أبي طَلْحَة مِمَّا خرق الله تَعَالَى بِهِ الْعَادة وبركة أحدثها الله عز وَجل، لَا ملك لأبي طَلْحَة عَلَيْهَا فَإِنَّمَا أطْعمهُم مِمَّا لَا يملكهُ فَلم يفْتَقر إِلَى اسْتِئْذَان. الثَّالِث: بِأَن يُقَال: إِن الأقراص جَاءَ بهَا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى مَسْجده ليأخذها مِنْهُ فَكَأَنَّهُ قبلهَا وَصَارَت ملكا لَهُ فَإِنَّمَا استدعى لطعام يملكهُ فَلَا يلْزمه أَن يسْتَأْذن فِي ملكه.
قَ الَ مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إسْمَاعِيلَ يَقُولُ: إذَا كَانَ القَوْمُ عَلَى المَائِدَةِ لَيْسَ لَهُمْ أنْ يُنَاوِلوا مِنْ مَائِدَةٍ إلَى مَائِدَةٍ أُخْرَى، وَلاكِنْ يُنَاوِلُ بَعْضُهُمْ بَعْضا فِي تِلْكَ المَائِدَةِ أوْ يَدَعُوا.
هَذَا لم يثبت فِي البُخَارِيّ إلَاّ عِنْد أبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي وَحده، وَمُحَمّد بن يُوسُف هُوَ الْفرْيَابِيّ وَمُحَمّد بن إِسْمَاعِيل هُوَ البُخَارِيّ، وروى مُحَمَّد هَذَا عَن البُخَارِيّ نَفسه هَذَا الْكَلَام قَالَه البُخَارِيّ استنباطا من اسْتِئْذَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الدَّاعِي فِي الرجل الطارىء، وَذَلِكَ أَن الَّذين دعوا لَهُم التَّصَرُّف فِي الطَّعَام الْمَدْعُو إِلَيْهِ بِخِلَاف من لم يدع فَافْهَم فَإِنَّهُ دَقِيق.
٥٤٣٤ - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ حدَّثنا سُفْيَانُ عَنِ الأعْمَشِ عَنْ أبِي وَائِلٍ عَنْ أبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ. قَالَ: كَانَ مِنَ الأنْصَارِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: أبُو شُعَيْبٍ، وَكَانَ لَهُ غُلامٌ لَحَّامٌ، فَقَالَ: اصْنَعْ لِي طَعاما أدْعُو رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَامِسَ خَمْسَةٍ، فَدَعا رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَامِسَ خَمْسَةٍ، فَتَبِعَهُمْ رَجُلٌ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إنَّكَ دَعَوْتَنَا خَامِسَ خَمْسَةٍ، وَهاذا رَجُلٌ قَدْ تَبِعَنا فَإنْ شِئْتَ أذَنْتَ لَهُ وَإنْ شِئْتَ تَرَكْتَهُ، قَالَ: بَلْ أذِنْتُ لَهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة، تُؤْخَذ من قَوْله: (أَدْعُو رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَامِس خَمْسَة) وَقد ذكرنَا أَنه تكلّف حَيْثُ حصر الْعدَد.
وَمُحَمّد ابْن يُوسُف هُوَ أَبُو أَحْمد البُخَارِيّ البيكندي، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان، وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة، وَأَبُو مَسْعُود عقبَة بن عمر والأنصاري البدري.
والْحَدِيث قد مر فِي الْبيُوع فِي: بَاب مَا قيل فِي اللحام والجزار، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عمر بن حَفْص عَن أَبِيه عَن الْأَعْمَش عَن شَقِيق عَن أبي مَسْعُود إِلَى آخِره، وَفِي الْمَظَالِم أَيْضا عَن أبي النُّعْمَان، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (اللحام) ، أَي: بياع اللَّحْم، وَتقدم فِي الْبيُوع بِلَفْظ: قصاب. قَوْله: (خَامِس خَمْسَة) ، مَعْنَاهُ: ادعو أَرْبَعَة أنفس وَيكون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خامسهم، يُقَال: خَامِس أَرْبَعَة وخامس خَمْسَة بِمَعْنى وَاحِد، وَفِي الْحَقِيقَة يكون الْمَعْنى الْخَامِس مصير الْأَرْبَعَة خَمْسَة، وانتصاب خَامِس على الْحَال وَيجوز الرّفْع تَقْدِير: ادعو رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ خَامِس خَمْسَة، وَالْجُمْلَة أَيْضا تكون حَالا، وَفِي رِوَايَة مُسلم عَن الْأَعْمَش: اصْنَع لنا طَعَاما لخمسة نفر. قَوْله: (فَتَبِعهُمْ رجل) ، وَفِي رِوَايَة أبي عوَانَة عَن الْأَعْمَش، فاتبعهم، بتَشْديد التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق بِمَعْنى: تَبِعَهُمْ، وَفِي رِوَايَة حَفْص بن غياث فجَاء مَعَهم رجل.
وَمثل هَذَا الرجل الَّذِي يتبع بِلَا دَعْوَة يُسمى طفيليا مَنْسُوبا إِلَى رجل من أهل الْكُوفَة يُقَال لَهُ: طفيل من بني عبد الله بن غطفان كَانَ يَأْتِي الولائم من غير أَن يدعى إِلَيْهَا، وَكَانَ يُقَال لَهُ: طفيل الأعراس، وَهَذِه الشُّهْرَة إِنَّمَا اشْتهر بهَا من كَانَ بِهَذِهِ الصّفة بعد الطُّفَيْل الْمَذْكُور. وَأما شهرته عِنْد الْعَرَب قَدِيما فَكَانُوا يسمونه: الوارش، بالشين الْمُعْجَمَة هَذَا إِذا دخل لطعام لم يدع إِلَيْهِ، فَإِن دخل لشراب لم يدع إِلَيْهِ يسمونه الواغل بالغين الْمُعْجَمَة.
قَوْله: (وَهَذَا رجل قد تبعنا) وَفِي رِوَايَة جرير وَأبي عوَانَة اتَّبعنَا، بِالتَّشْدِيدِ وَفِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة لم يكن مَعنا حِين دَعوتنَا.
قَوْله: (فَإِن شِئْت أَذِنت لَهُ) الخ وَفِي رِوَايَة أبي عوَانَة. فَإِن شِئْت أَن يرجع رَجَعَ، وَفِي رِوَايَة جرير، وَإِن شِئْت رَجَعَ، وَفِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة: أَنه اتَّبعنَا وَلم يكن مَعنا حِين دَعوتنَا فَإِن أَذِنت لَهُ دخل. قَوْله: (بل أَذِنت لَهُ) وَفِي رِوَايَة أبي أُسَامَة لَا بَلْ أَذِنت لَهُ وَفِي رِوَايَة جرير لَا بل ائْذَنْ لَهُ يَا رَسُول الله وَفِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة فقد أذنا لَهُ فَلْيدْخلْ.
وَفِيه فَوَائِد كَثِيرَة: قد ذَكرنَاهَا فِي بَاب مَا قيل فِي اللحام فِي كتاب الْبيُوع. فَإِن قلت: كَيفَ اسْتَأْذن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي هَذَا الحَدِيث على الرجل الَّذِي مَعَه، وَقَالَ فِي حَدِيث أبي طَلْحَة فِي (الصَّحِيح) لمن مَعَه. قومُوا؟ قلت: أُجِيب بأجوبة: الأول: أَنه علم من أبي طَلْحَة رِضَاهُ بذلك فَلم يسْتَأْذن وَلم يعلم رضَا أبي شُعَيْب فاستأذنه. الثَّانِي: أَن أكل الْقَوْم عِنْد أبي طَلْحَة مِمَّا خرق الله تَعَالَى بِهِ الْعَادة وبركة أحدثها الله عز وَجل، لَا ملك لأبي طَلْحَة عَلَيْهَا فَإِنَّمَا أطْعمهُم مِمَّا لَا يملكهُ فَلم يفْتَقر إِلَى اسْتِئْذَان. الثَّالِث: بِأَن يُقَال: إِن الأقراص جَاءَ بهَا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى مَسْجده ليأخذها مِنْهُ فَكَأَنَّهُ قبلهَا وَصَارَت ملكا لَهُ فَإِنَّمَا استدعى لطعام يملكهُ فَلَا يلْزمه أَن يسْتَأْذن فِي ملكه.
قَ الَ مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إسْمَاعِيلَ يَقُولُ: إذَا كَانَ القَوْمُ عَلَى المَائِدَةِ لَيْسَ لَهُمْ أنْ يُنَاوِلوا مِنْ مَائِدَةٍ إلَى مَائِدَةٍ أُخْرَى، وَلاكِنْ يُنَاوِلُ بَعْضُهُمْ بَعْضا فِي تِلْكَ المَائِدَةِ أوْ يَدَعُوا.
هَذَا لم يثبت فِي البُخَارِيّ إلَاّ عِنْد أبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي وَحده، وَمُحَمّد بن يُوسُف هُوَ الْفرْيَابِيّ وَمُحَمّد بن إِسْمَاعِيل هُوَ البُخَارِيّ، وروى مُحَمَّد هَذَا عَن البُخَارِيّ نَفسه هَذَا الْكَلَام قَالَه البُخَارِيّ استنباطا من اسْتِئْذَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الدَّاعِي فِي الرجل الطارىء، وَذَلِكَ أَن الَّذين دعوا لَهُم التَّصَرُّف فِي الطَّعَام الْمَدْعُو إِلَيْهِ بِخِلَاف من لم يدع فَافْهَم فَإِنَّهُ دَقِيق.
٣٥ - (بَابُ: {مَنْ أضَافَ رَجُلاً إلَى طَعَامٍ وَأَُقْبَلَ هُوَ عَلَى عَمَلِهِ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حَال من أضَاف رجلا إِلَى طَعَام لَا يتَعَيَّن عَلَيْهِ أَن يَأْكُل مَعَ الْمَدْعُو بل لَهُ أَن يقبل على عمله وَيتْرك الْمَدْعُو يشْتَغل بِمَا قدمه إِلَيْهِ.
٥٤٣٥ - حدَّثني عَبْدُ الله بنُ مُنِيرٍ سَمِعَ النَّضْرَ أخْبَرنا ابنُ عَوْنٍ قَالَ: أخْبَرَنِي ثَمَامَةُ بنُ عَبْدِ الله بنِ أنَسٍ عَنْ أنَسٍ، رَضِيَ الله عَنهُ، قَالَ: كُنْتُ غُلاما أمْشِي مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَدَخَلَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَلَى غُلامٍ لَهُ خَيَّاطٍ، فَأتاهُ بِقَصْعَةٍ فِيهَا طَعَام وَعَلَيْهِ دُبَّاءٌ فَجَعَلَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَتَتَبَّعُ الدُّبَاءَ قَالَ: فَلَمَّا رَأيْتُ ذالِكَ جَعَلْتُ أجْمَعُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ: فَأقْبَلَ الغُلامُ عَلَى عَمَلِهِ، قَالَ أنَسٌ: لَا أزَالُ أُحِبُّ الدُّبَاءَ بَعْدَ مَا رَأيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَنَعَ مَا صَنَعَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْغُلَام لما وضع الْقَصعَة بَين يَدي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، واشتغل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يتتبعُ الدُّبَّاء مِنْهَا أقبل الْغُلَام على عمله، وَقَالَ ابْن بطال: لَا أعلم فِي اشْتِرَاط أكل الدَّاعِي مَعَ الضَّيْف إلَاّ أَنه أبسط لوجهه وأذهب لاحتشامه، فَمن فعل فَهُوَ أبلغ فِي قرى الضَّيْف، وَمن ترك فَهُوَ جَائِز.
وَعبد الله بن مُنِير بِضَم الْمِيم على وزن اسْم فَاعل من أنار، وَالنضْر بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة ابْن شُمَيْل، يروي عَن عبد الله بن عون، وثمامة بِضَم الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَتَخْفِيف الْمِيم وَكلهمْ قد ذكرُوا عَن قريب.
والْحَدِيث أَيْضا قد مر فِي: بَاب الثَّرِيد، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
٣٦ - (بَابُ: {المَرَقِ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر المرق، وَترْجم بِهِ إِشَارَة إِلَى أَن لَهُ فضلا على الطَّعَام الثخين، وَلِهَذَا كَانَ السّلف يَأْكُلُون الطَّعَام الممرق، وَفِي مُسلم من حَدِيث أبي ذَر، رَفعه: إِذا طبخت قدرا فَأكْثر مرقها. وَفِيه: فليطعم جِيرَانه، وَقد أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بإكثار المرق بِقصد التَّوسعَة على الْجِيرَان وَأهل الْبَيْت والفقراء وَالْأَمر فِيهِ مَحْمُول على النّدب، وَقد روى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عَلْقَمَة بن عبد الله الْمُزنِيّ عَن أَبِيه. قَالَ: قَالَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا اشْترى أحدكُم لَحْمًا فليكثر مرقته فَإِن لم يجد لَحْمًا أصَاب مرقة) وَهُوَ أحد اللحمين. وروى أَيْضا من حَدِيث أبي ذَر مَرْفُوعا. وَفِيه: إِذا اشْتريت لَحْمًا أَو طبخت قدرا فَأكْثر مرقته وأغرف لجارك مِنْهُ.
٥٤٣٦ - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ إسْحَاقَ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبِي طَلْحَةَ أنَّهُ سَمِعَ أنَسَ بنَ مَالِكٍ أنَّ خيَّاطا دعَا النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لِطَعامٍ صَنَعَهُ، فَذَهَبْتُ مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ