للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أوقعه قبل رَمَضَان، كمن اجْتهد وَصلى قبل الْوَقْت أَنه لَا يجْزِيه، وَقَالَ بعض الْعلمَاء: إِنَّه لَا يَقع وقُوف النَّاس الْيَوْم الثَّامِن أصلا لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو من أَن يكون الْوُقُوف بِرُؤْيَة أَو بإغماء، فَإِن كَانَ بِرُؤْيَة وقفُوا الْيَوْم التَّاسِع، وَأَن كَانَ بإغماء وقفُوا الْيَوْم الْعَاشِر.

فَإِن قلت: مَا الْحِكْمَة فِي تَخْصِيص الشَّهْرَيْنِ بِالذكر؟ قلت: قَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِنَّمَا خصهما بِالذكر لتَعلق حكم الصَّوْم وَالْحج بهما، وَبِه قطع النَّوَوِيّ. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: ظَاهر سِيَاق الحَدِيث بَيَان اخْتِصَاص الشَّهْرَيْنِ بمزية لَيست فِي غَيرهمَا من الشُّهُور، وَلَيْسَ المُرَاد أَن ثَوَاب الطَّاعَة فِي غَيرهمَا ينقص، وَإِنَّمَا المُرَاد رفع الْحَرج عَمَّا عَسى أَن يَقع فِيهِ خطأ فِي الحكم لاختصاصهما بالعيدين، وَجَوَاز احْتِمَال وُقُوع الْخَطَأ فِيهَا، وَمن ثمَّة قَالَ: (شهرا عيد) بعد قَوْله: (شَهْرَان لَا ينقصان) ، وَلم يقْتَصر على قَوْله: (رَمَضَان وَذُو الْحجَّة) .

وَفِيه: حجَّة لمن قَالَ: إِن الثَّوَاب لَيْسَ مُرَتبا على وجود الْمَشَقَّة دَائِما، بل لله أَن يتفضل بإلحاق النَّاقِص بالتام فِي الثَّوَاب، وَمِنْه اسْتدلَّ بَعضهم لمَالِك فِي اكتفائه لرمضان بنية وَاحِدَة، قَالَ: لِأَنَّهُ جعل الشَّهْر بجملته عبَادَة وَاحِدَة، فَاكْتفى لَهُ بِالنِّيَّةِ. وَمِمَّا يُسْتَفَاد من هَذَا الحَدِيث أَنه يَقْتَضِي التَّسْوِيَة فِي الثَّوَاب بَين الشَّهْر الْكَامِل وَبَين الشَّهْر النَّاقِص، فَافْهَم.

٣١ - (بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا نَكْتُبُ ولَا نَحْسُبُ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا نكتب، بنُون الْمُتَكَلّم، وَكَذَلِكَ: لَا نحسب.

٣١٩١ - حدَّثنا آدَمُ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ حدَّثنا الأسْودُ بنُ قَيْسٍ قَالَ حدَّثنا سَعِيدُ بنُ عَمُرٍ وأنَّهُ سَمِعَ ابنَ عمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّهُ قَالَ إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةُ لَا نَكْتُبُ ولَا نَحْسُبُ الشَّهْرَ هَكَذَا أوْ هَكَذَا يَعْنِي مَرَّةً تِسْعَةً وعِشْرِينَ ومَرَّةً ثَلاثِينَ.

(انْظُر الحَدِيث ٨٠٩١ وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّهَا بعض الحَدِيث، وَالْأسود بن قيس أَبُو قيس البَجلِيّ الْكُوفِي التَّابِعِيّ، مر فِي الْعِيد فِي: بَاب كَلَام الإِمَام، وَسَعِيد بن عَمْرو بن سعيد بن الْعَاصِ الْأمَوِي مر فِي الْوضُوء، وَفِيه رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الصَّوْم أَيْضا عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَابْن الْمثنى وَابْن بشار، ثَلَاثَتهمْ عَن غنْدر عَن شُعْبَة بِهِ، وَعَن مُحَمَّد بن حَاتِم عَن ابْن مهْدي. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن سُلَيْمَان بن حَرْب عَن شُعْبَة بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن الْمثنى، وَفِيه وَفِي الْعلم عَن ابْن الْمثنى وَابْن بشار، كِلَاهُمَا عَن غنْدر بِهِ. وَأخرجه مُسلم من حَدِيث سعد بن أبي وَقاص قَالَ: (ضرب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِيَدِهِ على الْأُخْرَى، وَقَالَ: الشَّهْر هَكَذَا وَهَكَذَا، ثمَّ نقص فِي الثَّالِثَة إصبعا) . وَأخرجه عَن جَابر بن عبد الله أَيْضا قَالَ: (اعتزل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) الحَدِيث، وَفِيه: (إِن الشَّهْر يكون تسعا وَعشْرين) . وَأخرج أَبُو دَاوُد من حَدِيث ابْن مَسْعُود: (مَا صمت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تسعا وَعشْرين أَكثر مِمَّا صمنا ثَلَاثِينَ) ، وَعَن عَائِشَة مثله عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ وَابْن مَاجَه مثله من حَدِيث أبي هُرَيْرَة. قَوْله: (إِنَّا) ، أَي: الْعَرَب، قَالَ الطَّيِّبِيّ: إِنَّا كِنَايَة عَن جيل الْعَرَب، وَقيل: أَرَادَ نَفسه، عَلَيْهِ السَّلَام. قَوْله: (أمة) أَي: جمَاعَة قُرَيْش مثل قَوْله تَعَالَى: {أمة من النَّاس يسقون} (الْقَصَص: ٣٢) . وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الْأمة الْجَمَاعَة، وَقَالَ الْأَخْفَش: هُوَ فِي اللَّفْظ وَاحِد وَفِي الْمَعْنى جمع، وكل جنس من الْحَيَوَان أمة، وَالْأمة الطَّرِيقَة وَالدّين، يُقَال: فلَان لَا أمة لَهُ، أَي: لَا دين لَهُ، وَلَا نحلة لَهُ، وَكسر الْهمزَة فِيهِ لُغَة، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الْأمة الرجل الْمُفْرد بدين لقَوْله تَعَالَى: {إِن إِبْرَاهِيم كَانَ أمة قَانِتًا لله} (النَّحْل: ٠٢١) . قَوْله: (أُميَّة) ، نِسْبَة إِلَى الْأُم، لِأَن الْمَرْأَة هَذِه صفتهَا غالبة، وَقيل: أَرَادَ أمة الْعَرَب لِأَنَّهَا لَا تكْتب، وَقيل: مَعْنَاهُ باقون على مَا ولدت عَلَيْهَا الْأُمَّهَات، وَقَالَ الدَّاودِيّ: أمة أُميَّة لما تَأْخُذ عَن كتب الْأُمَم قبلهَا، إِنَّمَا أخذت عَمَّا جَاءَهُ الْوَحْي من الله، عز وَجل، وَقيل: منسوبون إِلَى أم الْقرى، وَقَالَ بَعضهم: مَنْسُوب إِلَى الْأُمَّهَات قلت: من لَهُ أدنى شمة من التصريف لَا يتَصَرَّف هَكَذَا. قَوْله: (لَا نكتب وَلَا نحسب) بَيَان لكَوْنهم كَذَلِك، وَقيل: الْعَرَب أُمِّيُّونَ لِأَن الْكتاب فيهم كَانَت عزيزة نادرة، قَالَ الله تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي بعث فِي الْأُمِّيين رَسُولا مِنْهُم} (الْجُمُعَة: ٢) . فَإِن قلت: كَانَ فيهم من يكْتب ويحسب؟ قلت: وَإِن كَانَ ذَلِك كَانَ نَادرا، وَالْمرَاد بِالْحِسَابِ هُنَا حِسَاب النُّجُوم وتسييرها، وَلم يَكُونُوا يعْرفُونَ من ذَلِك شَيْئا إلَاّ النّذر الْيَسِير، وعلق الشَّارِع الصَّوْم وَغَيره بِالرُّؤْيَةِ لرفع الْحَرج عَن أمته فِي معاناة حِسَاب التسيير، وَاسْتمرّ ذَلِك بَينهم، وَلَو حدث بعدهمْ من يعرف ذَلِك، بل ظَاهر قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (فَإِن غم عَلَيْكُم فأكملوا الْعدة ثَلَاثِينَ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>