للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لَا يفقهُونَ مَعهَا شَيْئا، فَمن لَا يعلم شَيْئا اسْتَحَالَ مِنْهُ كفر أَو إِيمَان أَو معرفَة أَو إِنْكَار. وَقَالَ أَبُو عمر: هَذَا القَوْل أصح مَا قيل فِي معنى الْفطْرَة هُنَا وَالله أعلم. وَقَالَ قوم: إِنَّمَا قَالَ: (كل مَوْلُود يُولد على الْفطْرَة) ، قيل أَن تنزل الْفَرَائِض، لِأَنَّهُ لَو كَانَ يُولد على الْفطْرَة ثمَّ مَاتَ أَبَوَاهُ قبل أَن يُهَوِّدَانِهِ أَو ينصرَانِهِ لما كَانَ يرثهما ويرثانه، فَلَمَّا نزلت الْفَرَائِض علم أَنه يُولد على دينهما. وَقَالَ قوم: الْفطْرَة هُنَا الْإِسْلَام، لِأَن السّلف أَجمعُوا فِي قَوْله تَعَالَى: {فطْرَة الله الَّتِي فطر النَّاس عَلَيْهَا} (الرّوم: ٠٣) . أَنَّهَا دين الْإِسْلَام. وَاحْتَجُّوا بِحَدِيث عِيَاض بن حَمَّاد، قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى: إِنِّي خلقت عبَادي حنفَاء على استقامة وسلامة) . والحنيف فِي كَلَام الْعَرَب: الْمُسْتَقيم السَّالِم. وَبِقَوْلِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (خمس من الْفطْرَة) فَذكر قصّ الشَّارِب والاختتان، وَذَلِكَ من سنَن الْإِسْلَام، وَإِلَيْهِ ذهب أَبُو هُرَيْرَة وَالزهْرِيّ. وَقَالَ أَبُو عمر: ويستحيل أَن تكون الْفطْرَة الْمَذْكُورَة فِيهِ الْإِسْلَام وَالْإِيمَان قَول بِاللِّسَانِ واعتقاد بِالْقَلْبِ وَعمل بالجوارح وَهَذَا مَعْدُوم فِي الطِّفْل وَقَالَ قوم معنى الْفطْرَة فِيهِ: الْبدَاءَة الَّتِي ابتدأهم عَلَيْهَا، أَي على مَا فطر الله تَعَالَى عَلَيْهِ خلقه من أَنه ابتدأهم للحياة وَالْمَوْت والسعادة والشقاوة، وَإِلَى مَا يصيرون إِلَيْهِ عِنْد الْبلُوغ من قبولهم من آبَائِهِم واعتقادهم. وَقَالَ قوم: معنى ذَلِك أَن الله تَعَالَى قد فطرهم على الْإِنْكَار والمعرفة وعَلى الْكفْر وَالْإِيمَان، فَأخذ من ذُرِّيَّة آدم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، الْمِيثَاق حِين خلقهمْ فَقَالَ: أَلَسْت بربكم؟ فَقَالُوا جَمِيعًا: بلَى، فَأَما أهل السَّعَادَة فَقَالُوا: بلَى على معرفَة لَهُ طَوْعًا من قُلُوبهم، وَأما أهل الشقاوة فَقَالُوا: بلَى كرها لَا طَوْعًا، وتصديق ذَلِك قَوْله تَعَالَى: {وَله أسلم من فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض طَوْعًا وَكرها} (آل عمرَان: ٣٨) . وَقَالَ الْمروزِي: سَمِعت ابْن رَاهَوَيْه يذهب إِلَى هَذَا، وَاحْتج ابْن رَاهَوَيْه أَيْضا بِحَدِيث عَائِشَة: (حِين مَاتَ صبي من الْأَنْصَار بَين أبوين مُسلمين، فَقَالَت عَائِشَة: طُوبَى لَهُ عُصْفُور من عصافير الْجنَّة فَرد عَلَيْهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَه يَا عَائِشَة؟ وَمَا يدْريك أَن الله تَعَالَى خلق الْجنَّة وَخلق لَهَا أَهلا؟ وَخلق النَّار وَخلق لَهَا أَهلا؟) وَقَالَ أَبُو عمر: قَول إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه فِي هَذَا الْبَاب لَا يرضاه حذاق الْفُقَهَاء من أهل السّنة، وَإِنَّمَا هُوَ قَول الْمُجبرَة. وَقَالَ قوم: معنى الفظرة مَا أَخذه الله من الْمِيثَاق على الذُّرِّيَّة، وهم فِي أصلاب آبَائِهِم. وَقَالَ قوم: الْفطْرَة مَا يقلب الله تَعَالَى قُلُوب الْخلق إِلَيْهِ بِمَا يُرِيد ويشاء، وَقَالَ أَبُو عمر: هَذَا القَوْل، وَإِن كَانَ صَحِيحا فِي الأَصْل، فَإِنَّهُ أَضْعَف الْأَقَاوِيل من جِهَة اللُّغَة فِي معنى الْفطْرَة، وَالله أعلم. .

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: قد تقدم فِي أَوله، وَالله أعلم.

٠٨ - (بابٌ إذَا قَالَ المُشْرِكُ عِنْدَ المَوْتِ لَا إلاهَ إلَاّ الله)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا قَالَ الْمُشرك عِنْد مَوته كلمة: لَا إِلَه إلَاّ الله، وَلم يذكر جَوَاب: إِذا، لمَكَان التَّفْصِيل فِيهِ، وَهُوَ أَنه لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون من أهل الْكتاب أَو لَا يكون، وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يَقُول: لَا إِلَه إِلَّا الله، فِي حَيَاته قبل مُعَاينَة الْمَوْت، أَو قَالَهَا عِنْد مَوته، وعَلى كلا التَّقْدِيرَيْنِ لَا يَنْفَعهُ ذَلِك عِنْد الْمَوْت لقَوْله تَعَالَى: {يَوْم يَأْتِي بعض آيَات رَبك لَا ينفع نفسا إيمَانهَا ... } (الْأَنْعَام: ٨٥١) . الآبة، وينفعه ذَلِك إِذا كَانَ فِي حَيَاته وَلم يكن من أهل الْكتاب حَتَّى يحكم بِإِسْلَامِهِ، بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا: لَا إلاه إلَاّ الله) الحَدِيث، وَإِن كَانَ من أهل الْكتاب فَلَا يَنْفَعهُ حَتَّى يتَلَفَّظ بكلمتي الشَّهَادَة. وَاشْترط أَيْضا أَن يتبرأ عَن كل دين سوى دين الْإِسْلَام، وَقيل: إِنَّمَا ترك الْجَواب لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما قَالَ لِعَمِّهِ أبي طَالب: قل: لَا إلاه إلَاّ الله أشهد لَك بهَا. كَانَ مُحْتملا أَن يكون ذَلِك خَاصّا بِهِ، لِأَن غَيره إِن قَالَ بهَا وَقد أَيقَن بالوفاة لَا يَنْفَعهُ ذَلِك.

٠٦٣١ - حدَّثنا إسْحَاقُ قَالَ أخبرنَا يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ حدَّثني أبي عنْ صالِحٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبرنِي سَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ عنْ أبِيهِ أنَّهُ لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طالِبٍ الوَفَاةُ جاءَهُ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوَجدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلِ بنِ هِشَامٍ وعَبْدَ الله بنَ أبِي أُمَيَّةَ بنِ المُغِيرَةِ فَقال رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأِبِي طالبٍ يَا عَمِّ قُلْ لَا إلاه إلَاّ الله كَلِمَةً أشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ الله فَقَالَ أبُو جَهْلٍ وعَبْدُ الله بنُ أبِي أُمَيَّةَ يَا أبَا طَالِبٍ أتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ فَلَمْ يَزَلْ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

<<  <  ج: ص:  >  >>