للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الوجودية، ومحمود نقل سنة مَقْصُودَة فِي كَون النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، مج مجة فِي وَجهه لإفادته الْبركَة، بل فِي مُجَرّد رُؤْيَته إِيَّاه فَائِدَة شَرْعِيَّة يثبت بهَا كَونه صحابياً. وَأما قصَّة ابْن الزبير فَلَيْسَ فِيهَا نقل سنة من السّنَن النَّبَوِيَّة حَتَّى يدْخل فِي هَذَا الْبَاب. وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ فِي (تنقيحه) : وَيحْتَاج الْمُهلب إِلَى ثُبُوت أَن قَضِيَّة ابْن الزبير صَحِيحَة على شَرط البُخَارِيّ. قلت: هَذَا غَفلَة مِنْهُ، فَإِن قَضِيَّة ابْن الزبير الْمَذْكُورَة أخرجهَا البُخَارِيّ فِي مَنَاقِب الزبير فِي (الصَّحِيح) ، وَالْجَوَاب مَا ذَكرْنَاهُ. وَالله أعلم.

١٩ - (بابُ الخُرُوجِ فِي طَلَبِ العِلْمِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْخُرُوج لأجل طلب الْعلم، وَأطلق الْخُرُوج ليشْمل سفر الْبَحْر وَالْبر. وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ من حَيْثُ إِن الْمَذْكُور فِي الْبَاب الأول إقبال ابْن عَبَّاس إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي الصَّلَاة، ودخوله فِيهَا مَعَه، ثمَّ إخْبَاره ذَلِك كُله لمن روى عَنهُ الحَدِيث. وَفِي ذَلِك كُله معنى طلب الْعلم، وَمعنى الْخُرُوج فِي طلبه، وَمَعَ هَذَا كَانَ ذكر هَذَا الْبَاب عقيب بَاب مَا ذكره فِي ذهَاب مُوسَى إِلَى الْخضر فِي الْبَحْر أنسب وأليق على مَا لَا يخفى.

ورَحَلَ جابِرُ بنُ عَبدِ اللَّهِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ إِلى عَبْدِ اللَّهِ بنِ أُنَيْسٍ فِي حَدِيثٍ واحِدٍ.

الْكَلَام فِيهِ على أَنْوَاع. الأول: أَنه أَرَادَ بِذكر هَذَا الْأَثر الْمُعَلق التَّنْبِيه على فَضِيلَة السّفر والرحلة فِي طلب الْعلم برا وبحراً.

الثَّانِي: أَن جَابر بن عبد اللَّه هُوَ الْأنْصَارِيّ الصَّحَابِيّ الْمَشْهُور، وَعبد اللَّه بن أنيس، بِضَم الْهمزَة، مصغر أنس ابْن مسعد الْجُهَنِيّ، بِضَم الْجِيم وَفتح الْحَاء، حَلِيف الْأَنْصَار، شهد الْعقبَة مَعَ السّبْعين من الْأَنْصَار، وَشهد أحدا وَمَا بعْدهَا من الْمشَاهد، وَبَعثه رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَحده سَرِيَّة. وَاخْتلف فِي شُهُوده بَدْرًا. لَهُ خَمْسَة وَعِشْرُونَ حَدِيثا، روى لَهُ مُسلم حَدِيثا وَاحِدًا فِي لَيْلَة الْقدر، وروى لَهُ الْأَرْبَعَة. وَلم يذكرهُ الكلاباذي وَغَيره فِيمَن روى لَهُ البُخَارِيّ، وَقد ذكر البُخَارِيّ فِي كتاب (الرَّد على الْجَهْمِية) : وَيذكر عَن جَابر بن عبد اللَّه عَن عبد اللَّه بن أنيس، فَذكره. توفّي بِالشَّام سنة أَربع وَخمسين فِي خلَافَة مُعَاوِيَة، رَضِي الله عَنهُ، وَفِي (سنَن أبي دَاوُد) وَالتِّرْمِذِيّ: عَن عبد اللَّه بن أنيس الْأنْصَارِيّ، عَنهُ ابْنه عِيسَى، وَلَعَلَّه الأول. وَفِي الصَّحَابَة، أَو أنيس عبد اللَّه بن أنيس، أَو أنيس. قيل: هُوَ الَّذِي رمى ماعزاً لما رَجَمُوهُ فَقتله، وَعبد اللَّه بن أنيس قتل يَوْم الْيَمَامَة، وَعبد اللَّه بن أنيس العامري لَهُ وفادة، وَمن رِوَايَة يعلى بن الْأَشْدَق وَعبد اللَّه بن أبي أنيسَة، قَالَ الْوَلِيد بن مُسلم: ثَنَا دَاوُد بن عبد الرَّحْمَن الْمَكِّيّ عَن عبد اللَّه بن مُحَمَّد بن عقيل عَن جَابر سَمِعت حَدِيثا فِي الْقصاص لم يبْق أحد يحفظه إلَاّ رجل بِمصْر يُقَال لَهُ، عبد اللَّه بن أبي أنيسَة.

الثَّالِث: قَوْله: (فِي حَدِيث وَاحِد) أَي لأجل حَدِيث وَاحِد، وَكلمَة: فِي، تَجِيء للتَّعْلِيل كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فذلكن الَّذِي لمتنني فِيهِ} (يُوسُف: ٣٢) وَقَوله:: {لمسكم فِيمَا افضتم} (النُّور: ١٤) وَفِي الحَدِيث: (أَن امْرَأَة دخلت النَّار فِي هرة حبستها) .

الرَّابِع: قَالَ ابْن بطال: أَرَادَ بقوله: (فِي حَدِيث وَاحِد) ، حَدِيث السّتْر على الْمُسلم، قيل: فِيهِ نظر، لِأَنَّهُ يُقَال: إِن أَبَا أَيُّوب خَالِد بن زيدٍ الْأنْصَارِيّ، رَحل إِلَى عقبَة بن عَامر، أخرجه الْحَاكِم: حَدثنَا عَليّ بن حَمَّاد، حَدثنَا بشر بن مُوسَى، حَدثنَا الْحميدِي، حَدثنَا سُفْيَان عَن ابْن جريج عَن أبي سعيد الْأَعْمَى عَن عَطاء بن أبي رَبَاح قَالَ: خرج أَبُو أَيُّوب إِلَى عقبَة بن عَامر يسْأَله عَن حَدِيث سَمعه من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لم يبْق أحد سَمعه من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَيره وَغير عقبَة، فَلَمَّا قدم أَبُو أَيُّوب منزل سَلمَة بن مخلد الْأنْصَارِيّ، أَمِير مصر، فاخبره، فَعجل عَلَيْهِ فَخرج إِلَيْهِ فعانقه، ثمَّ قَالَ: مَا جَاءَ بك يَا أَبَا أَيُّوب؟ قَالَ: حَدِيث سمعته من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يبْق أحد سَمعه من رَسُول الله، عَلَيْهِ السَّلَام، غَيْرِي وَغَيْرك فِي ستر الْمُؤمن. قَالَ عقبَة: نعم، سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُول: (من ستر مُؤمنا فِي الدُّنْيَا على عَورَة ستره الله يَوْم الْقِيَامَة) . فَقَالَ لَهُ أَبُو أَيُّوب: صدقت، ثمَّ انْصَرف أَبُو أَيُّوب إِلَى رَاحِلَته، فركبها رَاجعا إِلَى الْمَدِينَة. وَفِي (مُسْند عبد اللَّه بن وهب) ، صَاحب مَالك: أَنبأَنَا عبد الْجَبَّار بن عمر، حَدثنَا مُسلم بن أبي حرَّة عَن رجل من الْأَنْصَار عَن رجل من أهل قبا أَنه قدم مصر على مسلمة بن مخلد، فَقَالَ: أرسل معي إِلَى فلَان، رجل من الصَّحَابَة، قَالَ: حسبت أَنه قَالَ: سرق، قَالَ: فَذهب إِلَيْهِ فِي قريته، فَقَالَ: هَل تذكر مَجْلِسا كنت أَنا وَأَنت فِيهِ مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ أحد مَعنا؟ قَالَ: نعم. قَالَ: كَيفَ سمعته يَقُول؟ فَقَالَ: سمعته يَقُول: (من أطلع من أَخِيه على عَورَة ثمَّ سترهَا، جعلهَا الله لَهُ يَوْم الْقِيَامَة

<<  <  ج: ص:  >  >>