للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِمعَاذ بن جبل: (عفر وَجهك بِالتُّرَابِ) فَإِن قلت: مَا تَقول فِي حَدِيث يزِيد بن الْمِقْدَام عِنْد ابْن أبي شيبَة: عَن الْمِقْدَام عَن أَبِيه شُرَيْح أَنه سَأَلَ عَائِشَة: أَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي على الْحَصِير؟ فَإِنِّي سَمِعت فِي كتاب الله عز وَجل {وَجَعَلنَا جَهَنَّم للْكَافِرِينَ حَصِيرا} (الْإِسْرَاء: ٨) . فَقَالَت: لَا لم يكن يُصَلِّي عَلَيْهِ. قلت: هَذَا لَيْسَ بِصَحِيح لضعف يزِيد، وَيَردهُ الرِّوَايَة الصَّحِيحَة. الرَّابِع: فِيهِ جَوَاز التَّطَوُّع بِالْجَمَاعَة. الْخَامِس: فِيهِ اسْتِحْبَاب صَلَاة الضُّحَى، لِأَن أنسا أخبر أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلاهَا، وَلَكِن مَا رَآهَا إلَاّ يَوْمئِذٍ، يَعْنِي: يَوْم كَانَ فِي منزل رجل من الْأَنْصَار. وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث أم هانىء بنت أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: (ان رَسُول الله صلى يَوْم الْفَتْح سبْحَة الضُّحَى ثَمَان رَكْعَات يسلم فِي كل رَكْعَتَيْنِ) وَرُوِيَ ايضا عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا (أَن عبد الله بن شَقِيق سَأَلَهَا: هَل كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَت: لَا إلَاّ أَن يَجِيء من مغيبه) الحَدِيث. وَأخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ مطولا ومختصرا، وَالْجمع بَين حَدِيث عَائِشَة فِي نفي صلَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الضُّحَى وإثباتها هُوَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصليهَا فِي بعض الْأَوْقَات لفضلها، وَيَتْرُكهَا فِي بَعْضهَا خشيَة أَن تفرض. وَتَأْويل قَوْلهَا: لَا إلَاّ أَن يَجِيء من مغيبه، مَا رَأَيْته، كَمَا قَالَت فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: (مَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي سبْحَة الضُّحَى) . وَسَببه أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَا كَانَ يكون عِنْد عَائِشَة فِي وَقت الضُّحَى إلاّ فِي نَادِر من الْأَوْقَات، وَقد يكون فِي ذَلِك مُسَافِرًا، وَقد يكون حَاضرا وَلكنه فِي الْمَسْجِد أَو فِي مَوضِع آخر، وَإِذا كَانَ عِنْد نِسَائِهِ فَإِنَّمَا كَانَ لَهَا يَوْم من تِسْعَة فَيصح قَوْلهَا: مَا رَأَيْته يُصليهَا، كَمَا فِي رِوَايَة مُسلم، وَكَذَا يَصح قَوْلهَا: لَا، كَمَا فِي رِوَايَة أبي دَاوُد، أَو يكون معنى قَوْلهَا: لَا مَا رَأَيْته يُصليهَا ويداوم عَلَيْهَا، فَيكون نفيا للمداومة لَا لأصلها. فَافْهَم. فَإِن قلت: قد صَحَّ عَن ابْن عمر أَنه قَالَ فِي الضُّحَى: هِيَ بِدعَة قلت: هُوَ مَحْمُول على أَن صلَاتهَا فِي الْمَسْجِد والتظاهر بهَا، كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ بِدعَة، لَا أَن أَصْلهَا فِي الْبيُوت وَنَحْوهَا مَذْمُوم، أَو يُقَال: قَوْله: بِدعَة أَي: الْمُوَاظبَة عَلَيْهَا، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يواظب عَلَيْهَا خشيَة أَن تفرض. وَقد يُقَال: إِن ابْن عمر لم يبلغهُ فعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الضُّحَى وَأمره بهَا، وَكَيف مَا كَانَ، فجمهور الْعلمَاء على اسْتِحْبَاب الضُّحَى، وَإِنَّمَا نقل التَّوَقُّف فِيهَا عَن ابْن مَسْعُود وَابْن عمر. وَقَالَ ابْن أبي شيبَة: حَدثنَا وَكِيع حَدثنَا شُعْبَة عَن تَوْبَة الْعَنْبَري عَن مُورق الْعجلِيّ، قَالَ: قلت لِابْنِ عمر: أَتُصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَ: لَا. قلت: صلاهَا عمر؟ قَالَ: لَا. قلت: صلاهَا أَبُو بكر؟ قَالَ: لَا. قلت: صلاهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: لَا أخال. حَدثنَا وَكِيع حَدثنَا شُعْبَة عَن عَمْرو بن مرّة عَن أبي عُبَيْدَة، قَالَ: لم يُخْبِرنِي أحد من النَّاس أَنه رأى ابْن مَسْعُود يُصَلِّي الضُّحَى. السَّادِس: فِيهِ جَوَاز ترك الْجَمَاعَة لأجل السّمن، وَزعم ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) : أَنه تتبع الْأَعْذَار الْمَانِعَة من إتْيَان الْجَمَاعَة من السّنَن، فَوَجَدَهَا عشرا: الْمَرَض الْمَانِع من الْإِتْيَان إِلَيْهَا، وَحُضُور الطَّعَام عِنْد الْمغرب، وَالنِّسْيَان الْعَارِض فِي بعض الْأَحْوَال، وَالسمن المفرط، وَوُجُود الْمَرْء حَاجته فِي نَفسه، وَخَوف الْإِنْسَان على نَفسه وَمَاله فِي طَرِيقه إِلَى الْمَسْجِد، وَالْبرد الشَّديد، والمطر المؤذي، وَوُجُود الظلمَة الَّتِي يخَاف الْمَرْء على نَفسه الْمَشْي فِيهَا، وَأكل الثوم والبصل والكراث.

٤٢ - (بابٌ إذَا حَضَرَ الطَّعَامُ وأُقِيمتِ الصَّلَاةُ)

أَي: هَذَا بَاب ترْجم فِيهِ إِذا حضر الطَّعَام وأقيمت الصَّلَاة، وَجَوَاب: إِذا، مَحْذُوف، تَقْدِيره: يقدم الطَّعَام على الصَّلَاة، وَإِنَّمَا لم يذكر الْجَواب تَنْبِيها على أَن الحكم بِالنَّفْيِ أَو بالإثبات غير مجزوم بِهِ لقُوَّة الْخلاف فِيهِ.

وكانَ ابنُ عُمَرَ يَبْدَأُ بِالعِشَاءِ

هَذَا الْأَثر يبين أَن جَوَاب: إِذا، فِي التَّرْجَمَة الْإِثْبَات، وَفِيه الْمُطَابقَة بَينه وَبَين التَّرْجَمَة، وَهَذَا الْأَثر مَذْكُور فِي الْبَاب بِمَعْنَاهُ مُسْندًا قَرِيبا حَيْثُ قَالَ: (وَكَانَ ابْن عمر يوضع لَهُ الطَّعَام وتقام الصَّلَاة فَلَا يَأْتِيهَا حَتَّى يفرغ وَإنَّهُ ليسمع قِرَاءَة الإِمَام) . وَفِي (سنَن ابْن مَاجَه) من طَرِيق صَحِيح: وتعشى ابْن عمر لَيْلَة وَهُوَ ليسمع الْإِقَامَة، و: الْعشَاء، بِفَتْح الْعين وبالمد: الطَّعَام بِعَيْنِه، وَهُوَ خلاف الْغَدَاء.

وَقَالَ أبُو الدَّرْدَاءِ مِنْ فِقْهِ المَرْءِ إقْبَالُهُ عَلَى حاجَتِهِ حَتَّى يُقْبِلَ عَلَى صَلَاتِهِ وقَلْبُهُ فارِغٌ

هَذَا الْأَثر مثل ذَلِك فِي بَيَان جَوَاب: إِذا، فِي التَّرْجَمَة. وَفِيه الْمُطَابقَة للتَّرْجَمَة، لِأَن معنى قَوْله: (إقباله على حَاجته) أَعم من إقباله إِلَى الطَّعَام إِذا حضر، وَمن قَضَاء حَاجَة نَفسه إِذا دَعَتْهُ إِلَيْهِ. قَوْله: (وَقَلبه فارغ) أَي: من الشواغل الدنياوية ليقف بَين يَدي الرب،

<<  <  ج: ص:  >  >>