مَا يُفِيءُ الله عَلَيْنَا فلْيَفْعَلْ فَقَالَ النَّاسُ طَيَّبْنَا يَا رسوُلَ الله لَهُمْ فَقَالَ لَهُمْ إأا لَا نَدْرِي منْ أذِنَ مَنْكُمْ فِيهِ مِمَّنْ لَمْ يَأذَنْ فارْجِعُوا حتَّى يَرْفَعَ إلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أمْرَكُمْ فرَجَعَ النَّاسُ فكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ ثُمَّ رَجَعُوا إلَى النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأخبرُوهُ أنَّهُمْ طَيَّبُوا وأذِنُوا..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث، وَهُوَ أَن الْغَانِمين، وهم جمَاعَة، وهبوا بعض الْغَنِيمَة لمن غنموها مِنْهُم، وهم قوم هوَازن. وَأما وَجه الْمُطَابقَة فِي زِيَادَة الْكشميهني فَمن جِهَة أَنه كَانَ للنَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سهم، وَهُوَ الصفي، فوهبه لَهُم. وَالْجَوَاب عَنهُ مَا مر عَن قريب، وَهَذَا الحَدِيث هُوَ الْمَذْكُور فِي الْمرة الرَّابِعَة مِنْهَا فِي كتاب الْوكَالَة فِي: بَاب إِذا وهب شَيْئا لوكيل أَو شَفِيع قوم جَازَ.
قَوْله: (هوَازن) ، مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب. قَوْله: (مُسلمين) ، حَال من الْوَفْد. قَوْله: (من ترَوْنَ) ، أَي: من الْعَسْكَر. قَوْله: (حَتَّى يرفع) ، قَالَه الْكرْمَانِي: قَالُوا: هُوَ بِالرَّفْع أَجود. قلت: لم يبين وَجه أجودية الرف، وَالنّصب هُوَ الأَصْل، لِأَن: أَن، بعد: حَتَّى، مقدرَة فَافْهَم، وَبَقِيَّة الْكَلَام قد مرت.
وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : مَا ملخصه: إِنَّهُم طيبُوا أنفسهم ووهبوا لَهُم. وَفِيه: رد على قَول أبي حنيفَة: إِن هبة الْمشَاع الَّتِي تتأتى فِيهَا الْقِسْمَة لَا تجوز. قلت: لَا وَجه للرَّدّ على قَول أبي حنيفَة، فَإِنَّهُ يَقُول: هَذَا لَيست فِيهِ هبة شَرْعِيَّة، وَإِنَّمَا هُوَ رد سَبْيهمْ إِلَيْهِم، ورد الشَّيْء لصَاحبه لَا يُسمى هبة.
وهذَا الَّذِي بَلَغنا مِنْ سَبْيِ هَوازِنَ هاذَا آخِرُ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ يَعْنِي فَهذَا الَّذِي بَلَغَنَا
قَوْله: (هَذَا الَّذِي بلغنَا) من كَلَام الزُّهْرِيّ بَينه البُخَارِيّ بقوله: هَذَا آخر قَول الزُّهْرِيّ، وَفِي بعض النّسخ: قَالَ أَبُو عبد الله، هَذَا آخر قَول الزُّهْرِيّ، ثمَّ فسره بقوله: (يَعْنِي فَهَذَا الَّذِي بلغنَا) يَعْنِي: هُوَ هَذَا آخر قَوْله. وَالله أعلم.
٥٢ - (بابُ مَنْ أهْدِيَ لَهُ هَدِيَّةٌ وعِنْدَهُ جُلَساؤُهُ فَهُوَ أحَقُّ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم من أهدي لَهُ، بِضَم الْهمزَة على صِيغَة الْمَجْهُول، و: هَدِيَّة: مَرْفُوعَة بِإِسْنَاد أهدي إِلَيْهِ. قَوْله: (وَعِنْده) أَي: وَالْحَال أَن عِنْد هَذَا الَّذِي أهْدى لَهُ جمَاعَة، وهم جُلَسَاؤُهُ وَهُوَ جمع جليس. قَوْله: (فَهُوَ أَحَق) ، جَوَاب من: أَي: الَّذِي أهْدى لَهُ أَحَق بالهدية من جُلَسَائِهِ، يَعْنِي: لَا يشاركون مَعَه.
ويُذْكَرُ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ أنَّ جُلَسَاءَهُ شُرَكَاءَهُ ولَمْ يَصِحَّ
لما كَانَ وضع تَرْجَمَة الْبَاب يُخَالف مَا روى عَن ابْن عَبَّاس أَن جلساءه وشركاؤه، أَشَارَ إِلَيْهِ بِصِيغَة التمريض، بقوله: وَيذكر عَن ابْن عَبَّاس أَن جلساءه، أَي: جلساء الْمهْدي إِلَيْهِ شركاؤه فِي الْهَدِيَّة، وَلم يكتف بِذكرِهِ هَذَا عَن ابْن عَبَّاس بِصِيغَة التمريض حَتَّى أكده بقوله: وَلم يَصح، أَي: وَلم يَصح، هَذَا عَن ابْن عَبَّاس، وَيحْتَمل أَن يكون الْمَعْنى: وَلم يَصح فِي هَذَا الْبَاب شَيْء، وَلِهَذَا قَالَ الْعقيلِيّ: لَا يَصح فِي هَذَا الْبَاب عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْء، وروى هَذَا عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا وموقوفاً، وَالْمَوْقُوف أصح إِسْنَادًا من الْمَرْفُوع. أما الْمَرْفُوع، فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث مُحَمَّد بن الصَّلْت: حَدثنَا منْدَل بن عَليّ عَن ابْن جريج عَن عَمْرو بن دِينَار عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من أهديت لَهُ هَدِيَّة وَعِنْده نَاس فهم شركاؤه فِيهَا) ومندل بن عَليّ ضَعِيف، وَرَوَاهُ عبد الرَّزَّاق أَيْضا عَن مُحَمَّد بن مُسلم عَن عَمْرو عَن ابْن عَبَّاس، وَرَوَاهُ أَيْضا عبد بن حميد من طَرِيق ابْن جريج عَن عَمْرو بن دِينَار عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا نَحوه، وَلَفظه وَعِنْده قوم، وَاخْتلف على عبد الرَّزَّاق عَنهُ فِي وَقفه وَرَفعه، وَالْمَشْهُور عَنهُ الْوَقْف، وَهُوَ أصح الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ، وَله شَاهد مَرْفُوع من حَدِيث الْحسن بن عَليّ فِي مُسْند إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه، وَآخر عَن عَائِشَة عِنْد الْعقيلِيّ، وإسنادهما ضَعِيف أَيْضا، وَقَالَ ابْن بطال: معنى الحَدِيث النّدب عِنْد الْعلمَاء فِيمَا خف من الْهَدَايَا، وَجَرت الْعَادة فِيهِ، وَأما مثل الدّور وَالْمَال الْكثير فصاحبها أَحَق بهَا، ثمَّ ذكر حِكَايَة أبي يُوسُف القَاضِي: أَن الرشيد أهْدى إِلَيْهِ مَالا كثيرا وَهُوَ جَالس مَعَ أَصْحَابه، فَقيل لَهُ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: جلساؤكم شركاؤكُم، فَقَالَ أَبُو يُوسُف: إِنَّه لم يرد فِي مثله، وَإِنَّمَا ورد فِيمَا خف من الْهَدَايَا من المأكل وَالْمشْرَب، ويروى من غير هَذَا الْوَجْه أَنه: كَانَ جَالِسا وَعِنْده أَحْمد بن جنبل