وركبتيه وداخلة إزَاره فِي الْقدح. قَالَ النَّوَوِيّ: وَلَا يوضع الْقدح فِي الأَرْض وَلَا يغسل مَا بَين الْمرْفقين وَالْكَفَّيْنِ، وَاخْتلفُوا فِي دَاخِلَة إزَاره، فَقيل: هُوَ الطّرف المتدلى الَّذِي يَلِي حقوه الْأَيْمن، وَقيل: دَاخِلَة الْإِزَار هِيَ المئزر، وَالْمرَاد بداخلته مَا يَلِي الْجَسَد مِنْهُ، وَقيل: المُرَاد مَوْضِعه من الْجَسَد، وَقيل: مذاكره، وَقيل: المُرَاد وركه إِذْ هُوَ معقد الْإِزَار، قَالَ عِيَاض: قَالَ بعض الْعلمَاء يَنْبَغِي إِذا عرف وَاحِد بالإصابة بِالْعينِ أَن يتَجَنَّب ويحترز مِنْهُ، وَيَنْبَغِي للْإِمَام مَنعه من مداخلته النَّاس وَيلْزمهُ بِلُزُوم بَيته، وَإِن كَانَ فَقِيرا رزقه مَا يَكْفِيهِ فضرره أَكثر من آكل الثوم والبصل الَّذِي مَنعه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من دُخُول الْمَسْجِد لِئَلَّا يُؤْذِي النَّاس، وَمن ضَرَر المجذوم الَّذِي مَنعه عمر، رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: لَو انْتَهَت إِصَابَة الْعين إِلَى أَن يعرف بذلك وَيعلم من حَاله أَنه كلما تكلم بِشَيْء مُعظما لَهُ أَو مُتَعَجِّبا مِنْهُ أُصِيب ذَلِك الشَّيْء، وتكرر ذَلِك بِحَيْثُ يصير ذَلِك عَادَة فَمَا أتْلفه بِعَيْنِه غرمه وَإِن قتل أحدا بِعَيْنِه عَامِدًا لقَتله قتل بِهِ كالساحر الْقَاتِل بسحره عِنْد من لَا يقْتله كفرا، وَأما عندنَا فَيقْتل على كل حَال، قتل بسحره أَو لَا لِأَنَّهُ كالزنديق.
٥٧٤٠ - حدّثنا إسحاقُ بنُ نَصْرٍ حدَّثنا عبْدُ الرَّزَّاقِ عنْ مَعْمَرٍ عنْ هَمَّامٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: العَيْنُ حَقٌّ وَنَهَى عنِ الوشْمِ. (انْظُر الحَدِيث: ٥٧٤٠ طرفه فِي: ٥٩٤٤) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَإِسْحَاق بن نصر هُوَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن نصر السَّعْدِيّ البُخَارِيّ كَانَ ينزل بِالْمَدِينَةِ بِبَاب بني سعد، وَعبد الرَّزَّاق بن همام، وَمعمر بِفَتْح الميمين ابْن رَاشد، وَهَمَّام بتَشْديد الْمِيم ابْن مُنَبّه الْأَنْبَارِي الصَّنْعَانِيّ أَخُو وهب بن مُنَبّه.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي اللبَاس عَن يحيى وَأخرجه مُسلم فِي الطِّبّ عَن مُحَمَّد بن رَافع. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن أَحْمد بن حَنْبَل، وَلم يذكر الوشم.
قَوْله:(الْعين حق) مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب. قَوْله:(وَنهى) أَي: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الوشم بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَهُوَ غرز بالإبرة فِي الْعُضْو ثمَّ التحشية بالكحل فيخضر وَقَالَ بَعضهم لم تظهر الْمُنَاسبَة بَين هَاتين الجملتين فكأنهما حديثان مستقلان، وَلِهَذَا حذف مُسلم وَأَبُو دَاوُد الْجُمْلَة الثَّانِيَة من روايتيهما مَعَ أَنَّهُمَا أَخْرجَاهُ من رِوَايَة عبد الرَّزَّاق الَّذِي أخرجه البُخَارِيّ، وَيحْتَمل أَن يُقَال: الْمُنَاسبَة بَينهمَا اشتراكهما فِي أَن كلاًّ مِنْهُمَا يحدث فِي الْعُضْو لوناً غير لَونه الْأَصْلِيّ. قلت: فِي كُله نظر أما قَوْله: فكأنهما حديثان مستقلان، زعم بِالظَّنِّ والتخمين أَن الظَّن لَا يُغني من الْحق شَيْئا، واستدلاله على هَذَا الظَّن بِعَدَمِ إِخْرَاج مُسلم وَأبي دَاوُد الْجُمْلَة الثَّانِيَة اسْتِدْلَال فَاسد، لِأَنَّهُ يلْزم مِنْهُ نِسْبَة رِوَايَة البُخَارِيّ إِلَى زِيَادَة لم يقلها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذَا الحَدِيث، وَنسبَة مُسلم وَأبي دَاوُد إِلَى نقص شَيْء مِنْهُ قَالَه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بل هَذَا حَدِيث مُسْتَقل كَمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ، والاقتصار فِي رِوَايَة مُسلم وَأبي دَاوُد من الروَاة. وَأما قَوْله:(وَيحْتَمل أَن يُقَال) إِلَى آخِره، احْتِمَال بعيد لِأَن دَعْوَاهُ الْمُنَاسبَة بَين الجملتين بالاشتراك غير مطردَة لِأَن إِحْدَاث الْعين اللَّوْن غير اللَّوْن الْأَصْلِيّ غير مَقْصُور على عُضْو، بل إحداثها يعم الْبدن كُله، وَالْوَجْه فِي الْمُنَاسبَة بَين الجملتين أَن يُقَال: الظَّاهِر أَن قوما سَأَلُوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْعين، وقوماً آخَرين سَأَلُوهُ عَن الوشم، فِي مجْلِس وَاحِد، فَأجَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمن سَأَلَهُ عَن الْعين بقوله: الْعين حق، وَنهى عَن الوشم تَنْبِيها لمن سَأَلَهُ عَنهُ بِأَنَّهُ: لَا يجوز، فَحصل الجوابان فِي مجْلِس وَاحِد، وَرَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة بالجملتين، وَيحْتَمل أَن يكون أَبُو هُرَيْرَة سمع من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: الْعين حق، وَحضر فِي مجْلِس آخر سَأَلُوهُ عَن الوشم فَنهى عَنهُ، ثمَّ إِن أَبَا هُرَيْرَة رَوَاهُ عِنْد رِوَايَته بِالْجمعِ بَينهمَا لكَونه سُئِلَ: هَل لَهُ علم من الْعين والوشم؟ فَقَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْعين حق وَنهى عَن الوشم.