بَكَى وبكاؤه إِشَارَة مِنْهُ إِلَى معنى الْوَعْظ لِأَنَّهُ تمثل لنَفسِهِ أهوال يَوْم الْقِيَامَة وَشدَّة الْحَال الداعية لَهُ إِلَى شَهَادَته لأمته بتصديقه وَالْإِيمَان بِهِ وسؤاله الشَّفَاعَة لَهُم ليربحهم من طول الْموقف وأهواله، وَهَذَا أَمر يحِق لَهُ طول الْبكاء والحزن.
٤٣ - (بَاب فِي كَمْ يُقْرَأُ القُرْآنُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كم من مُدَّة من الْوَقْت يقْرَأ القارىء الْقُرْآن فِيهَا وَلم يبين فِيهِ الْمدَّة لِأَنَّهُ لم يرد فِيهِ شَيْء من الْحَد الْعين، وَلكنه يُرِيد بذلك الرَّد على من قَالَ: أقل مَا يجزىء من الْقِرَاءَة فِي كل يَوْم وَلَيْلَة جُزْء من أَرْبَعِينَ جُزْءا من الْقُرْآن، حُكيَ ذَلِك عَن إِسْحَاق بن رَاهْوَيْةِ والحنابلة.
وقَوْلُ الله تَعَالَى { (٧٣) فاقرءوا مَا تيَسّر مِنْهُ} (المزمل: ٠٢)
أورد هَذَا فِي معرض الِاسْتِدْلَال على عدم التَّحْدِيد فِي كمية الْقِرَاءَة لِأَنَّهُ عَام يَشْمَل الْجُزْء من الْقُرْآن وَأَقل مِنْهُ وَأكْثر مِنْهُ على حسب التَّيْسِير، فَلَا يَقْتَضِي جُزْءا معينا، وَلَا محدودا، وَلَا وقتا محدودا وَلَا معينا، وَمَا ورد فِيهِ من الْأَحَادِيث وَالْأَخْبَار لَا يدل على تنصيص الكمية فِي الْقدر وَالْوَقْت، فَافْهَم.
١٥٠٥ - حدَّثنا عَلِيٌّ حدّثنا سُفْيانُ قَالَ لِي ابنُ شُبرُمةَ: نَظَرْتُ كَمْ يَكْفِي الرَّجُلَ مِنَ القُرْآنِ فَلَمْ أجِدْ سُورَةً أقَلَّ مِنْ ثَلَاثِ آياتٍ، فَقُلْتُ: لَا يَنْبَغَي لِأحَدٍ أَن يَقْرَأ أقَلَّ مِنْ ثَلَاثِ آياتٍ..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه إِشَارَة إِلَى الكمية بِثَلَاث آيَات، وَلكنه لَيْسَ بتحديد بِحَسب الْوُجُوب لَا بِحَسب السّنة.
وَعلي هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة وَابْن شبْرمَة، بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَضم الرَّاء وَفتح الْمِيم: هُوَ عبد الله بن شبْرمَة بن الطُّفَيْل الضَّبِّيّ أَبُو شبْرمَة الْكُوفِي القَاضِي فَفِيهِ أهل الْكُوفَة، عداده فِي التَّابِعين، رُوِيَ عَن أبي حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَانَ عفيفا صَارِمًا عَاقِلا فَقِيها يشبه النساك ثِقَة فِي الحَدِيث، شَاعِرًا حسن الْخلق جوادا وَكَانَ قَاضِيا لأبي جَعْفَر على سَواد الْكُوفَة وضياعها، مَاتَ سنة أَربع وَأَرْبَعين وَمِائَة اسْتشْهد بِهِ البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح وَرُوِيَ لَهُ فِي الْأَدَب وَرُوِيَ لَهُ الْبَاقُونَ سوى التِّرْمِذِيّ.
قَوْله: (كم يَكْفِي الرجل من الْقُرْآن) قَالَ بَعضهم: أَي فِي الصَّلَاة. قلت: لَيْسَ كَذَلِك، بل مُرَاده: كم يَكْفِيهِ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة من قِرَاءَة الْقُرْآن مُطلقًا.
قَالَ عَلِي: حَدثنَا سُفْيانُ أخبرنَا مَنْصُورٌ عنْ إبْرَاهِيمَ عنْ عبْدِ الرَّحْمانِ بنِ يَزيدَ أخْبَرَهُ علْقمَةُ عنْ أبي مَسْعُودٍ: ولَقِيتُهُ وهْوُ يَطُوفُ بالْبيْتِ فَذَكَرَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّ مَنْ قَرَأ بالآيَتَينِ مِنْ إخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتاهُ
أَي: قَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ، وَهَذَا مَوْصُول من تَتِمَّة الْخَبَر الْمَذْكُور. قَوْله: (حَدثنَا) أَي: سُفْيَان أخبرنَا مَنْصُور بن المعمر عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد عَن عَلْقَمَة بن قيس عَن أبي مَسْعُود عقبَة بن عَامر البدري، ومطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (من قَرَأَ الْآيَتَيْنِ) من حَيْثُ إِنَّه يدل على الإكتفاء بالآيتين، بِخِلَاف مَا قَالَ ابْن شبْرمَة: بِثَلَاث. وَعبد الرَّحْمَن بن يزِيد رُوِيَ هُنَا عَن عَلْقَمَة عَن أبي مَسْعُود وَرُوِيَ فِي: بَاب فضل سُورَة الْبَقَرَة، وَفِي: بَاب من لم ير بَأْسا أَن يَقُول: سُورَة الْبَقَرَة، عَن أبي مَسْعُود، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَارَة يروي بِوَاسِطَة وَتارَة بِلَا بِوَاسِطَة، وَكِلَاهُمَا صَحِيح، وَالْكَلَام فِي الحَدِيث مر فِي فضل سُورَة الْبَقَرَة.
٢٥٠٥ - حدَّثنا مُوسَى حدَّثنا أبُو عَوَانَةَ عنْ مُغيرَةَ عنْ مُجاهدٍ عنْ عبْدِ الله بن عَمْرٍ وَقَالَ: أنْكَحَنِي أبي امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ فَكانَ يَتَعَاهَدُ كَنّتَهُ فَيَسألُها عنْ بَعْلِها، فَتَقُولُ: نِعْمَ الرَّجُلُ مِنْ رَجُلٍ، لَمْ يَطَأْ لَنا فِرَاشا ولَمْ يُفَدِّشْ لَنا كَنَفَا مُذْ أتَيْناهُ، فلَمَّا طَال ذالِكَ عليْهِ ذَكَرَ للنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ