للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَنه قد نهى عَن إِدْخَال الْيَدَيْنِ فِي الْإِنَاء لاحْتِمَال النَّجَاسَة، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَن وُرُود النَّجَاسَة على المَاء مُؤثر فِيهِ، وَأمر بغسلها بإفراغ المَاء عَلَيْهَا للتطهير، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَن ملاقاتها المَاء على هَذَا الْوَجْه غير مُفسد بِمُجَرَّد الملاقاة، وإلَاّ لما حصل الْمَقْصُود من التَّطْهِير. قلت: سلمنَا أَن ملاقاتهما على هَذَا الْوَجْه غير مُفسد بِمُجَرَّد الملاقاة للضَّرُورَة، وَلَكِن لَا نسلم أَنه يبْقى طَاهِرا بعد أَن أَزَال النَّجَاسَة. وَقَالَ النَّوَوِيّ أَيْضا: وَفِيه دلَالَة على أَن المَاء الْقَلِيل إِذا وَردت عَلَيْهِ نَجَاسَة نجسته، وَإِن قلَّت وَلم تغيره فَإِنَّهَا تنجسه لِأَن الَّذِي تعلق بِالْيَدِ وَلَا يرى قَلِيل جدا، وَكَانَت عَادَتهم اسْتِعْمَال الْأَوَانِي الصَّغِيرَة الَّتِي تقصر عَن الْقلَّتَيْنِ، بل لَا تقاربها. وَقَالَ الْقشيرِي: وَفِيه نظر عِنْد لِأَن مُقْتَضى الحَدِيث أَن وُرُود النَّجَاسَة على المَاء يُؤثر فِيهِ، وَمُطلق التَّأْثِير أَعم من التَّأْثِير بالتنجيس، وَلَا يلْزم من ثُبُوت الْأَعَمّ ثُبُوت الْأَخَص الْمعِين، فَإِذا سلم الْخصم أَن المَاء الْقَلِيل بِوُقُوع النَّجَاسَة فِيهِ يكون مَكْرُوها فقد ثَبت مُطلق التَّأْثِير، وَلَا يلْزم ثُبُوت خُصُوص التَّأْثِير بالتنجيس.

الْعَاشِر: فِيهِ اسْتِحْبَاب اسْتِعْمَال الْكِنَايَات فِي الْمَوَاضِع الَّتِي فِيهَا استهجان، وَلِهَذَا قَالَ، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (فَإِنَّهُ لَا يدْرِي أَيْن باتت يَده) ، وَلم يقل: فَلَعَلَّ يَده وَقعت على دبره أَو ذكره أَو نَجَاسَة، وَنَحْو ذَلِك، وَإِن كَانَ هَذَا معنى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهَذَا إِذا علم أَن السَّامع يفهم بِالْكِنَايَةِ الْمَقْصُود. فَإِن لم يكن كَذَلِك فَلَا بُد من التَّصْرِيح لينتفي اللّبْس والوقوع فِي خلاف الْمَطْلُوب، وعَلى هَذَا يحمل مَا جَاءَ من ذَلِك مُصَرحًا بِهِ.

الْحَادِي عشر: إِن قَوْله (فِي الْإِنَاء) ، وَإِن كَانَ عَاما لَكِن الْقَرِينَة دلّت على أَنه إِنَاء المَاء، بِدَلِيل قَوْله فِي هَذِه الرِّوَايَة: (فِي وضوئِهِ) ، وَلَكِن الحكم لَا يخْتَلف بَينه وَبَين غَيره من الْأَشْيَاء الرّطبَة.

الثَّانِي عشر: إِن مَوضِع الِاسْتِنْجَاء لَا يطهر بِالْمَسْحِ بالأحجار، بل يبْقى نجسا معفواً عَنهُ فِي حق الصَّلَاة حَتَّى إِذا أصَاب مَوضِع الْمسْح بَلل، وابتل بِهِ سراويله أَو قَمِيصه يُنجسهُ.

الثَّالِث عشر: قَوْله: (فليغسل يَده) يتَنَاوَل مَا إِذا كَانَت يَده مُطلقَة أَو مشدودة بِشَيْء، أَو فِي جراب أَو كَانَ النَّائِم عَلَيْهِ سراويله، أَو لم يَكن لعُمُوم اللَّفْظ.

الرَّابِع عشر: إِن قَوْله: (فَإِن أحدكُم) خطاب للعقلاء الْبَالِغين الْمُسلمين، فَإِن كَانَ الْقَائِم من النّوم صَبيا أَو مَجْنُونا أَو كَافِرًا، فَذكر فِي (الْمُغنِي) أَن فِيهِ وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه كَالْمُسلمِ الْبَالِغ الْعَاقِل لِأَنَّهُ لَا يدْرِي أَيْن باتت يَده. وَالثَّانِي أَنه لَا يُؤثر غمسه شَيْئا، لِأَن الْمَنْع من الغمس إِنَّمَا يثبت بِالْخِطَابِ، وَلَا خطاب فِي حق هَؤُلَاءِ.

الْخَامِس عشر: فِيهِ إِضَافَة النّوم إِلَى ضمير: أحدكُم، وَذَلِكَ ليخرج نَومه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِنَّهُ تنام عينه دون قلبه.

السَّادِس عشر: قَوْله: (من نَومه) يُفِيد خُرُوج الْغَفْلَة وَنَحْوهَا.

السَّابِع عشر: اخْتلفُوا فِي أَن عِلّة الْأَمر التَّنْجِيس أَو التَّعَبُّد، فَمنهمْ من قَالَ، وَهُوَ قَول الْجُمْهُور: إِن ذَلِك لاحْتِمَال النَّجَاسَة وَمُقْتَضَاهُ إِلْحَاق من يشك فِي ذَلِك، وَلَو كَانَ مستيقظاً، وَمَفْهُومه أَن من درى أَيْن باتت يَده، كمن لف عَلَيْهَا خرقَة مثلا، فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ على حَالهَا فَلَا كَرَاهَة، وَإِن كَانَ غسلهَا مُسْتَحبا كَمَا فِي المستيقظ، وَمِنْهُم من قَالَ، وَمِنْهُم مَالك: بِأَن ذَلِك للتعبد، فعلى قَوْلهم لَا يفرق بَين شاكٍ ومتيقن.

الثَّامِن عشر: قَالَ أَبُو عمر: فِيهِ إِيجَاب الْوضُوء من النّوم.

التَّاسِع عشر: قيل: فِيهِ تَقْوِيَة من يَقُول بِالْوضُوءِ من مس الذّكر، حَكَاهُ أَبُو عوَانَة فِي صَحِيحه عَن ابْن عُيَيْنَة، وَفِيه بعد جدا.

الْعشْرُونَ: مَا قَالَه الْخفاف من الشَّافِعِيَّة: إِن الْقَلِيل من المَاء لَا يصير مُسْتَعْملا بِإِدْخَال الْيَد فِيهِ لمن أَرَادَ الْوضُوء، وَفِيه بعد أَيْضا. وَالله أعلم.

٢٧ - (بابُ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَلَا يَمْسَحُ عَلَى القَدَمَيْنِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم غسلم الرجلَيْن فِي الْوضُوء. قَوْله: (وَلَا يمسح على الْقَدَمَيْنِ) يَعْنِي: إِذا كَانَتَا عاريتين. قَالَ الْقشيرِي: فهم البُخَارِيّ من هَذَا الحَدِيث أَن الْقَدَمَيْنِ لَا يمسحان بل يغسلان، وَهُوَ عِنْدِي غير جيد، لِأَنَّهُ مُفَسّر فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: إِن الاعقاب كَانَت تلوح لم يَمَسهَا المَاء، وَلَا شكّ أَن هَذَا مُوجب للوعيد بالِاتِّفَاقِ، وَالَّذين استدلوا على أَن الْمسْح غير مجزىء إِنَّمَا اعتبروا لَفظه فَقَط، فقد رتب الْوَعيد على مُسَمّى الْمسْح وَلَيْسَ فِيهَا ترك بعض الْوضُوء، وَالصَّوَاب إِذا جمعت الطّرق أَن يسْتَدلّ بِبَعْضِهَا على بعض، وَيجمع مَا يُمكن جمعه فِيهِ ليظْهر المُرَاد، وَلَو إستدل فِي غسل الرجلَيْن بِحَدِيث: (إِذا تَوَضَّأ الْمُسلم فَغسل رجلَيْهِ خرجت كل خَطِيئَة بطشت بهَا رِجْلَاهُ) . فَهَذَا يدل على أَن الرجل فَرضهَا الْغسْل لِأَنَّهُ لَو كَانَ فَرضهَا الْمسْح لم يكن فِي غسلهَا ثَوَاب. أَلا ترى أَن الرَّأْس الَّذِي فَرضهَا الْمسْح لَا ثَوَاب فِي غسلهَا؟ قلت: لَا دخل فِي ذَلِك على البُخَارِيّ، لِأَنَّهُ فهم مِنْهُ أَن

<<  <  ج: ص:  >  >>