٨٧ - (بابُ صَدَقَةِ الفِطْرِ عَلَى الصَّغِيرِ والكَبِيرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وجوب صَدَقَة الْفطر على الصَّغِير وَالْكَبِير، قيل: هَذِه التَّرْجَمَة تكْرَار. قلت: فِيهِ التَّنْبِيه على أَن الصَّغِير وَالْكَبِير سَوَاء فِي صَدَقَة الْفطر، غير أَن الْجِهَة مُخْتَلفَة على مَا لَا يخفى.
٢١٥١ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا يَحْيى عنْ عُبَيْدِ الله قَالَ حدَّثني نافِعٌ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَ فرَضَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صدَقَةَ الفِطْرِ صَاعا مِن شَعيرٍ أوْ صَاعا مِن تَمْرٍ عَلى الصَّغِيرِ والكَبيرِ والحُرِّ والمَمْلُوكِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (على الصَّغِير وَالْكَبِير) ، وَيحيى هُوَ الْقطَّان، وَعبيد الله، بِضَم الْعين بتصغير العَبْد: ابْن عمر الْعمريّ. وَأخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا عَن مُسَدّد نَحوه، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: وَرَوَاهُ سعيد الجُمَحِي عَن عبيد الله عَن نَافِع قَالَ فِيهِ: (من الْمُسلمين) ، وَالْمَشْهُور عَن عبد الله لَيْسَ فِيهِ: (من الْمُسلمين) . وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل: (وَالذكر وَالْأُنْثَى) . وَبَقِيَّة الْكَلَام فِيهِ قد مرت غير مرّة. وَالله أعلم، وَالْحَمْد لله وَحده.
بِسم الله الرحمان الرَّحِيم
٥٢ - (كِتَابُ الحَجِّ)
هَذَا كتاب فِي بَيَان الْحَج، وَقد ذكرنَا أول الْكتاب أَن الْكتاب يشْتَمل الْأَبْوَاب، والأبواب تَشْمَل الْفُصُول، وَلم يَقع فِي تَرْتِيب البُخَارِيّ الْفُصُول، وَإِنَّمَا يُوجد فِي بعض الْمَوَاضِع لَفْظَة: بَاب، مُجَردا وَيُرِيد بِهِ الْفَصْل عَمَّا قبله، لكنه من جنسه كَمَا ستقف عَلَيْهِ فِي أثْنَاء الْكتاب.
وَالْكَلَام هُنَا على أَنْوَاع.
الأول: ذكر كتاب الْحَج عقيب كتاب الزَّكَاة، وَكَانَ الْمُنَاسب ذكر كتاب الصَّوْم عقيب كتاب الزَّكَاة، كَمَا قدمه ابْن بطال على كتاب الْحَج كَمَا وَقع فِي الْخمس الَّذِي بني الْإِسْلَام عَلَيْهَا، وَلَكِن لما كَانَ لِلْحَجِّ اشْتِرَاك مَعَ الزَّكَاة فِي كَونهمَا عبَادَة مَالِيَّة ذكره عقيب الزَّكَاة. فَإِن قلت: فعلى هَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَن يذكر الصَّوْم عقيب الصَّلَاة لِأَن كلا مِنْهُمَا عبَادَة بدنية. قلت: نعم، كَانَ الْقيَاس يَقْتَضِي ذَلِك وَلَكِن ذكرت الزَّكَاة عقيب الصَّلَاة لِأَنَّهَا ثَانِيَة الصَّلَاة وثالثة الْإِيمَان فِي الْكتاب وَالسّنة.
النَّوْع الثَّانِي: أَنه قد وَقع فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: كتاب الْمَنَاسِك، كَمَا وَقع هَكَذَا فِي (صَحِيح مُسلم) وَوَقع فِي كتاب الطَّحَاوِيّ: كتاب مَنَاسِك الْحَج، وَهُوَ جمع منسك، بِفَتْح السِّين وَكسرهَا وَهُوَ المتعبد، وَيَقَع على الْمصدر وَالزَّمَان وَالْمَكَان، ثمَّ سميت أُمُور الْحَج كلهَا مَنَاسِك، والمنسك: المذبح، وَقد نسك ينْسك نسكا إِذا ذبح، والنسيكة الذَّبِيحَة، وَجَمعهَا نسك، والنسك أَيْضا الطَّاعَة وَالْعِبَادَة، وكل مَا تقرب بِهِ إِلَى الله، عز وَجل، والنسك مَا أمرت بِهِ الشَّرِيعَة والورع وَمَا نهت عَنهُ. والناسك العابد، وَسُئِلَ ثَعْلَب عَن الناسك مَا هُوَ؟ فَقَالَ: هُوَ مَأْخُوذ من النسيكة، وَهِي سبيكة الْفضة المصفاة، كَأَن الناسك صفي نَفسه لله تَعَالَى.
النَّوْع الثَّالِث فِي معنى الْحَج لُغَة وَشرعا أما لغةٍ: فَمَعْنَاه الْقَصْد، من حججْت الشَّيْء أحجه حجا إِذا قصدته. وَقَالَ الْأَزْهَرِي: وأصل الْحَج من قَوْلك: حججْت فلَانا أحجه حجا إِذا عدت إِلَيْهِ مرّة بعد أُخْرَى. فَقيل: حج الْبَيْت، لِأَن النَّاس يأتونه كل سنة، وَمِنْه قَول المخبل السَّعْدِيّ:
(واشهد من عَوْف حلولاً كَثِيرَة ... يحجون سبّ الزبْرِقَان المزعفرا)
يَقُول: يأتونه مرّة بعد أُخْرَى لسؤدده وسبه: عمَامَته، وَقَالَ صَاحب (الْعين) : السب الثَّوْب الرَّقِيق، وَقيل: غلالة رقيقَة يمنية، والزبرقان، بِكَسْر الزَّاي وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الرَّاء وبالقاف المخففة وَفِي آخِره نون: وَهُوَ فِي الأَصْل اسْم الْقَمَر، ولقب بِهِ الْحصين لصفرة عمَامَته. وَأما شرعا: الْحَج قصد إِلَى زِيَارَة الْبَيْت الْحَرَام على وَجه التَّعْظِيم بِأَفْعَال مَخْصُوصَة، وَسَببه الْبَيْت، لِأَنَّهُ يُضَاف إِلَيْهِ، وَلِهَذَا لَا يجب فِي الْعُمر إلَاّ مرّة وَاحِدَة لعدم تكْرَار السب، وَالْحج، بِفَتْح الْحَاء وَكسرهَا. وَقَالَ الزّجاج: