للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَقَالَ عِكْرَمَةُ: إنُ ظاهَرَ مِنْ أمَتِهِ فَلَيْسَ بِشَيءٍ، إنّما الظِّهارُ مِنَ النِّساءِ.

عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس قَوْله: (من النِّسَاء) قَالَ الْكرْمَانِي: أَي المزوجات الْحَرَائِر. قلت: لفظ النِّسَاء يتَنَاوَل الْحَرَائِر وَالْإِمَاء فَلذَلِك هُوَ فَسرهَا بالمزوجات الْحَرَائِر، وَلَو قيل: من الْحَرَائِر، لَكَانَ أولى. وَقَالَ ابْن حزم: وروى الشّعبِيّ مثله وَلم يَصح عَنْهُمَا، وَصَحَّ عَن مُجَاهِد وَابْن أبي مليكَة وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي وَأحمد وَإِسْحَاق، إلَاّ أَن أَحْمد قَالَ: فِي الظِّهَار من ملك الْيَمين كَفَّارَة، وَرُوِيَ عَن عِكْرِمَة خِلَافه، قَالَ عبد الرَّزَّاق: أخبرنَا ابْن جريج أَخْبرنِي الحكم ابْن أبان عَن عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس يكفّر عَن ظِهَار الْأمة مثل كَفَّارَة الْحرَّة، قيل: يحْتَمل أَن يكون الْمَنْقُول عَن عِكْرِمَة الْأمة الْمُزَوجَة، فَلَا يكون بَين قوليه اخْتِلَاف، وَالله أعلم.

وَفِي العَرَبِيَّةِ: لما قالُوا: أَي فِيما قالُوا، وَفِي نَقْصِ مَا قالُوا، وهاذَا أوْلى لأنَّ الله تَعَالَى لَمْ يَدُلَّ علَى المُنْكَرِ وعلَى قَوْلِ الزُّورِ.

أَي: يسْتَعْمل فِي كَلَام الْعَرَب لفظ عَاد لَهُ، بِمَعْنى: عَاد فِيهِ، أَي: نقضه وأبطله، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: ثمَّ يعودون لما قَالُوا، أَي: يتداركون مَا قَالُوا، لِأَن المتدارك لِلْأَمْرِ عَائِد إِلَيْهِ أَي: تَدَارُكه بالإصلاح بِأَن يكفر عَنهُ. قَوْله: (وَفِي نقض مَا قَالُوا) بالنُّون وَالْقَاف فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ والكشميهني، وَفِي بعض بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالْعين الْمُهْملَة. قَوْله: (وَهَذَا أولى) أَي: معنى يعودون لما قَالُوا، أَي: ينقضون مَا قَالُوا أولى مِمَّا قَالُوا: إِن معنى الْعود هُوَ تكْرَار لفظ الظِّهَار، وغرض البُخَارِيّ من هَذَا الرَّد على دَاوُد الظَّاهِرِيّ حَيْثُ قَالَ: إِن الْعود هُوَ تَكْرِير كلمة الظِّهَار. قَوْله: (لِأَن الله لم يدل) تَعْلِيق لقَوْله: وَهَذَا أولى، وَجه الْأَوْلَوِيَّة أَنه إِذا كَانَ مَعْنَاهُ كَمَا زَعمه دَاوُد لَكَانَ الله دَالا على الْمُنكر وَقَول الزُّور تَعَالَى الله عَن ذَلِك علوا كَبِيرا، وَقَالَ الْفراء والأخفش: الْمَعْنى على التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير، أَي: وَالَّذين يظاهرون من نِسَائِهِم ثمَّ يعودون لما قَالُوا فَتَحْرِير رَقَبَة، وَقَالَ ابْن بطال: وَهُوَ قَول حسن، وَقَالَ غَيره: يجوز أَن يكون: مَا، بِتَقْدِير الْمصدر، وَالتَّقْدِير: ثمَّ يعودون لِلْقَوْلِ، سمى القَوْل باسم الْمصدر، كَمَا قَالُوا: نسج الْيمن وَدِرْهَم ضرب الْأَمِير، وَإِنَّمَا هُوَ منسوج الْيمن ومضروب الْأَمِير، وَقَالَ آخَرُونَ: يجوز أَن يكون: مَا بِمَعْنى: من كَأَنَّهُ قَالَ: ثمَّ يعود دون لمن قَالُوا فِيهِنَّ، أولهنَّ، أنتن علينا كظهور أمهاتنا. وَقَالَ ابْن المرابط: قَالَت فرقة: ثمَّ يعودون لما قَالُوا من الظِّهَار فَيَقُولُونَ بالظهار مرّة أُخْرَى، وَهُوَ الَّذِي أنكرهُ البُخَارِيّ. فَإِن قلت: اقْتصر البُخَارِيّ فِي: بَاب الظِّهَار على ذكر. قَوْله تَعَالَى: {قد سمع الله قَول الَّتِي تُجَادِلك فِي زَوجهَا} (المجادلة: ١ ٤) إِلَى قَوْله: {فَمن لم يسْتَطع فإطعام سِتِّينَ مِسْكينا} (المجادلة: ١ ٤) وعَلى ذكر بعض الْآثَار، وَقد ورد فِيهِ أَحَادِيث عَن ابْن عَبَّاس وَسَلَمَة بن صَخْر الْأنْصَارِيّ البياضي وَخَوْلَة بنت ثَعْلَبَة وَأَوْس ابْن الصَّامِت وَعَائِشَة، رَضِي الله عَنْهُم، وَلم يذكر مِنْهَا حَدِيثا. قلت: لَيْسَ فِيهَا حَدِيث على شَرطه فَلذَلِك لم يذكر مِنْهَا حَدِيثا، غير أَنه ذكر فِي أَوَائِل كتاب التَّوْحِيد من حَدِيث عَائِشَة مُعَلّقا، على مَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى، إِمَّا حَدِيث ابْن عَبَّاس فَأخْرجهُ الْأَرْبَعَة، وَأما حَدِيث سَلمَة بن صَخْر، وَيُقَال: سُلَيْمَان بن صَخْر، فَأخْرجهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه، وَأما حَدِيث خَوْلَة فَأخْرجهُ أَبُو دَاوُد، وَأما حَدِيث أَوْس بن الصَّامِت زوج خَوْلَة فَأخْرجهُ أَبُو دَاوُد أَيْضا، وَذكرنَا هَذَا الْمِقْدَار طلبا للاختصار.

٤٢ - (بابُ الإشارَةِ فِي الطّلَاقِ والأُمُورِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْإِشَارَة فِي الطَّلَاق، وَقَالَ ابْن التِّين: أَرَادَ الْإِشَارَة الَّتِي يفهم مِنْهَا الطَّلَاق من الصَّحِيح والأخرس، وَقَالَ الْمُهلب: الْإِشَارَة إِذا فهمت يحكم بهَا وأوكد مَا أَتَى بهَا من الْإِشَارَة مَا حكم بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي أَمر السَّوْدَاء حِين قَالَ لَهَا: أَيْن الله؟ فَأَشَارَتْ إِلَى السَّمَاء. فَقَالَ: أعْتقهَا فَإِنَّهَا مُؤمنَة، فَأجَاز الْإِسْلَام بِالْإِشَارَةِ الَّذِي هُوَ أصل الدّيانَة، وَحكم بإيمانها كَمَا يحكم بنطق من يَقُول ذَلِك، فَيجب أَن تكون الْإِشَارَة عَامَّة فِي سَائِر الديانَات، وَهُوَ قَول عَامَّة الْفُقَهَاء. وَقَالَ مَالك: الْأَخْرَس إِذا أَشَارَ بِالطَّلَاق يلْزمه. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الرجل يمرض فيختل لِسَانه: فَهُوَ كالأخرس فِي الطَّلَاق

<<  <  ج: ص:  >  >>