَ شَاذ. وَنقل ابْن بطال عَن مَالك وَأبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ أَنه يرجع من مَكَّة إِلَى الْمِيقَات، وَاخْتلفُوا إِذا رَجَعَ: هَل عَلَيْهِ دم أم لَا؟ فَقَالَ مَالك وَالثَّوْري فِي رِوَايَة: لَا يسْقط عَنهُ الدَّم بِرُجُوعِهِ إِلَيْهِ محرما، وَهُوَ قَول ابْن الْمُبَارك. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن رَجَعَ إِلَيْهِ فلبى فَلَا دم عَلَيْهِ بِرُجُوعِهِ إِلَيْهِ محرما، وَإِن لم يلب فَعَلَيهِ دم. وَقَالَ الثَّوْريّ فِي رِوَايَة، وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ: لَا دم عَلَيْهِ إِذا رَجَعَ إِلَى الْمِيقَات بعد إِحْرَامه على كل وَجه أَي: قبل أَن يطوف، فَإِن طَاف فالدم بَاقٍ، وَإِن رَجَعَ. قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: الْإِحْرَام بِالْعُمْرَةِ لَا يلْزم أَن يكون من الْمَذْكُورَات، بل يَصح من الْجِعِرَّانَة، وَنَحْوهَا. قلت: هِيَ للمكي وَأما الآفاقي فَلَا يَصح لَهُ الْإِحْرَام بهَا إلَاّ من الْمَوَاضِع الْمَذْكُورَة.
٦ - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {وتَزَوَّدُوا فإنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} (الْبَقَرَة: ٧٩١) .)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان التزود الْمَأْمُور بِهِ فِي قَول الله تَعَالَى: {وتزودوا} (الْبَقَرَة: ٧٩١) . وَإِنَّمَا أَمر بالتزود ليكف الَّذِي يحجّ وَجهه عَن النَّاس. قَالَ الْعَوْفِيّ: عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (كَانَ أنَاس يخرجُون من أَهْليهمْ لَيْسَ مَعَهم زَاد، يَقُولُونَ: نحجّ بَيت الله وَلَا يطعمنا؟ فَقَالَ الله: تزودوا مَا يكف وُجُوهكُم عَن النَّاس) وروى ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه من حَدِيث عَمْرو بن عبد الْغفار عَن نَافِع عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَ: (كَانُوا إِذا أَحْرمُوا وَمَعَهُمْ أَزْوَادهم رموا بهَا واستأنفوا زادا آخر، فَأنْزل الله تَعَالَى: {وتزودوا فَإِن خير الزَّاد التَّقْوَى} (الْبَقَرَة: ٧٩١) . فنهوا عَن ذَلِك وَأمرُوا أَن يتزودوا الكعك والدقيق والسويق، ثمَّ لما أَمرهم بالزاد للسَّفر فِي الدُّنْيَا أرشدهم إِلَى زَاد الْآخِرَة، وَهُوَ اسْتِصْحَاب التَّقْوَى إِلَيْهَا، وَذكر أَنه خير من هَذَا وأنفع. قَالَ عَطاء الْخُرَاسَانِي: فِي قَوْله: {فَإِن خير الزَّاد التَّقْوَى} (الْبَقَرَة: ٧٩١) . يَعْنِي: زَاد الْآخِرَة، وروى الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث قيس عَن جرير بن عبد الله عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (من تزَود فِي الدُّنْيَا يَنْفَعهُ فِي الْآخِرَة) . ثمَّ قَالَ: {واتقونِ يَا أولي الْأَلْبَاب} (الْبَقَرَة: ٧٩١) . يَقُول: اتَّقوا عقابي ونكالي وعذابي لمن خالفني، وَلم يأتمر بأَمْري يَا ذَوي الْعُقُول والأفهام.
٣٢٥١ - حدَّثنا يَحْيَى بنُ بِشْرٍ قَالَ حدَّثنا شَبابَةَ عنْ وَرْقَاءَ عَن عَمْرِو بنِ دِينَارٍ عَن عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. قَالَ كانَ أهْلُ اليَمَنِ يَحُجُّونَ وَلَا يَتَزَوَّدُونَ ويَقُولُونَ نَحْنُ المُتَوَكِّلُونَ فَإِذا قَدِمُوا المَدينةَ سًّلُوا النَّاسَ فأنْزلَ الله تَعَالَى وتَزَوَّدُوا فإنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يبين سَبَب نزُول الْآيَة الَّتِي ترْجم بهَا الْبَاب.
ذكر رِجَاله: وهم: سِتَّة: الأول: يحيى بن بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: أَبُو زَكَرِيَّا أحد عباد الله الصَّالِحين، مَاتَ سنة ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: شَبابَة، بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة وَبعد الْألف بَاء أُخْرَى: ابْن سوار الْفَزارِيّ، مر فِي: بَاب الصَّلَاة على النُّفَسَاء، فِي كتاب الْحيض. الثَّالِث: وَرْقَاء مؤنث الأورق، ابْن عَمْرو بن كُلَيْب أَبُو بشر الْيَشْكُرِي، مر فِي: بَاب وضع المَاء فِي الْخَلَاء، الرَّابِع: عَمْرو، بِفَتْح الْعين: ابْن دِينَار، مر فِي: بَاب كتاب الْعلم. الْخَامِس: عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس. السَّادِس: عبد الله ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: إِن شَيْخه من أَفْرَاده وَإنَّهُ بلخي وَأَن شَبابَة مدائني وَأَن أصل وَرْقَاء من خوارزم، وَقيل؛ من الْكُوفَة، سكن الْمَدَائِن، وَأَن عَمْرو بن دِينَار مكي وَأَن عِكْرِمَة مدنِي وَأَصله من البربر.
ذكر من أخرجه غَيره أخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْحَج عَن أبي مَسْعُود أَحْمد بن الْفُرَات وَمُحَمّد بن عبد الله المخرمي، كِلَاهُمَا عَن شَبابَة. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي السّير وَفِي التَّفْسِير عَن سعيد ابْن عبد الرَّحْمَن.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (فَإِذا قدمُوا الْمَدِينَة) ، هَذِه رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (فَإِذا