للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قدمُوا مَكَّة) وَهُوَ الأصوب، كَذَا أخرجه أَبُو نعيم من طَرِيق مُحَمَّد بن عبد الله المخرمي عَن شَبابَة، وَهُوَ الْأَصَح. قَوْله: (التَّقْوَى) أَي: الخشية من الله تَعَالَى.

وَفِيه: من الْفِقْه: ترك سُؤال النَّاس من التَّقْوَى، أَلا يرى أَن الله تَعَالَى مدح قوما، فَقَالَ: {لَا يسْأَلُون النَّاس إلحافا} (الْبَقَرَة: ٣٧٢) . وَكَذَلِكَ معنى آيَة الْبَاب، أَي: تزودوا فَلَا تُؤْذُوا النَّاس بسؤالكم إيَّاهُم، وَاتَّقوا الْإِثْم فِي أذاهم بذلك. وَفِيه: أَن التَّوَكُّل، لَا يكون مَعَ السُّؤَال، وَإِنَّمَا التَّوَكُّل على الله بِدُونِ استعانة بِأحد فِي شَيْء، وَيبين ذَلِك قَوْله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (يدْخل الْجنَّة سَبْعُونَ ألفا بِغَيْر حِسَاب، وهم الَّذِي لَا يسْتَرقونَ وَلَا يَكْتَوُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ، وعَلى رَبهم يَتَوَكَّلُونَ) ، فَهَذِهِ أَسبَاب التَّوَكُّل وَصِفَاته، وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: لما كَانَ التزود ترك الْمَسْأَلَة الْمنْهِي عَنْهَا فِي غير الْحَج، وَكَانَت حَرَامًا على الْأَغْنِيَاء قبل الْحَج، كَانَت فِي الْحَج أوكد حُرْمَة. وَفِيه: زجر عَن التكفف وترغيب فِي التعفف والقناعة بالإقلال، وَلَيْسَ فِيهِ مذمة للتوكل، نعم المذلة على سُؤَالهمْ إِذْ مَا كَانَ ذَلِك توكلاً بل تأكلاً، وَمَا كَانُوا متوكلين بل متأكلين، إِذْ التَّوَكُّل هُوَ قطع النّظر عَن الْأَسْبَاب مَعَ تهيئة الْأَسْبَاب، وَلِهَذَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (قيدها وتوكل) .

رَواهُ ابنُ عُيَيْنَةَ عنْ عَمْرٍ وعنْ عِكْرِمَةَ مُرْسلاً.

أَي: روى هَذَا الحَدِيث الْمَذْكُور سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار عَن عِكْرِمَة مُرْسلا، يَعْنِي: لم يذكر ابْن عَبَّاس، وَهَكَذَا أخرجه سعيد بن مَنْصُور عَن ابْن عُيَيْنَة، وَكَذَا أخرجه الطَّبَرِيّ عَن عَمْرو بن عَليّ وَابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن يزِيد الْمقري، كِلَاهُمَا عَن ابْن عُيَيْنَة مُرْسلا. قَالَ ابْن أبي حَاتِم: وَهُوَ أصح من رِوَايَة وَرْقَاء، وَاخْتلف فِيهِ على ابْن عُيَيْنَة، فَأخْرجهُ النَّسَائِيّ، رَحمَه الله تَعَالَى، عَن سعيد بن عبد الرَّحْمَن المَخْزُومِي عَنهُ مَوْصُولا بِذكر ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَأخرجه الطَّبَرِيّ وَابْن أبي حَاتِم كَمَا ذَكرْنَاهُ مُرْسلا.

٧ - (بابُ مُهَلِّ أهْلِ مَكَّةَ لِلْحَجِّ وَالعُمْرَةِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مهلّ أهل مَكَّة، أَي: مَوضِع إهلالهم، لِأَن لفظ: مهل، بِضَم الْمِيم وَفتح الْهَاء وَتَشْديد اللَّام، والإهلال رفع الصَّوْت بِالتَّلْبِيَةِ هُنَا. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ، رَحمَه الله تَعَالَى: وَإِنَّمَا يَقُوله بِفَتْح الْمِيم من لَا يعرف. قلت: هُوَ بِضَم الْمِيم اسْم مَكَان من الإهلال وَاسم زمَان أَيْضا، وَيكون مصدرا أَيْضا كالمدخل والمخرج بِمَعْنى الإدخال والأخراج، وأصل هَذِه الْمَادَّة لرفع الصَّوْت، وَمِنْه اسْتهلّ الصَّبِي إِذا صَاح عِنْد الْولادَة، وأهلَّ بِالتَّسْمِيَةِ عِنْد الذَّبِيحَة، وَأهل الْهلَال واستهل: إِذا تبين، وَأهل الْمُعْتَمِر إِذا رفع صَوته بِالتَّلْبِيَةِ.

٤٢٥١ - حدَّثنا مُوسى بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا وُهَيْبٌ قَالَ حدَّثنا ابنُ طاوُوسٍ عنْ أبيهِ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقَّتَ لأِهْلِ المَدِينةِ ذَا الحُلَيْفةِ وَلأِهْلِ الشَّامِ الجُحفَةَ وَلأِهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ المَنَازِلِ وَلأِهلِ اليَمَنِ يَلَمْلَمَ هُنَّ لَهُنَّ ولِمَنْ أتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أرَادَ الحَجَّ والعُمْرَةَ ومَنْ كانَ دُونَ ذالِكَ فَمِنْ حيثُ أنشَأ حتَّى أهَلَّ أهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ..

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (حَتَّى أهلَّ أهلُ مَكَّة من مَكَّة) ، يَعْنِي: لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى الْخُرُوج إِلَى الْمِيقَات للْإِحْرَام، بل مهَّلهم لِلْحَجِّ أَي: مَوضِع إهلالهم لأجل الْحَج هُوَ مَكَّة، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه، إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَقَالَ الْكرْمَانِي: غَرَض البُخَارِيّ بَيَان أَن الْإِحْرَام لَا بُد وَأَن يكون من هَذِه الْمَوَاقِيت، فَمَا وَجه دلَالَته عَلَيْهِ إِذْ لَيْسَ فِيهِ إلَاّ أَن التَّلْبِيَة من ثمَّة؟ قلت: التَّلْبِيَة إِمَّا وَاجِبَة فِي الْإِحْرَام أَو سنة فِيهِ، وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ فالإحرام لَا يَخْلُو مِنْهَا، فالمهلّ هُوَ الْمِيقَات. انْتهى. قلت: لَيْسَ غَرَضه مَا ذكره الْكرْمَانِي، وَإِنَّمَا غَرَضه بَيَان مهل أهل مَكَّة، وَلِهَذَا ترْجم بقوله: بَاب مهلَّ أهل مَكَّة لِلْحَجِّ وَالْعمْرَة، وَمحل الشَّاهِد هُوَ قَوْله: (حَتَّى أهل مَكَّة من مَكَّة) كَمَا ذكرنَا، وَهَذَا بِظَاهِرِهِ يدل على أَن مهلّهم هُوَ مَكَّة، سَوَاء كَانَ لِلْحَجِّ أَو الْعمرَة، وَلَكِن مهلّ أهل مَكَّة للْعُمْرَة الحلّ، كَمَا سَيَجِيءُ بَيَانه.

<<  <  ج: ص:  >  >>