سَمِعْتُ عُمَيْرا مَوْلَى أُمِّ الفَضْلِ عنْ أُمِّ الفَضْلِ شَكَّ النَّاسُ يَومَ عَرَفةَ فِي صَوْمِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبَعَثْتُ إلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِشَرَابٍ فَشَرِبَهُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ بَيَان ترك النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الصَّوْم فِي يَوْم عَرَفَة.
ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: عَليّ بن الْمَدِينِيّ. الثَّانِي: سُفْيَان بن عُيَيْنَة. الثَّالِث: مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ. الرَّابِع: سَالم بن أبي أُميَّة أَبُو النَّضر، بالضاد الْمُعْجَمَة: مولى عمر بن عبيد الله بن معمر. الْخَامِس: عُمَيْر، مصغر عَمْرو، مولى ابْن عَبَّاس. السَّادِس: أم الْفضل أم عبد الله ابْن عَبَّاس، وَاسْمهَا: لبَابَة، بِضَم اللَّام وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْحَج عَن القعْنبِي، وَفِي الصَّوْم عَن عبد الله بن يُوسُف وَعَن مُسَدّد، وَفِي الْأَشْرِبَة عَن الْحميدِي، وَعَن مَالك بن إِسْمَاعِيل وَعَن عَمْرو بن الْقَاسِم. وَأخرجه مُسلم فِي الصَّوْم عَن يحيى بن يحيى عَن مَالك بِهِ، وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَابْن أبي عَمْرو عَن زُهَيْر بن حَرْب وَعَن هَارُون بن سعيد الْأَيْلِي. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الصَّوْم عَن القعْنبِي بِهِ.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لم يصم يَوْم عَرَفَة؟ فَإِن قلت: فِي (صَحِيح مُسلم) أَن صَوْمه يكفر سنتَيْن؟ قلت: هَذَا فِي غير الحجيج، أما فِي الحجيج فَيَنْبَغِي لَهُم أَن لَا يَصُومُوا لِئَلَّا يضعفوا عَن الدُّعَاء، وأعمال الْحَج اقْتِدَاء بالشارع، وَأطلق كثير من الشَّافِعِيَّة كَرَاهَته، وَإِن كَانَ الشَّخْص بِحَيْثُ لَا يضعف بِسَبَب الصَّوْم فَقَط، فَقَالَ الْمُتَوَلِي: الأولى أَن يَصُوم حِيَازَة للفضيلة. قَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : وَنسب غَيره هَذَا إِلَى الْمَذْهَب، وَقَالَ: الأولى عندنَا لَا يَصُوم بِحَال. وَقَالَ الرَّوْيَانِيّ فِي (الْحِلْية) : إِن كَانَ قَوِيا، وَفِي الشتَاء، وَلَا يضعف بالضعف عَن الدُّعَاء، فالصوم أفضل. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي (الْمعرفَة) : قَالَ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم: لَو علم الرجل أَن الصَّوْم بِعَرَفَة لَا يُضعفهُ فصامه كَانَ حسنا، وَاخْتَارَ الْخطابِيّ هَذَا. قَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : وَالْمذهب عندنَا اسْتِحْبَاب الْفطر مُطلقًا، وَبِه قَالَ جُمْهُور أَصْحَابنَا، وصرحوا بِأَنَّهُ لَا فرق. وَلم يذكر الْجُمْهُور الْكَرَاهَة، بل قَالُوا: يسْتَحبّ فطره، كَمَا قَالَه الشَّافِعِي، وَنقل الْمَاوَرْدِيّ وَغَيره اسْتِحْبَاب الْفطر عَن أَكثر الْعلمَاء، وَحكى ابْن الْمُنْذر عَن جمَاعَة مِنْهُم: اسْتِحْبَاب صَوْمه، وَحكى صَاحب الْبَيَان عَن يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ أَنه يجب عَلَيْهِ الْفطر بِعَرَفَة. وَقَالَ ابْن بطال: اخْتلف الْعلمَاء فِي صَوْمه، فَقَالَ ابْن عمر: لم يصمه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا عمر وَلَا عُثْمَان وَأَنا لَا أصومه. وَقَالَ ابْن عَبَّاس: يَوْم عَرَفَة لَا يصحبنا أحد يُرِيد الصّيام فَإِنَّهُ يَوْم تَكْبِير. وَأكل وَشرب، وَاخْتَارَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَالثَّوْري: الْفطر، وَقَالَ عَطاء: من أفطر يَوْم عَرَفَة ليتقوى بِهِ على الذّكر كَانَ لَهُ مثل أجر الصَّائِم، وَكَانَ ابْن الزبير وَعَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، يصومان يَوْم عَرَفَة، وروى أَيْضا عَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَانَ إِسْحَاق يمِيل إِلَيْهِ، وَكَانَ الْحسن يُعجبهُ صَوْمه وَيَأْمُر بِهِ الْحَاج، وَقَالَ: رَأَيْت عُثْمَان بِعَرَفَة فِي يَوْم شَدِيد الْحر صَائِما وهم يروحون عَنهُ، وَكَانَ أُسَامَة بن زيد وَعُرْوَة بن الزبير وَالقَاسِم وَمُحَمّد وَسَعِيد بن جُبَير يَصُومُونَ بِعَرَفَات. وَقَالَ قَتَادَة: لَا بَأْس بذلك إِذا لم يضعف عَن الدُّعَاء، وَبِه قَالَ الدَّاودِيّ. وَقَالَ الشَّافِعِي: أحب صِيَامه لغير الْحَاج، أما من حج فَأحب أَن يفْطر ليقويه على الدُّعَاء، وَقَالَ عَطاء: أصومه فِي الشتَاء وَلَا أصومه فِي الصَّيف. وَفِيه: أَن الْأكل وَالشرب فِي المحافل مُبَاح ليبين معنى: أودعت الصُّورَة فِيهِ. وَفِيه: جَوَاز قبُول الْهَدِيَّة من النِّسَاء، وَلم يسْأَلهَا أَن كَانَ من مَالهَا، أَو من مَال زَوجهَا إِن كَانَ مثل هَذَا الْقدر لَا يشاحح النَّاس فِيهِ.