الاجتراح يُطلق على الِاكْتِسَاب. قَوْله: (تعلمونهن) ، أَي: الْجَوَارِح، وتعليمهن أَنه إِذا أرسل استرسل وَإِذا أشلاه استشلى وَإِذا أَخذ الصَّيْد أمْسكهُ على صَاحبه حَتَّى يَجِيء إِلَيْهِ وَلَا يمسِكهُ لنَفسِهِ، وَلِهَذَا قَالَ: {فَكُلُوا مِمَّا أمسكن عَلَيْكُم واذْكُرُوا اسْم الله عَلَيْهِ وَاتَّقوا الله} (الْمَائِدَة: ٤) فِي مُخَالفَة أمره. {وَإِن الله سريع الْحساب} .
{وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: إنْ أكَلَ الكَلْبُ فَقَدْ أفْسَدَهُ إنَّما أمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ وَالله يَقُولُ: {تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ الله} فَتُضْرَبُ وَتُعْلَّمُ حَتَّى تَتْرُك} .
هَذَا التَّعْلِيق وَصله سعيد بن مَنْصُور مُخْتَصرا من طَرِيق عَمْرو بن دِينَار عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: إِذا أكل الْكَلْب فَلَا تَأْكُل فَإِنَّمَا أمسك على نَفسه. قَوْله: (أفْسدهُ) ، أَي: أخرجه عَن صلاحيته للْأَكْل. وَقَوله: (إِنَّمَا أمسك) إِلَى آخِره تَعْلِيل لما قَالَ. قَوْله: (فَتضْرب) ، على صِيغَة الْمَجْهُول. وَكَذَلِكَ (تعلم) قَوْله: (حَتَّى تتركه) ، أَي: الْأكل.
{وَكَرِهَهُ ابنُ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنْهُما}
أَي: كره أكل الصَّيْد الَّذِي أكل مِنْهُ الْكَلْب عبد الله بن عمر بن الْخطاب، وَوَصله وَكِيع بن الْجراح حَدثنَا سُفْيَان ابْن سعيد عَن لَيْث عَن مُجَاهِد عَنهُ.
{وَقَالَ عَطَاءٌ: إنْ شَرِبَ الدَّمَ وَلَمْ يَأْكُلْ فَكُلْ}
أَي: قَالَ عَطاء بن أبي رَبَاح: إِن شرب الْكَلْب دم الصَّيْد وَلم يَأْكُل من لَحْمه فَكل، يَعْنِي: كل هَذَا الصَّيْد. وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) عَن حَفْص بن غياث عَن ابْن جريج عَنهُ، وَذكر عَن عدي بن أبي حَاتِم: إِن شرب من دَمه فَلَا تَأْكُل فَإِنَّهُ لم يتَعَلَّم مَا عَلمته وَعَن الْحسن: إِن أكل فَكل فَإِن شرب فَكل، وَزعم ابْن حزم أَن الْجَارِح إِذا شرب من دم الصَّيْد لم يضر ذَلِك شَيْئا لِأَن سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حرم علينا أكل مَا قَتِيل: إِذا أكل وَلم يحرم إِذا ولغَ قَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَهُوَ قَول سعد بن أبي وَقاص وَابْن عمر وسلمان، رَضِي الله عَنْهُم، قَالُوا: إِذا أكل الْجَارِح يُؤْكَل مَا أكل، وَهُوَ قَول مَالك. وَقَالَ ابْن بطال، وَهُوَ قَول عَليّ بن أبي طَالب وَسَعِيد بن الْمسيب وَسليمَان بن يسَار وَالْحسن بن أبي الْحسن وَمُحَمّد بن شهَاب وَرَبِيعَة وَاللَّيْث، وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد بن إِدْرِيس وَأحمد بن حَنْبَل وَإِسْحَاق: إِن أكل لَا يُؤْكَل وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَهُوَ قَول الْجُمْهُور من السّلف وَغَيرهم مِنْهُم ابْن عَبَّاس وَأَبُو هُرَيْرَة وَابْن شهَاب فِي رِوَايَة، وَالشعْبِيّ وَسَعِيد بن جُبَير وَالنَّخَعِيّ وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وَعِكْرِمَة وَقَتَادَة.
٥٤٨٣ - حدَّثنا قُتَيْبَةَ بنُ سَعِيدٍ حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ عَنْ بَيَانٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بنِ حَاتِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قُلْتُ: إنَّا قَوْمٌ نَصِيدُ بِهاذِهِ الكِلابِ؟ فَقَالَ: إذَا أرْسَلْتَ كِلابِكَ المُعَلَّمَةَ وَذَكَرْتَ اسْمَ الله فعل مِمَّا أمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ، وَإنْ قَتَلْنَ، إلَاّ أنْ يَأْكُلَ الكَلْبُ فَإنِّي أخافُ أنْ يَكُونَ إنَّمَا أمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَإنْ خَالَطَها كِلابٌ مِنْ غَيْرِها فَلا تَأْكُلْ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَبَيَان، بِفَتْح الْيَاء الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف الْبَاء آخر الْحُرُوف، ابْن بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة الأحمسي بالمهملتين، وَالشعْبِيّ هُوَ عَامر بن شرَاحِيل.
والْحَدِيث قد مر بِوُجُوه مُخْتَلفَة وطرق عديدة.
قَوْله: (إِذا أرْسلت) ، فِيهِ إِشْعَار بِأَنَّهُ إِذا استرسل بِنَفسِهِ فَلَا يُؤْكَل صَيْده، وَهُوَ قَول الْجُمْهُور إلَاّ مَا حُكيَ عَن الْأَصَم من إِبَاحَته، وَإِذا غصب كَلْبا واصطاد هَل يكون للْمَالِك أَو للْغَاصِب؟ فَقيل: للْمَالِك. لِأَن الصَّيْد بكلبه، وَقيل: للْغَاصِب لِأَن الْكَلْب يتَمَلَّك.
٨ - (بَابُ: {الصَّيْدِ إذَا غَابَ عَنْهُ يَوْمَيْنِ أوْ ثَلاثَةَ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الصَّيْد إِذا غَابَ عَنهُ أَي: عَن الصَّائِد يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة أَيَّام.
٥٤٨٤ - حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنا ثَابِتُ بنُ يَزِيد حدَّثنا عَاصمٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بنِ حَاتِمٍ، رَضِيَ الله عَنْهُ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: إذَا أرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَسَمَيْتَ فَأمْسَكَ