وَغَيره.
والآذان فِي اللُّغَة: الْإِعْلَام. قَالَ الله تَعَالَى: {وأذان من الله وَرَسُوله} (التَّوْبَة: ٣) . من: أذن يُؤذن تأذينا وأذانا، مثل: كلم يكلم تكليما وكلاما، فالأذان وَالْكَلَام: اسْم الْمصدر القياسي. وَقَالَ الْهَرَوِيّ: وَالْأَذَان والأذين والتأذين بِمَعْنى. وَقيل: الأذين: الْمُؤَذّن، فعيل بِمَعْنى مفعل. وَأَصله من الْأذن كَأَنَّهُ يلقِي فِي آذان النَّاس بِصَوْتِهِ مَا يَدعُوهُم إِلَى الصَّلَاة. وَفِي الشَّرِيعَة: الْأَذَان إِعْلَام مَخْصُوص بِأَلْفَاظ مَخْصُوصَة فِي أَوْقَات مَخْصُوصَة، وَيُقَال: الْإِعْلَام بِوَقْت الصَّلَاة الَّتِي عينهَا الشَّارِع بِأَلْفَاظ مثناة. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ وَغَيره: الْأَذَان على قلَّة أَلْفَاظه مُشْتَمل على مسَائِل العقيدة، لِأَنَّهُ بَدَأَ بالأكبرية، وَهِي تَتَضَمَّن وجود الله تَعَالَى وكماله، ثمَّ ثنى بِالتَّوْحِيدِ وَنفي الشَّرِيك، ثمَّ بِإِثْبَات الرسَالَة، ثمَّ دَعَا إِلَى الطَّاعَة الْمَخْصُوصَة عقيب الشَّهَادَة بالرسالة لِأَنَّهَا لَا تعرف إلَاّ من جِهَة الرَّسُول، ثمَّ دَعَا إِلَى الْفَلاح وَهُوَ الْبَقَاء الدَّائِم، وَفِيه الْإِشَارَة إِلَى الْمعَاد، ثمَّ أعَاد مَا أعَاد توكيدا. وَيحصل من الْأَذَان الْإِعْلَام بِدُخُول الْوَقْت، وَالدُّعَاء إِلَى الْجَمَاعَة، وَإِظْهَار شَعَائِر الْإِسْلَام، وَالْحكمَة فِي اخْتِيَار القَوْل لَهُ دون الْفِعْل وسهولة القَوْل وتيسره لكل أحد فِي كل زمَان وَمَكَان، وَالله أعلم.
١ - (بابُ بِدْءَ الأَذَانِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان ابْتِدَاء الْأَذَان، وَلَيْسَ فِي رِوَايَة أبي ذَر لفظ: بَاب.
وقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وإذَا نادَيْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ اتخذُوهَا هُزُوا ولَعِبا ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ} (الْمَائِدَة: ٥٨) . وقَولُهُ: {إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ} (الْجُمُعَة: ٩)
وَقَول الله مجرور لِأَنَّهُ عطف على لفظ: بَدْء، وَقَوله الثَّانِي عطف عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا ذكر هَاتين الْآيَتَيْنِ إِمَّا للتبرك أَو لإِرَادَة مَا بوب لَهُ: وَهُوَ بَدْء الْأَذَان. وَإِن ذَلِك كَانَ بِالْمَدِينَةِ، والآيتان المذكورتان مدنيتان. وَعَن ابْن عَبَّاس: إِن فرض الْأَذَان نزل مَعَ الصَّلَاة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة} (الْجُمُعَة: ٩) . رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ، أما الْآيَة الأولي فَفِي سُورَة الْمَائِدَة، وإيراد البُخَارِيّ هَذِه الْآيَة هَهُنَا إِشَارَة إِلَى بَدْء الْأَذَان بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَة، كَمَا ذكرنَا. وَعَن هَذَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي (تَفْسِيره) : قيل: فِيهِ دَلِيل على ثُبُوت الْأَذَان بِنَصّ الْكتاب لَا بالمنام وَحده. قَوْله: {وَإِذا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاة} (الْمَائِدَة: ٥٨) . يَعْنِي: إِذا أذن الْمُؤَذّن للصَّلَاة، وَإِنَّمَا أضَاف النداء إِلَى جَمِيع الْمُسلمين لِأَن الْمُؤَذّن يُؤذن لَهُم ويناديهم، فأضاف إِلَيْهِم، فَقَالَ: {وَإِذا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاة اتَّخَذُوهَا هزوا وَلَعِبًا} (الْمَائِدَة: ٥٨) . يَعْنِي: الْكفَّار إِذا سمعُوا الْأَذَان استهزؤا بهم، وَإِذا رَأَوْهُمْ رُكُوعًا سجودا ضحكوا عَلَيْهِم واستهزأو بذلك. قَوْله: {ذَلِك} (الْمَائِدَة: ٥٨) . يَعْنِي: الِاسْتِهْزَاء {بِأَنَّهُم قوم لَا يعْقلُونَ} (الْمَائِدَة: ٥٨) . يَعْنِي: لَا يعلمُونَ ثوابهم. وَقَالَ أَسْبَاط عَن السّديّ، قَالَ: (كَانَ رجل من النَّصَارَى بِالْمَدِينَةِ إِذا سمع الْمُنَادِي يُنَادي: أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، قَالَ: حرق الْكَاذِب، فَدخلت خادمته لَيْلَة من اللَّيَالِي بِنَار وَهُوَ نَائِم وَأَهله نيام، فَسَقَطت شرارة فأحرقت الْبَيْت فَاحْتَرَقَ هُوَ وَأَهله) . رَوَاهُ ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم. وَأما الْآيَة الثَّانِيَة فَفِي سُورَة الْجُمُعَة، فَقَوله: {إِذا نُودي للصَّلَاة} (الْجُمُعَة: ٩) . أَرَادَ بِهَذَا النداء الْأَذَان عِنْد قعُود الإِمَام على الْمِنْبَر للخطبة، ذكره النَّسَفِيّ فِي (تَفْسِيره) وَاخْتلفُوا فِي هَذَا، فَمنهمْ من قَالَ: إِن الْأَذَان كَانَ وَحيا لَا مناما. وَقيل: إِنَّه أَخذ من أَذَان إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فِي الْحَج. {وَأذن فِي النَّاس بِالْحَجِّ يأتوك رجَالًا وعَلى كل ضامر} (الْحَج: ٢٧) ، قَالَ: فَأذن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقيل: نزل بِهِ جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالْأَكْثَرُونَ على أَنه كَانَ برؤيا عبد الله بن زيد وَغَيره، على مَا يَجِيء إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَاعْلَم أَن النداء عدى فِي الْآيَة الأولى بِكَلِمَة: إِلَى، وَفِي الثَّانِيَة: بِاللَّامِ، لِأَن صَلَاة الْأَفْعَال تخْتَلف بِحَسب مَقَاصِد الْكَلَام، وَالْمَقْصُود فِي الأولى: معنى الِانْتِهَاء، وَفِي الثَّانِيَة: معنى الِاخْتِصَاص. وَيحْتَمل أَن يكون: إِلَى، بِمَعْنى: اللَّام، وَبِالْعَكْسِ، لِأَن الْحُرُوف يَنُوب بَعْضهَا عَن بعض.
٦٠٣ - حدَّثنا عِمْرَانُ بنُ مَيْسَرَةَ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الوَارِثِ قَالَ حدَّثنا خالِدٌ الحَذَاء عنْ أبي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute