التَّرْجَمَة مُشْتَمِلَة على شَيْئَيْنِ: أَولهمَا مبادرة البزاق، وَالْآخر هُوَ أَخذ الْمُصَلِّي بزاقه بِطرف ثَوْبه، وَفِي الحَدِيث مَا يُطَابق الثَّانِي وَهُوَ قَوْله: (ثمَّ أَخذ طرف رِدَائه فبزق فِيهِ) وَلَيْسَ للجزء الأول ذكر فِي الحَدِيث أصلا، وَلِهَذَا اعْترض عَلَيْهِ فِي ذَلِك، وَلَكِن يُمكن أَن يُقَال، وَإِن كَانَ فِيهِ تعسف: كَأَنَّهُ أَشَارَ بذلك إِلَى مَا فِي بعض طرق الحَدِيث، وَهُوَ مَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث جَابر بِلَفْظ: (وليبصق عَن يسَاره تَحت رجله الْيُسْرَى، فَإِن عجلت بِهِ بادرة فَلْيقل بِثَوْبِهِ هَكَذَا، ثمَّ طوى بعضه على بعض) . وروى أَبُو دَاوُد: (فَإِن عجلت بِهِ بادرة فَلْيقل بِثَوْبِهِ هَكَذَا، وَضعه على فِيهِ ثمَّ دلكه) . قَوْله: (بادرة) أَي: حِدة، وبادرة الْأَمر: حِدته، وَالْمعْنَى: إِذا غلب غليه البصاق والنخامة فَلْيقل بِثَوْبِهِ هَكَذَا. وَقَوله: (وَضعه على فِيهِ) تَفْسِير لقَوْله: (فَلْيقل بِهِ) ، وَلأَجل ذَلِك ترك العاطف أَي: وضع ثَوْبه على فَمه حَتَّى يتلاشى البزاق فِيهِ.
ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: الأول: مَالك بن إِسْمَاعِيل أَبُو غَسَّان النَّهْدِيّ، وَقد مر فِي بَاب المَاء الَّذِي يغسل بِهِ شعر الْإِنْسَان. الثَّانِي: زُهَيْر، بِالتَّصْغِيرِ: ابْن مُعَاوِيَة الْكُوفِي. الثَّالِث: حميد الطَّوِيل. الرَّابِع: أنس بن مَالك.
وَقد تقدم هَذَا الحَدِيث فِي بَاب حك البزاق بِالْيَدِ من الْمَسْجِد، وَذكرنَا هُنَاكَ مَا يتَعَلَّق بِهِ من الأبحاث. ولنذكر هَهُنَا مَا لم نذكرهُ هُنَاكَ. قَوْله: (كَرَاهِيَة) ، مَرْفُوع بقوله: رُؤِيَ، على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (أَو رُؤِيَ كراهيته) شكّ من الرَّاوِي قَوْله: (لذَلِك) أَي: لأجل رُؤْيَة النخامة فِي الْقبْلَة. قَوْله: (وشدته عَلَيْهِ) يجوز فِيهِ الرّفْع والجر عطفا على الْكَرَاهِيَة أَو على لذَلِك قَوْله: (أَو ربه) مُبْتَدأ وَخَبره هُوَ قَوْله: (بَينه وَبَين الْقبْلَة) ، وَالْجُمْلَة معطوفة على: (يُنَاجِي ربه) ، عطف الْجُمْلَة الإسمية على الفعلية. قَوْله: (وَقَالَ) فِي بعض النّسخ: (فَقَالَ) ، بِالْفَاءِ.
وَفِيه من الْفَوَائِد: اسْتِحْبَاب إِزَالَة مَا يستقذر أَو يتنزه عَنهُ من الْمَسْجِد. وَفِيه: تفقد الإِمَام أَحْوَال الْمَسَاجِد وتعظيمها وصيانتها. وَفِيه: أَن للْمُصَلِّي أَن يبصق فِي الصَّلَاة وَلَا تفْسد صلَاته. وَفِيه: أَنه إِذا نفخ أَو تنحنح جَازَ، كَذَا قَالُوا، وَلَكِن هَذَا بالتفصيل وَهُوَ أَن التنحنح لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون بِغَيْر اخْتِيَاره فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَإِن كَانَ بِاخْتِيَارِهِ فَإِن حصلت مِنْهُ حُرُوف ثَلَاثَة تفْسد صلَاته، وَفِي الحرفين قَولَانِ، وَعَن أبي حنيفَة: إِن النفخ إِذا كَانَ يسمع فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْكَلَام يقطع الصَّلَاة. وَفِيه: إِن البصاق طَاهِر، وَكَذَا النخامة والمخاط، خلافًا لمن يَقُول: كل مَا تستقذره النَّفس حرَام. وَمن فَوَائده: أَن التحسين والتقبيح إِنَّمَا هُوَ بِالشَّرْعِ، لكَون الْيَمين مفضلة على الْيَسَار، وَالْيَد مفضلة على الْقدَم.
٠٤ - (بَاب عِظَةِ الإمامِ النَّاسَ فِي إتْمَامِ الصَّلاةِ وذِكْرِ القِبْلَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وعظ الإِمَام النَّاس بِأَن يتموا صلَاتهم وَلَا يتْركُوا مِنْهَا شَيْئا، والعظة على وزن: عِلّة، مصدر من: وعظ يعظ وعظاً وعظة وموعظة، وأصل: عظة: وعظ، فَلَمَّا حذفت مِنْهُ الْوَاو عوضت مِنْهَا التَّاء فِي آخِره، أما الْحَذف فلوجوده فِي فعله، وَأما كسر الْعين فَمن الْوَاو. فَافْهَم. والوعظ: النصح والتذكير بالعواقب، وَيُقَال: وعظته فاتعظ أَي: قبل الموعظة.
وَجه الْمُنَاسبَة فِي ذكر هَذَا الْبَاب عقيب الْأَبْوَاب الْمَذْكُورَة من حَيْثُ إِنَّه كَانَ فِيهَا أَمر وَنهي وَتَشْديد فيهمَا، وَهِي كلهَا وعظ ونصح، وَهَذَا الْبَاب أَيْضا فِي الْوَعْظ والنصح. قَوْله: (وَذكر الْقبْلَة) بِالْجَرِّ عطف على: (عظة) أَي: وَفِي بَيَان الْقبْلَة.
٨١٤ - حدّثنا عَبْدُ اللَّه بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ أبي الزِّنَادِ عنِ الأعْرَجِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ أَن رَسُول الله قَالَ (هلْ تَرَوْنَ قِبْلَتِي ههُنا فَوَا مَا يَخْفَى عَلَيَّ خُشوُعُكُمْ وَلَا رُكُوعُكُمْ إنِّي لأَرَاكُمْ مِنْ ورَاءِ ظِهْرِي) . (الحَدِيث ٨١٤ طرفه فِي: ١٤٧) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِي هَذَا الحديبث وعظاً لَهُم وتذكيراً وتنبيهاً لَا يخفى عَلَيْهِ ركوعهم وسجودهم، يظنون أَنه لَا يراهم لكَونه مستدبراً لَهُم، وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك، لِأَنَّهُ يرى من خَلفه مثل مَا يرى من بَين يَدَيْهِ.
ذكر رِجَاله: وَقد تكَرر ذكرهم، وَأَبُو الزِّنَاد، بِكَسْر الزَّاي وَتَخْفِيف النُّون: عبد اللَّه بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا هَهُنَا عَن إِسْمَاعِيل عَن مَالك. وَأخرجه مُسلم أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن قُتَيْبَة عَن مَالك.