وَاعْلَم أَنه قد وَردت أَحَادِيث فِيهَا النَّهْي عَن الصَّلَاة فِي مَوَاضِع، مِنْهَا: حَدِيث ابْن عمر، رَضِي اتعالى عَنْهُمَا: (أَن رَسُول الله نهى أَن يصلى فِي سَبْعَة مَوَاطِن: فِي المزبلة والمجزرة والمقبرة وقارعة الطَّرِيق وَفِي الْحمام وَفِي معاطن الْإِبِل وَفَوق ظهر بَيت ا) ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه. وَقَالَ القَاضِي أَبُو بكر ابْن الْعَرَبِيّ: الْمَوَاضِع الَّتِي لَا يصلى فِيهَا ثَلَاثَة عشر موضعا، فَذكر السَّبْعَة الْمَذْكُورَة وَزَاد: إِلَى الْمقْبرَة. وأمامك جِدَار مرحاض عَلَيْهِ نَجَاسَة والكنيسة والبيعة وَفِي قبلتك تماثيل وَفِي دَار الْعَذَاب. وَذكر غَيره، الصَّلَاة فِي الأَرْض الْمَغْصُوبَة وَإِلَى النَّائِم والمتحدث، وَالصَّلَاة فِي بطن الْوَادي وَالصَّلَاة فِي مَسْجِد الضرار، فَصَارَت الْجُمْلَة ثَمَانِيَة عشر موضعا.
فَنَقُول: أما المزبلة فَهِيَ الْمَكَان الَّذِي يلقى فِيهِ الزبل، وَهُوَ السرجين، وفيهَا لُغَتَانِ: فتح الْبَاء وَضمّهَا، أما الصَّلَاة فِيهَا فَإِن كَانَت بهَا نَجَاسَة فَتحرم الصَّلَاة فِيهَا من غير حَائِل، وَإِن فرش عَلَيْهَا شَيْء حَائِل بَينه وَبَينهَا انْتَفَى التَّحْرِيم وَبقيت الْكَرَاهَة. وَأما المجرزة: فَهِيَ: بِفَتْح الزَّاي: الْمَكَان الَّذِي ينْحَر فِيهِ الْإِبِل ويذبح فِيهِ الْبَقر وَالْغنم، وَهِي أَيْضا مَحل الدِّمَاء والأرواث، وَالْكَلَام فِيهِ مثل الْكَلَام فِي المزبلة. وَأما الْمقْبرَة: فقد مر الْكَلَام فِيهَا. وَأما قَارِعَة الطَّرِيق: فَلَمَّا فِيهَا من شغل الخاطر بمرور النَّاس ولغطهم. وَأما الْحمام: فَقَالَ أَحْمد: لَا تصح الصَّلَاة فِيهَا، وَمن صلى فِيهَا أعَاد أبدا، وَعند الْجُمْهُور يكره وَلَا يبطل، ثمَّ قيل: الْعلَّة الغسالات، وَقيل: لِأَنَّهَا مأوى الشَّيَاطِين، فعلى الأول إِذا صلى فِي مَكَان طَاهِر فِيهَا لَا يكره، وَيلْزم من الثَّانِي أَن تكره الصَّلَاة فِي غير الْحمام أَيْضا لعدم خلو الْأَمْكِنَة من الشَّيَاطِين. وَأما معاطن الْإِبِل: فقد مر الْكَلَام فِيهَا. وَأما الصَّلَاة فَوق ظهر بَيت ا: فَفِيهِ خلاف وتفصيل عرف ذَلِك من الْفُرُوع. وَفِي (شرح التِّرْمِذِيّ) : وَلم يَصح فِيهِ حَدِيث. وَأما الصَّلَاة إِلَى جِدَار مر حاض: فَلَمَّا رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) عَن عبد اللَّه بن عَمْرو، قَالَ: (لَا يصلى إِلَى الحش) ، وَعَن عَليّ، رَضِي اتعالى عَنهُ: (لَا تصلي تجاه حش) . وَعَن إِبْرَاهِيم: (كَانُوا يكْرهُونَ ثَلَاثَة أَبْيَات الْقبْلَة وَذكر مِنْهَا الحش) . وَفِي (شرح التِّرْمِذِيّ) : وَقد نَص الشَّافِعِي على أَنه لَا تكره الصَّلَاة إِذا صلى وَبَين يَدَيْهِ جيفة، وَحكى الْمُحب الطَّبَرِيّ فِي (شرح التَّنْبِيه) : أَنه يكره اسْتِقْبَال الْجِدَار النَّجس والمتنجس فِي الصَّلَاة، وَقَالَ ابْن حبيب من الْمَالِكِيَّة: من تعمد الصَّلَاة إِلَى نَجَاسَة بطلت صلَاته إلَاّ أَن يكون بَعيدا جدا. وَأما الصَّلَاة فِي الْكَنِيسَة والبيعة: فكرهها الْحسن الْبَصْرِيّ، وَفِي (مُصَنف ابْن أبي شيبَة) : إِن ابْن عَبَّاس كره الصَّلَاة فِي الْكَنِيسَة إِذا كَانَت فِيهَا تصاوير، وَلم ير الشّعبِيّ وَعَطَاء وَابْن أبي رَبَاح بِالصَّلَاةِ فِي الْكَنِيسَة والبيعة بَأْسا وَكَذَلِكَ ابْن سِيرِين، وَصلى أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَعمر بن عبد الْعَزِيز فِي الْكَنِيسَة.
وَأما الصَّلَاة إِلَى قبْلَة فِيهَا تماثيل:، فقد مر الْكَلَام فِيهَا. وَأما الصَّلَاة فِي دَار الْعَذَاب: فَلَمَّا رُوِيَ عَن عَليّ، رَضِي اتعالى عَنهُ، وَقد ذكر عَن قريب. وَأما الصَّلَاة فِي الأَرْض الْمَغْصُوبَة: فَلَمَّا فِيهِ من اسْتِعْمَال حق الْغَيْر بِغَيْر إِذْنه فَيحرم وَتَصِح وَلَا ثَوَاب فِيهَا. وَأما الصَّلَاة إِلَى النَّائِم والمتحدث: فَلَمَّا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس النَّهْي فِي ذَلِك رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه. وَأما الصَّلَاة فِي بطن الْوَادي؛ فَهُوَ خوف السَّيْل السالب للخشوع، قَالَه الرَّافِعِيّ، وَإِن لم يتَوَقَّع ذَلِك. فَيجوز أَن يُقَال: لَا كَرَاهَة. وَأما الصَّلَاة فِي مَسْجِد الضرار: فَلقَوْله تَعَالَى: {لَا تقم فِيهِ أبدا} (التَّوْبَة: ٨٠١) وَقَالَ ابْن حزم: لَا تصح الصَّلَاة فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوضِع صَلَاة، وَقَالَ: لَا تجوز الصَّلَاة أَيْضا فِي مَسْجِد يستهزأ فِيهِ با أَو بِرَسُولِهِ، أَو بِشَيْء من الدّين، أَو فِي مَكَان يكفر فِيهِ بِشَيْء، فَإِن لم يُمكنهُ الزَّوَال وَلَا قدرَة صلى، وأجزأته صلَاته.
٣٣٤٤٩ - حدّثنا إسْماعِيلُ بنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حدّثني مالِكٌ عنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ دِينَارٍ عنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ رَضِي اعنهما أنَّ رسولَ قَالَ لَا تَدْخلُوا عَلى هَؤُلَاءِ المُعَذَّبِينَ إلَاّ أنْ تَكُونُوا باكِينَ فإِنْ لَمْ تكُونُوا باكِينَ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ لَا يُصِيبُكُمْ مَا أصَابَهُمْ. (الحَدِيث ٣٣٤ أَطْرَافه فِي: ٠٨٣٣، ١٨٣٣، ٩١٤٤، ٠٢٤٤، ٢٠٧٤) .
هَذَا الحَدِيث مُطَابق لأثر عَليّ من حَيْثُ عدم النُّزُول من النَّبِي لما مر بِالْحجرِ ديار ثَمُود فِي حَال توجهه إِلَى تَبُوك، وَمن عَليّ كَذَلِك حَيْثُ لم ينزل لما أَتَى خسف بابل، فأثر عَليّ، رَضِي اتعالى عَنهُ، مُطَابق للتَّرْجَمَة للْوَجْه الَّذِي ذَكرْنَاهُ، فَكَذَلِك حَدِيث ابْن عمر مُطَابق للتَّرْجَمَة، لِأَن المطابق للمطابق للشَّيْء مُطَابق لذَلِك الشَّيْء، وَعدم نزولهما فيهمَا مُسْتَلْزم لعدم الصَّلَاة فيهمَا، وَعدم الصَّلَاة لأجل الْكَرَاهَة وَالْبَاب مَعْقُود لبَيَان الْكَرَاهَة، فحصلت الْمُطَابقَة فَافْهَم.
ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة، ذكرُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute