٢ - (بابٌ: {اتَّخَذُوا أيْمَانَهُمْ جُنَّةً يَجْتَنُّونَ بِها} (المُنَافِقُونَ: ٢)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {اتَّخذُوا أَيْمَانهم} أَي: اتَّخذُوا المُنَافِقُونَ أَيْمَانهم {جنَّة يجتنون بهَا} يَعْنِي: يستترون بهَا.
١٠٩٤ - حدَّثنا آدَمُ بنُ أبِي إياسٍ حدَّثنا إسْرَائِيلُ عَنْ أبِي إسْحَاقَ عَنْ زَيْدٍ بنِ أرْقَمَ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ كُنْتُ مَعَ عَمِّي فَسَمِعْتُ عَبْدَ الله بنِ أُبَيٍّ ابنَ سَلُولَ يَقُولُ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى يَنْفَضُّوا وَقَالَ أيْضا لَئِنْ رَجَعْنَا إلَى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأعَزُّ مِنْها الأذَلَّ فَذَكَرْتُ ذالِكَ نِعَمِّي فَذَكَرَ عَمِّي لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأرْسَلَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلَى عَبْدِ الله بنِ أُبَيٍّ وَأصْحَابِهِ فَحَلَفُوا مَا قَالُوا فَصَدَّقَهُمْ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَذَّبَنِي فأصابَنِي هَم لَمْ يَصِبْنِي مِثْلُهُ قَطٌّ فَجَلَسْتُ فِي بَيْتِي فَأنْزَلَ الله عَزَّ وَجَلَّ: {إذَا جَاءَكَ المُنَافِقُونَ} (المُنَافِقُونَ: ١) إلَى قَوْلِهِ: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ الله} (المُنَافِقُونَ: ٧) إلَى قَوْلِهِ: {لَيُخْرِجَنَّ الأعَزُّ مِنْهَا الأذَلُّ} (المُنَافِقُونَ: ٨) فأرْسَلَ إلَيَّ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَرَأها عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ إنَّ الله قَدْ صَدَقَكَ.
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث زيد بن أَرقم الْمَذْكُور فِي الْبَاب الَّذِي قبله، وَإِسْرَائِيل هُوَ ابْن يُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي يرْوى عَن جده أبي إِسْحَاق، وَمر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب.
٣ - (بابُ قَوْلِهِ: {ذَلِكَ بَأنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ} (المُنَافِقُونَ: ٣)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {ذَلِك بِأَنَّهُم} الْآيَة. قَوْله: (ذَلِك) أَشَارَ مَا وصف من حَال الْمُنَافِقين فِي النِّفَاق وَالْكذب بِالْإِيمَان، أَي ذَلِك كُله بِسَبَب أَنهم آمنُوا أَي نطقوا بِكَلِمَة الشَّهَادَة وفعلوا كَمَا يفعل من يدْخل فِي الْإِسْلَام ثمَّ كفرُوا ثمَّ ظهر كفرهم بعد ذَلِك، فطبع على قُلُوبهم حَتَّى لَا يدخلهم الْإِيمَان جَزَاء على نفاقهم فهم لَا يفقهُونَ صِحَة الْإِيمَان وإعجاز الْقُرْآن كَمَا يفهمهُ الْمُؤْمِنُونَ.
٢٠٩٤ - حدَّثنا آدَمُ حدَّثنا شُعْبَةُ عنِ الحَكَمِ قَالَ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ كَعْبٍ القُرَظِيَّ قَالَ سَمِعْتُ زَيْدَ بنَ أرْقَمَ رَضِيَ الله عنهُ قَالَ لَمَا قَالَ عَبدُ الله بنُ أُبَيٍّ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ الله وَقَالَ أيْضا لَئِنْ رَجَعْنا إلَى المَدِينَةِ أخْبَرْتُ بِهِ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلامَنِي الأنْصارُ وَحَلَفَ عَبْدُ الله بنُ أُبَيٍّ مَا قَالَ ذَلِكَ فَرَجَعْتُ إلَى المَنْزِلِ فَنِمْتُ فَدَعَانِي رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَتَيْتُهُ فَقَالَ إنَّ الله قَدْ صَدَقَكَ وَنَزَلَ {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا} الآيَةَ. وَقَالَ ابنُ أبِي زَائِدَةَ عَنِ الأعْمَشِ عَنْ عَمْروٍ عنْ ابنِ أبِي لَيْلَى عَنْ زَيْدٍ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
هَذَا طَرِيق آخر من حَدِيث زيد أخرجه عَن آدم بن أبي إِيَاس عَن شُعْبَة عَن الحكم، بِفتْحَتَيْنِ ابْن عتيبة مصغر عتبَة الْبَاب.
قَوْله: (سَمِعت مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ) ، زَاد التِّرْمِذِيّ فِي رِوَايَته مُنْذُ أَرْبَعِينَ سنة. قَوْله: (أخْبرت بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، قَالَ بَعضهم: أَي: على لِسَان عمي، جمعا بَين الرِّوَايَتَيْنِ. قلت: لَا يحْتَاج إِلَى هَذَا التَّأْوِيل الَّذِي يُخَالف ظَاهر الْكَلَام بل الْجمع بَين الرِّوَايَتَيْنِ بِأَن يُقَال: إِنَّه أخبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد أَن أنكر عبد الله بن أبي ذَلِك. قَوْله: (فدعاني) ، أَي: فطلبني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (وَقَالَ ابْن أبي زَائِدَة) ، وَهُوَ يحيى بن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن عَمْرو بن مرّة عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن زيد، وَقَالَ الْكرْمَانِي: ابْن أبي ليلى إِذا أطلقهُ المحدثون يعنون بِهِ عبد الرَّحْمَن، وَإِذا أطلقهُ الْفُقَهَاء يُرِيدُونَ بِهِ ابْنه مُحَمَّدًا القَاضِي الإِمَام، وَهَذَا التَّعْلِيق أسْندهُ النَّسَائِيّ فِي (سنَنه الْكُبْرَى) .