القَوْل عَن جمَاعَة من التَّابِعين. وَقَالَ أَكثر أهل الْعلم: لَا يجب عَلَيْهِ الِاغْتِسَال حَتَّى يعلم أَنه بَلل المَاء الدافق.
وَقَالَ ابْن عبد الْبر: فِيهِ دَلِيل على أَن النِّسَاء لَيْسَ كُلهنَّ يحتلمن، وَلِهَذَا أنْكرت عَائِشَة على أم سَلمَة، وَقد يعْدم الِاحْتِلَام فِي بعض الرِّجَال فالنساء أَجْدَر أَن يعْدم ذَلِك فِيهِنَّ، وَقد قيل: أَن إِنْكَار عَائِشَة لذَلِك إِنَّمَا كَانَ لصِغَر سنّهَا وَكَونهَا مَعَ زَوجهَا لِأَنَّهَا لم تَحض إلَاّ عِنْده، وَلم تفقده فقداً طَويلا إلأ بِمَوْتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَلذَلِك لم تعرف فِي حَيَاته الِاحْتِلَام، لأنَّ الِاحْتِلَام لَا يعرفهُ النِّسَاء، وَلَا أَكثر الرِّجَال إلَاّ عِنْد عدم الرِّجَال بِعَدَمِ الْمعرفَة بِهِ، فَإِذا فقد النِّسَاء أَزوَاجهنَّ احتلمن. وَالْوَجْه الأول عِنْدِي أصح، وَأولى، لِأَن أم سَلمَة فقدت زَوجهَا وَكَانَت كَبِيرَة عَالِمَة بذلك، وَأنْكرت مِنْهُ مَا أنْكرت عَائِشَة، فَدلَّ ذَلِك على أَن من النِّسَاء من لَا تنزل المَاء فِي غير الْجِمَاع الَّذِي يكون فِي اليقطة وَلقَائِل أَن يَقُول: إِن أم سَلمَة أَيْضا تزوجت أَبَا سَلمَة شَابة وَلما توفّي عَنْهَا زَوجهَا تزَوجهَا سيد الْمُرْسلين، لَا سِيمَا مَعَ شغلها بِالْعبَادَة وَشبههَا الَّتِى هِيَ وَجَاء لغَيْرهَا أَو تكون قالته إنكاراً على أم سليم لكَونهَا واجهت بِهِ سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُوضحهُ، فَقَالَت أم سَلمَة وغطت وَجههَا.
وَقَالَ [قعابن بطال [/ قع فِيهِ دَلِيل على أَن كل النِّسَاء يحتملن. وَفِيه: دَلِيل على وجوب الْغسْل على الْمَرْأَة بالإنزال، وَنفى ابْن بطال الْخلاف فِيهِ، وَقد ذكرنَا فِي أول الْبَاب خلاف النَّخعِيّ. وَفِيه: رد على من زعم أَن مَاء الْمَرْأَة لَا يبرز، وَإِنَّمَا تعرف إنزالها بشهوتها وَحمل قَوْله: إِذا رَأَتْ المَاء أَي: إِذا علمت بِهِ لِأَن وجود الْعلم هُنَا مُتَعَذر، لِأَن الرجل لَو رأى أَنه جَامع وَعلم أَنه أنزل فِي النّوم ثمَّ اسْتَيْقَظَ فَلم ير بللاً لَا يجب عَلَيْهِ الْغسْل فَكَذَلِك الْمَرْأَة، وَإِن أَرَادَ علمهَا بذلك بعد أَن استيقظت فَلَا يَصح، لِأَنَّهُ لَا يسْتَمر فِي الْيَقَظَة مَا كَانَ فِي النّوم إلَاّ إِن كَانَ مشاهداً، فَحمل الْكَلَام على ظَاهره هُوَ الصَّوَاب. فَإِن قلت: قد جَاءَ عَن أم سَلمَة، فَضَحكت، وَجَاء، فغطت وَجههَا، فَمَا التَّوْفِيق بَينهمَا. قلت: معنى ضحِكت تبسمت تَعَجبا، وغطت وَجههَا، حَيَاء وَمعنى: تربت يَمِينك، فِي الأَصْل، لَا أَصَابَت خيرا، غير أَن فِي (لِسَان الْعَرَب) يُطلق ذَلِك وأمثالها، وَيُرَاد بِهِ الْمَدْح وَفِي كتاب (أدب الْخَواص) للوزير أبي الْقَاسِم المغربي، وَفِي كتاب (الأيك والغصون) لأبي الْعَلَاء المعري معنى قَوْله: ترَتّب يَمِينك أَي: افْتَقَرت من الْعلم مِمَّا سَأَلت عَنهُ أم سليم وَفِي (الْمُحكم) ترب الرجل صَار فِي يَده التُّرَاب، وترب ترباً لصق بِالتُّرَابِ من الْفقر وترب ترباً ومتربة خسر وافتقر، وَحكى قطرب: ترب وأترب. قَوْله: (وألت) بعد قَوْله اتربت يَمِينك مَعْنَاهُ: صاحت لما أَصَابَهَا من شدَّة، هَذَا الْكَلَام، وَرُوِيَ ألت، بِضَم الْهمزَة مَعَ التَّشْدِيد أَي: طعنت بالآلة، وَهِي الحربة العريضة النصل.
٢٣ - (بابُ عَرَق الجَنُبٍ وَإنَّ المُسْلِمَ لَا يَنْجُسُ)
أَي هَذَا بَاب فِي عرق الْجنب، وَلم يبين مَا حكم عرق الْجنب، وَلَا ذكر فِي هَذَا الْبَاب شَيْئا يُطَابق هَذِه التَّرْجَمَة وَقَالَ بَعضهم: كَأَن المُصَنّف يُشِير بذلك إِلَى الْخلاف فِي عرق الْكَافِر، وَقَالَ قوم: إِنَّه نجس بِنَاء على القَوْل بِنَجَاسَة عينة. قلت: مَا أبعد هَذَا الْكَلَام عَن الذَّوْق. فَكيف يتَوَجَّه مَا قَالَه: وَالْمُصَنّف قَالَ: بَاب عرق الْجنب؟ وَسكت عَلَيْهِ وَلم يشر إِلَى حكمه لَا فِي التَّرْجَمَة وَلَا فِي الَّذِي ذكره فِي هَذَا الْبَاب؟ وَفَائِدَة ذكر الْبَاب الْمَعْقُود بالترجمة ذكر مَا عقدت لَهُ التَّرْجَمَة، وإلَاّ فَلَا فَائِدَة فِي ذكرهَا، وَيُمكن أَن يُقَال؛ إِنَّه ذكر ترجمتين، والترجمة الثَّانِيَة تدل على أَن الْمُسلم طَاهِر، وَمن لَوَازِم طَهَارَته طَهَارَة عرقه، وَلَكِن لَا يخْتَص بعرق الْمُسلم، وَالْحَال أَن عرق الْكَافِر أَيْضا طَاهِر. قَوْله: (وَإِن الْمُسلم لَا ينجس) عطف على الْمُضَاف إِلَيْهِ، وَالتَّقْدِير: وَبَاب أَن الْمُسلم لَا ينجس.
وَذكر هَذَا الْبَاب بَين الْأَبْوَاب الْمُتَقَدّمَة والآتية لَا يَخْلُو عَن وَجه الْمُنَاسبَة، وَهُوَ ظَاهر.
٢٨٣ - حدّثنا عليُّ بنُ عَبْدِ اللَّهِ قالَ حدّثنا يَحَيى اقالَ حدّثنا حُمَيْدٌ قالَ حدّثنا بَكْرٌ عَنْ أبي رَافِعٍ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقِيهُ فِي بَعْضَ طِريقِ المَدِينَةِ وَهُوَ جُنَبٌ فانْخَنَسْتُ مِنْهُ فَذَهَبْتُ فاغْتَسَلْتُ ثُمَّ جاءَ فقالَ أيْنَ كُنْتَ يَا أبَا هُرَيْرَةَ قالَ كُنْتُ جُنُباً فَكَرِهْتُ أنْ أُجالِسَكَ وأَنَا عَلَى غَيْرِ طَهارَةٍ فقالَ سُبْحَانَ اللَّهِ إنَّ المُؤْمِنِ لَا يَنْجُسُ.
[/ ح.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute