للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بِظهْرٍ لَبَّيْنَا بالحَجِّ

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (لبينا) ، فَإِنَّهُ جملَة حَالية وَمَعْنَاهَا: جعلنَا مَكَّة من وَرَاءَنَا فِي يَوْم التَّرويَة حَال كوننا ملبين بِالْحَجِّ، فَعلم أَنهم حِين الْخُرُوج مِنْهَا كَانُوا محرمين. قَوْله: (وَقَالَ عبد الْملك) ، قَالَ الْكرْمَانِي: عبد الْملك هَذَا هُوَ ابْن عبد الْعَزِيز بن جريج، وَقَالَ بَعضهم: الظَّاهِر أَنه هُوَ عبد الْملك بن أبي سُلَيْمَان. قلت: يحْتَمل كلا مِنْهُمَا، وَلَكِن هَذَا وَصله مُسلم من طَرِيق عبد الْملك بن أبي سُلَيْمَان الْعَرْزَمِي عَن عَطاء بن أبي رَبَاح (عَن جَابر: أَهْلَلْنَا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْحَجِّ، فَلَمَّا قدمنَا مَكَّة أمرنَا أَن نحل ونجعلها عمْرَة، فَكبر ذَلِك علينا) الحَدِيث، وَفِيه: (حَتَّى إِذا كَانَ يَوْم التَّرويَة وَجَعَلنَا مَكَّة بِظهْر أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ) . قَوْله: (حَتَّى يَوْم التَّرويَة) ، يَوْم، مَنْصُوب على الظَّرْفِيَّة، أَي: حَتَّى فِي يَوْم التَّرويَة. قَوْله: (بِظهْر) أَي: جعلنَا مَكَّة وَرَاء ظُهُورنَا.

وَقَالَ أبُو الزُّبَيْرِ عنْ جابِرٍ أهْلَلْنَا مِنَ البَطْحَاءِ

أَبُو الزبير هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم بن تدرس، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة وَضم الرَّاء وَفِي آخِره سين مُهْملَة، الْمَكِّيّ، وَقد مر فِي: بَاب من شكا إِمَامه، وَهَذَا تَعْلِيق وَصله أَحْمد فِي (مُسْنده) وَمُسلم فِي (صَحِيحه) من طَرِيق ابْن جريج عَنهُ (عَن جَابر، قَالَ: أمرنَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَحللنَا أَن نحرم إِذا توجهنا إِلَى منى، قَالَ: فأهللنا من الأبطح) .

وَقَالَ عُبَيْدُ بنُ جُرَيْجٍ لإبنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا رَأيْتُكَ إذَا كُنْتَ بِمَكَّةَ أهَلَّ النَّاسَ إذَا رَأوُا الْهِلَالَ ولَمْ تُهِلَّ أنْتَ حَتَّى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فَقال لَمْ أرَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ

عبيد بِضَم الْعين، وجريج بِضَم الْجِيم مر ذكره فِي: بَاب غسل الرجلَيْن فِي النَّعْلَيْنِ فِي كتاب الْوضُوء، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله البُخَارِيّ فِي: بَاب غسل الرجلَيْن فِي النَّعْلَيْنِ مطولا، فَقَالَ: حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف، قَالَ: أخبرنَا مَالك عَن سعيد المَقْبُري عَن عبيد بن جريج أَنه قَالَ لعبد الله بن عمر: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن! رَأَيْتُك تصنع أَرْبعا ... الحَدِيث، وَقَالَ ابْن بطال: أما وَجه احتجاج ابْن عمر بإهلال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِذِي الحليفة، وَهُوَ غير مكي، على من أنشأ الْحَج من مَكَّة، أَنه يجب أَن يهل يَوْم التَّرويَة، وَهِي قصَّة أُخْرَى، فَوجه ذَلِك أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهل من مِيقَاته فِي حِين ابْتِدَائه فِي عمل حجَّته من أصل عمله، وَلم يكن فيهمَا مكث يقطع بِهِ الْعَمَل، فَكَذَلِك الْمَكِّيّ لَا يهل إلَاّ يَوْم التَّرويَة الَّذِي هُوَ أول عمله ليتصل لَهُ عمله تأسيا برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِخِلَاف مَا لَو أهل من أول الشَّهْر، وَقد قَالَ ابْن عَبَّاس: لَا يهل أحد من مَكَّة بِالْحَجِّ حَتَّى يُرِيد الرواح إِلَى منى، وَالله أعلم.

٣٨ - (بابٌ أيْنَ يُصَلِّي الظُّهْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ)

أَي: هَذَا بَاب يبين فِيهِ أَيْن يُصَلِّي الظّهْر، أَي: فِي أَي مَكَان يُصَلِّي صَلَاة الظّهْر يَوْم التَّرويَة، وَهُوَ الْيَوْم الثَّامِن من ذِي الْحجَّة، والتروية، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون الرَّاء وَكسر الْوَاو وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف: سميت بذلك لأَنهم كَانُوا يتروون بِحمْل المَاء مَعَهم من مَكَّة إِلَى عَرَفَات، وَقيل: إِلَى منى، وَقيل: لِأَن آدم، عَلَيْهِ السَّلَام، رأى فِيهِ حَوَّاء، عَلَيْهَا السَّلَام، وَقيل: لِأَن جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام أرى فِيهِ إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام،، الْمَنَاسِك، وَقيل: لأَنهم كَانُوا يروون إبلهم فِيهِ، وَقيل: لِأَن إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ السَّلَام، رأى تِلْكَ اللَّيْلَة فِي مَنَامه أَنه يذبح وَلَده بِأَمْر الله تَعَالَى، فَلَمَّا أصبح كَانَ يروي فِي النَّهَار كُله، أَي: يتفكر. وَقيل: هُوَ من الرِّوَايَة، لِأَن الإِمَام يروي للنَّاس مناسكهم. قلت: ذكره الْجَوْهَرِي فِي: بَاب روى، معتل الْعين وَاللَّام، وَذكر فِيهِ مواد كَثِيرَة، ثمَّ قَالَ: وَسمي يَوْم التَّرويَة لأَنهم كَانُوا يرتوون فِيهِ من المَاء لما بعد، وَيكون أَصله من: رويت من المَاء بِالْكَسْرِ أوري ريا وريا، وروى أَيْضا مثل، رَضِي وَتَكون التَّرويَة مصدرا من بَاب التفعيل، تَقول: رويته المَاء تروية، وَأما قَول من قَالَ: لِأَن آدم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، رأى فِيهِ حَوَّاء فَغير صَحِيح من حَدِيث الِاشْتِقَاق، لِأَن رأى الَّذِي هُوَ من الرُّؤْيَة مَهْمُوز الْعين معتل اللَّام، نعم، جَاءَ من هَذَا الْبَاب ترئية وترية، وَلم يَجِيء: تروية فَالْأول من قَوْلك: رَأَتْ الْمَرْأَة ترئية إِذا رَأَتْ الدَّم الْقَلِيل عِنْد الْحيض، وَالثَّانِي اسْم الْخِرْقَة الَّتِي تعرف بهَا الْمَرْأَة حَيْضهَا من طهرهَا، وَأما بَقِيَّة الْأَقْوَال فكون أَصْلهَا من الرُّؤْيَة غير مستبعد، وَلَكِن لم يجىء لفظ التَّرويَة مِنْهَا لعدم الْمُنَاسبَة بَينهمَا فِي الِاشْتِقَاق. وَأما قَول من قَالَ: هُوَ من الرِّوَايَة، فبعيد جدا لِأَنَّهُ لم يَجِيء تروية من هَذَا الْبَاب لعدم الِاشْتِقَاق بَينهمَا، وَقَالَ بَعضهم: قيل فِي تَسْمِيَة التَّرويَة أَقْوَال شَاذَّة، وَذكر هَذِه الْأَقْوَال. قلت: هَذَا يدل على أَن أَصْلهَا صَحِيح فِي الِاشْتِقَاق، لِأَن الشاذ مَا يكثر اسْتِعْمَاله، وَلكنه على خلاف الْقيَاس، وَلَكِن هَذَا الْقَائِل لَو عرف الِاشْتِقَاق بَين الْمصدر وَالْأَفْعَال الَّتِي تشتق مِنْهُ لما صدر مِنْهُ هَذَا الْكَلَام فِي غير تَأمل وترو.

<<  <  ج: ص:  >  >>