للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

غير مرّة، وَإِسْمَاعِيل هُوَ الْمَشْهُور بِابْن أويس.

وَمن لطائف إِسْنَاده: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع، وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع، والعنعنة فِي مَوضِع، وَأَن رُوَاته كلهم مدنيون.

وَأخرجه: البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن يحيى بن بكر، وَفِي التَّفْسِير عَن إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر عَن معن بن عِيسَى عَنهُ بِهِ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (هَؤُلَاءِ الْمُعَذَّبين) ، بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة: يَعْنِي ديار هَؤُلَاءِ وهم أَصْحَاب الْحجر قوم ثَمُود وَهَؤُلَاء قوم صَالح، عَلَيْهِ السَّلَام، و: الْحجر، بِكَسْر الْحَاء وَسُكُون الْجِيم: بلد بَين الشَّام والحجاز، وَعَن قَتَادَة فِيمَا ذكره الطَّبَرِيّ: الْحجر اسْم الْوَادي الَّذِي كَانُوا بِهِ. وَعَن الزُّهْرِيّ: هُوَ اسْم مدينتهم، وَكَانَ نهي النَّبِي إيَّاهُم بقوله: (لَا تدْخلُوا) حِين مروا مَعَ النَّبِي بِالْحجرِ فِي حَال توجههم إِلَى تَبُوك، وللبخاري فِي (أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء) عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام: (لَا تدْخلُوا مسَاكِن الَّذين ظلمُوا أنفسهم) . وَقَالَ الْمُهلب: إِنَّمَا قَالَ: (لَا تدْخلُوا) من جِهَة التشاؤم بِتِلْكَ الْبقْعَة الَّتِي نزل بهَا السخط، يدل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {وسكنتم فِي مسَاكِن الَّذين ظلمُوا أنفسهم} (إِبْرَاهِيم: ٥٤) فِي مقَام التوبيخ على السّكُون فِيهَا، وَقد تشاءم بالبقعة الَّتِي نَام فِيهَا عَن الصَّلَاة، ورحل عَنْهَا ثمَّ صلى، فكراهية الصَّلَاة فِي مَوضِع الْخَسْف، أولى، ثمَّ اسْتثْنى من ذَلِك قَوْله. (إلَاّ أَن تَكُونُوا بَاكِينَ) فأباح الدُّخُول فِيهِ على وَجه الْبكاء وَالِاعْتِبَار، وَهَذَا يدل على أَن من صلى هُنَاكَ لَا تفْسد صلَاته، مَوضِع بكاء وَاعْتِبَار.

وَزَعَمت الظَّاهِرِيَّة: أَن من صلى فِي بِلَاد ثَمُود وَهُوَ غير باك فَعَلَيهِ سُجُود السَّهْو إِن كَانَ سَاهِيا، وَإِن تعمد ذَلِك بطلت صلَاته. قلت: هَذَا خلف من القَوْل إِذْ لَيْسَ فِي الحَدِيث مَا يدل على فَسَاد صَلَاة من لم يبك، وَإِنَّمَا فِيهِ خوف نزُول الْعَذَاب بِهِ. وَقَالَ الْخطابِيّ: معنى هَذَا الحَدِيث أَن الدَّاخِل فِي ديار الْقَوْم الَّذين أهلكوا بخسف وَعَذَاب، إِذا دَخلهَا فَلم يجلب عَلَيْهِ مَا يرى من آثَار مَا نزل بهم بكاء، وَلم يبْعَث عَلَيْهِ حزنا إِمَّا شَفَقَة عَلَيْهِم وَإِمَّا خوفًا من حُلُول مثلهَا بِهِ، فَهُوَ قاسي الْقلب قَلِيل الْخُشُوع غير مستشعر للخوف والوجل، فَلَا يَأْمَن إِذا كَانَ حَاله كَذَلِك أَن يُصِيبهُ مَا أَصَابَهُم، وَهُوَ معنى قَوْله: (لَا يُصِيبكُم مَا أَصَابَهُم) . وَهُوَ بِالرَّفْع لِأَنَّهُ اسْتِئْنَاف كَلَام.

وَقَالَ بَعضهم: وَالْمعْنَى فِيهِ: لِئَلَّا يصبيكم. قلت: الْجُمْلَة الاستئنافية لَا تكون تعليلاً. وَقَالَ هَذَا الْقَائِل أَيْضا: وَيجوز الْجَزْم على أَن: لَا ناهية وَهُوَ أوجه. قلت: هَذَا مَبْنِيّ على صِحَة الرِّوَايَة بذلك. وَقَوله: وَهُوَ أوجه، غير موجه، لِأَنَّهُ لم يبين وَجهه، وَفِي لفظ البُخَارِيّ: (أَن يُصِيبكُم) ، بِفَتْح همزَة: أَن، وَفِيه إِضْمَار تَقْدِيره: حذر أَن يُصِيبكُم، أَو خشيَة أَن يُصِيبكُم. وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: كَيفَ يُصِيب عَذَاب الظَّالِمين لغَيرهم، {وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى} (الْأَنْعَام: ٤٦١، الْإِسْرَاء: ٥١ فاطر: ٨١، الزمر: ٧، النَّجْم: ٨٣) قلت: لَا نسلم الْإِصَابَة إِلَى غير الظَّالِم. قَالَ تَعَالَى: {وَاتَّقوا فتْنَة لَا تصيبن الَّذين ظلمُوا مِنْكُم خَاصَّة} (الْأَنْفَال: ٥٢) وَأما الْآيَة الأولى فمحمولة على عَذَاب يَوْم الْقِيَامَة، ثمَّ لَا نسلم أَن الَّذِي يدْخل موضعهم وَلَا يتَضَرَّع لَيْسَ بظالم، لِأَن ترك التضرع فِيمَا يجب فِيهِ التضرع ظلم.

ذكر مَا يستنبط مِنْهُ: فِيهِ: دلَالَة على أَن ديار هَؤُلَاءِ لَا تسكن بعدهمْ وَلَا تتَّخذ وطناً لِأَن الْمُقِيم المستوطن لَا يُمكنهُ أَن يكون دهره باكياً أبدا، وَقد نهى أَن يدْخل دروهم إلَاّ بِهَذِهِ الصّفة. وَفِيه: الْمَنْع من الْمقَام بهَا والاستيطان. وَفِيه: الْإِسْرَاع عَن الْمُرُور بديار الْمُعَذَّبين، كَمَا فعل رَسُول الله فِي وَادي محسر، لِأَن أَصْحَاب الْفِيل هَلَكُوا هُنَاكَ. وَفِيه: أَمرهم بالبكاء لِأَنَّهُ ينشأ عَن التفكر فِي مثل ذَلِك، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: التفكر الَّذِي ينشأ عَنهُ الْبكاء فِي مثل ذَلِك الْمقَام يَنْقَسِم ثَلَاثَة أَقسَام: أَحدهَا: تفكر يتَعَلَّق با تَعَالَى إِذْ قضى على أُولَئِكَ بالْكفْر. الثَّانِي: يتَعَلَّق بأولئك الْقَوْم إِذا بارزوا رَبهم الْكفْر وَالْفساد. الثَّالِث: يتَعَلَّق بالمار عَلَيْهِم لِأَنَّهُ وفْق للْإيمَان وَتمكن من الِاسْتِدْرَاك والمسامحة فِي الزلل. وَفِيه: الدّلَالَة على كَرَاهَة الصَّلَاة فِي مَوضِع الْخَسْف وَالْعَذَاب، وَالْبَاب مَعْقُود عَلَيْهِ.

٤٥ - (بابُ الصَّلَاةِ فِي البِيعَةِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الصَّلَاة فِي الْبيعَة، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة: معبد النَّصَارَى، والكنيسة: معبد الْيَهُود، فَإِن قلت: إِذا كَانَ كَذَلِك فَكيف عقد الْبَاب للصَّلَاة فِي الْبيعَة، وَالْمَذْكُور فِي الحَدِيث هُوَ الْكَنِيسَة؟ قلت: عقد الْبَاب هَكَذَا على قَول من لم يفرق بَينهمَا، فَإِن الْجَوْهَرِي قَالَ: الْكَنِيسَة والبيعة لِلنَّصَارَى، وَيُقَال: الْبيعَة صومعة الراهب، ذكره فِي (الْمُحكم) وَيُقَال: الْبيعَة والكنيسة لِلنَّصَارَى، والصلوات للْيَهُود، والصوامع للرهبان. وَقَالَ الدَّاودِيّ: البيع للْيَهُود، والصلوات للصابئين. وَقيل:

<<  <  ج: ص:  >  >>