حرَام تَامّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَثَلَاثِينَ لَيْلَة) . رَوَاهُ ابْن عدي فِي (الْكَامِل) فِي تَرْجَمَة عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق الوَاسِطِيّ، وَنقل تَضْعِيفه عَن أَحْمد وَيحيى وَالْبُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ، وَذكر أَبُو عمر فِي (التَّمْهِيد) هَذَا الحَدِيث، وَقَالَ: لَا يحْتَج بِهَذَا فَإِنَّهُ يَدُور على عبد الرَّحْمَن ابْن إِسْحَاق وَهُوَ ضَعِيف. قَالَ شَيخنَا: لَيْسَ مَدَاره عَلَيْهِ كَمَا ذكر، وَأَيْضًا فقد اخْتلف عَلَيْهِ فِيهِ، فَروِيَ عَنهُ بِهَذَا اللَّفْظ كَمَا تقدم، وَرُوِيَ عَنهُ بِاللَّفْظِ الْمَشْهُور، رَوَاهُ الْبَزَّار فِي (مُسْنده) كَذَلِك، قَالَ: حَدثنَا عَمْرو بن مَالك حَدثنَا مَرْوَان بن مُعَاوِيَة حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرَة عَن أَبِيه رَفعه إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (شهرا عيد لَا ينقصان: رَمَضَان وَذُو الْحجَّة) ، وَأما مُتَابَعَته على اللَّفْظ الآخر: (كل شهر حرَام) فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) قَالَ: حَدثنَا أَحْمد بن يحيى الْحلْوانِي، حَدثنَا سعيد بن سُلَيْمَان عَن هشيم عَن خَالِد الْحذاء عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرَة عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (كل شهر حرَام لَا ينقص ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَثَلَاثِينَ لَيْلَة) ، وَرِجَال إِسْنَاده كلهم ثِقَات، وَأحمد بن يحيى وَثَّقَهُ أَحْمد بن عبد الله الْفَرَائِضِي، وباقيهم رجال الصَّحِيح.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (شَهْرَان) مُبْتَدأ، وَلَا ينقصان خَبره. قَوْله: (شهرا عيد) ، كَلَام إضافي خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، يَعْنِي: هما شهرا عيد، وَيجوز أَن يكون ارتفاعه على الْبَدَلِيَّة. قَوْله: (رَمَضَان) ، مَرْفُوع لِأَنَّهُ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره: أَحدهمَا رَمَضَان، وَمنع الصّرْف للتعريف وَالْألف وَالنُّون، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى. قَوْله: (وَذُو الْحجَّة) ، كَذَلِك خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: وَالْآخر ذُو الْحجَّة. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: فَإِن قيل: كَيفَ سمي شهر رَمَضَان شهر عيد، وَإِنَّمَا الْعِيد فِي شَوَّال؟ فقد أجَاب عَنهُ الْأَثْرَم بجوابين: أَحدهمَا: أَنه قد يرى هِلَال شَوَّال بعد الزَّوَال من آخر يَوْم رَمَضَان. وَالثَّانِي: لما قرب الْعِيد من الصَّوْم أضافته الْعَرَب إِلَيْهِ بِمَا قرب مِنْهُ. قلت: فِي بعض أَلْفَاظ الحَدِيث التَّصْرِيح بِأَن الْعِيد فِي رَمَضَان، رَوَاهُ أَحْمد فِي (مُسْنده) قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر حَدثنَا شُعْبَة، قَالَ: سَمِعت خَالِدا الْحذاء يحدث عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرَة عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (شَهْرَان لَا ينقصان فِي كل وَاحِد مِنْهُمَا عيد: رَمَضَان وَذُو الْحجَّة) ، وَهَذَا إِسْنَاده صَحِيح.
وَقد اخْتلف النَّاس فِي تَأْوِيل هَذَا الحَدِيث على أَقْوَال، فَقَالَ بَعضهم: مَعْنَاهُ: أَنَّهُمَا لَا يكونَانِ ناقصين فِي الحكم وَإِن وجدا ناقصين فِي عدد الْحساب، وَقَالَ بَعضهم: مَعْنَاهُ: أَنَّهُمَا لَا يكادان يوجدان فِي سنة وَاحِدَة مُجْتَمعين فِي النُّقْصَان، إِن كَانَ أَحدهمَا تسعا وَعشْرين كَانَ الآخر ثَلَاثِينَ، على الْكَمَال. وَقَالَ بَعضهم: إِنَّمَا أَرَادَ بِهَذَا تَفْضِيل الْعَمَل فِي الْعشْر من ذِي الْحجَّة، فَإِنَّهُ لَا ينقص فِي الْأجر وَالثَّوَاب عَن شهر رَمَضَان، وَقَالَ ابْن حبَان: لهَذَا الْخَبَر مَعْنيانِ: أَحدهمَا أَن شَهْري عيد لَا ينقصان فِي الْحَقِيقَة، وَإِن نقصا عندنَا فِي رَأْي الْعين عِنْد الْحَائِل بَيْننَا وَبَين رُؤْيَة الْهلَال بقترة، أَو ضباب، وَالْمعْنَى الثَّانِي: أَن شَهْري عيد لَا ينقصان فِي الْفَضَائِل، يُرِيد أَن عشر ذِي الْحجَّة على الْفضل كشهر رَمَضَان، وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: مَعْنَاهُ: لَا ينقصان، وَإِن كَانَا تسعا وَعشْرين يَوْمًا، فهما كاملان، لِأَن فِي أَحدهمَا الصّيام، وَفِي الآخر الْحَج، وَأَحْكَام ذَلِك كُله كَامِلَة غير نَاقِصَة. وَعَن الْمَازرِيّ: مَعْنَاهُ لَا ينقصان فِي عَام وَاحِد بِعَيْنِه، وَعَن الْخطابِيّ قيل: لَا ينقص أجر ذِي الْحجَّة عَن أجر رَمَضَان لفضل الْعَمَل فِي الْعشْر، وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: روى عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (كل شهر حرَام ثَلَاثُونَ) ، فَقَالَ: وَلَيْسَ بِشَيْء، لِأَن ابْن إِسْحَاق لَا يُقَاوم خَالِد الْحذاء وَلِأَن العيان يمنعهُ. وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: ذُو الْحجَّة إِنَّمَا يَقع الْحَج فِي الْعشْر الأول مِنْهُ، فَلَا دخل لنُقْصَان الشَّهْر وَتَمَامه فِيهِ، بِخِلَاف رَمَضَان فَإِنَّهُ يصام كُله مرّة فَيكون تَاما، وَمرَّة يكون نَاقِصا. قلت: قد تكون أَيَّام الْحَج من الْإِغْمَاء وَالنُّقْصَان مثل مَا يكون فِي آخر رَمَضَان بِأَن يغمى هِلَال ذِي الْقعدَة وَيَقَع فِيهِ الْغَلَط بِزِيَادَة يَوْم أَو نقصانه، فَيَقَع عَرَفَة فِي الْيَوْم الثَّامِن أَو الْعَاشِر مِنْهُ، فَمَعْنَاه أَن أجر الواقفين بِعَرَفَة فِي مثله لَا ينقص عَمَّا لَا غلط فِيهِ، وَقَالَ ابْن بطال: قَالَت طَائِفَة: من وقف بِعَرَفَة بخطأ شَامِل لجَمِيع أهل الْموقف فِي يَوْم قبل يَوْم عَرَفَة أَو بعده أَنه يجزىء عَنهُ، لِأَنَّهُمَا لَا ينقصان عِنْد الله من أجر المتعبدين بِالِاجْتِهَادِ، كَمَا لَا ينقص أجر رَمَضَان النَّاقِص، وَهُوَ قَول عَطاء وَالْحسن وَأبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ، احْتج أَصْحَابه على جَوَاز ذَلِك بصيام من التبست عَلَيْهِ الشُّهُور أَنه جَائِز أَن يَقع صِيَامه قبل رَمَضَان أَو بعده، وَعَن ابْن الْقَاسِم: أَنهم إِن أخطأوا ووقفوا بعد يَوْم عَرَفَة يَوْم النَّحْر يجزيهم، وَإِن قدمُوا الْوُقُوف يَوْم التَّرويَة أعادوا الْوُقُوف من الْغَد، وَلم يجزهم، وَهَذَا تخرج على أصل تِلْكَ فِيمَن التبست عَلَيْهِ الشُّهُور فصَام رَمَضَان، ثمَّ تَيَقّن لَهُ أَنه أوقعه بعد رَمَضَان أَنه يجْزِيه، وَلَا يجْزِيه إِذا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute