مَا دَامَ حَيا لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا شمت أحد الْمُنَافِقين وَالْيَهُود قَالَ: يهديكم الله وَيصْلح بالكم، وَقد يعْمل الرجل بِعَمَل أهل النَّار وَيخْتم لَهُ بِعَمَل أهل الْجنَّة، وَفِيه: تَصْحِيح القَوْل بِدَلِيل الْخطاب لاستعمال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ، وَذَلِكَ أَن إخْبَاره تَعَالَى أَنه لَا يغْفر لَهُ وَلَو اسْتغْفر لَهُ سبعين مرّة، يحْتَمل أَنه لَو زَاد عَلَيْهَا كَانَ يغْفر لَهُ، لَكِن لما شهد الله تَعَالَى أَنه كَافِر بقوله تَعَالَى: {ذَلِك بِأَنَّهُم كفرُوا بِاللَّه وبرسوله} (التَّوْبَة: ٠٨) . دلّت هَذِه الْآيَة على تَغْلِيب أحد الِاحْتِمَالَيْنِ، وَهُوَ أَنه لَا يغْفر لَهُ لكفره، فَلذَلِك أمسك صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الدُّعَاء لَهُ. وَفِي إقدام عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على مُرَاجعَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْفِقْه أَن الْوَزير الْفَاضِل الناصح لَا حرج عَلَيْهِ فِي إِن يخبر سُلْطَانه بِمَا عِنْده من الرَّأْي، وَإِن كَانَ مُخَالفا لرأيه، وَكَانَ عَلَيْهِ فِيهِ بعض الخفاء إِذا علم فضل الْوَزير وثقته وَحسن مذْهبه، فَإِنَّهُ لَا يلْزمه اللوم على مَا يُؤَدِّيه إِلَيْهِ اجْتِهَاده، وَلَا يتَوَجَّه إِلَيْهِ سوء الظَّن، وَإِن صَبر السُّلْطَان على ذَلِك من تَمام فَضله، أَلا يرى سُكُوته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن عمر وَتَركه الْإِنْكَار عَلَيْهِ، وَفِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أكبر الأسوة.
٥٨ - (بابُ ثَنَاءِ النَّاسِ علَى المَيِّتِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَشْرُوعِيَّة ثَنَاء النَّاس على الْمَيِّت، وَالثنَاء عَلَيْهِ بِأَن يذكر عَنهُ من أَوْصَاف جميلَة وخصال حميدة.
٧٦٣١ - حدَّثنا آدَمُ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ صُهَيْبٍ قَالَ سَمِعْتُ أنَسَ بنَ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يَقُولُ مَرُّوا بِجَنَازَةٍ فأثْنُوا عَلَيْهَا خَيْرا فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجَبَتْ ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرى فأثْنُوا عَلَيْهَا شَرّا فَقَالَ وَجَبَتْ فقالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ مَا وَجَبَتْ قَالَ هاذا أثْنَيْتُمْ عليهِ خَيْرا فَوَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ وَهاذا أثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ أنْتُمْ شُهَدَاءُ الله فِي الأرْضِ.
(الحَدِيث ٧٦٣١ طرفه فِي: ٢٤٦٢) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَأَثْنوا عَلَيْهَا خيرا) . وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وآدَم هُوَ ابْن إِيَاس.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (مروا بِجنَازَة) ، ويروى: (مر بِجنَازَة) ، بِضَم الْمِيم على صِيغَة الْمَجْهُول: (فَأَثْنوا عَلَيْهَا) أَي: على الْجِنَازَة، وأثنوا من الثَّنَاء: بالثاء الْمُثَلَّثَة بعْدهَا النُّون وبالمد، وَهُوَ يسْتَعْمل فِي الْخَيْر وَلَا يسْتَعْمل فِي الشَّرّ، وَقيل: يسْتَعْمل فيهمَا، وَقيل: اسْتِعْمَال الثَّنَاء فِي الشَّرّ لُغَة شَاذَّة. فَإِن قلت: قد عرفت أَن الثَّنَاء الممدودة لَا يسْتَعْمل إلَاّ فِي الْخَيْر، وَكَيف وَقد اسْتعْمل فِي الشَّرّ فِي كَلَام الفصيح؟ قلت: قد قيل هَذَا على اللُّغَة الشاذة، وَالْأَحْسَن أَن يُقَال: اسْتعْمل هَذَا لأجل المشاكلة والتجانس كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَجَزَاء سَيِّئَة سَيِّئَة مثلهَا} (الشورى: ٠٤) . وَأخرج مُسلم هَذَا الحَدِيث من حَدِيث ابْن علية عَن عبد الْعَزِيز بن صُهَيْب (عَن أنس بن مَالك، قَالَ: مر بِجنَازَة فَأثْنى عَلَيْهَا خيرا، فَقَالَ نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (وَجَبت وَجَبت وَجَبت، وَمر بِجنَازَة فَأثْنى عَلَيْهَا شرا، فَقَالَ نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَجَبت وَجَبت وَجَبت) الحَدِيث، وَفِي آخِره: (أَنْتُم شُهَدَاء الله فِي الأَرْض، أَنْتُم شُهَدَاء الله فِي الأَرْض، أَنْتُم شُهَدَاء الله فِي الأَرْض. .) وَأخرج الْحَاكِم من حَدِيث النَّضر بن أنس: (كنت قَاعِدا عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمر بِجنَازَة فَقَالَ: مَا هَذِه الْجِنَازَة؟ قَالُوا: جَنَازَة فلَان الْفُلَانِيّ، كَانَ يحب الله وَرَسُوله وَيعْمل بِطَاعَة الله وَيسْعَى فِيهَا، فَقَالَ: وَجَبت وَجَبت وَجَبت. وَمر بِجنَازَة أُخْرَى فَقَالَ: مَا هَذِه الْجِنَازَة؟ قَالُوا: جَنَازَة فلَان الْفُلَانِيّ، كَانَ يبغض الله وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيعْمل بِمَعْصِيَة الله وَيسْعَى فِيهَا، فَقَالَ: وَجَبت وَجَبت وَجَبت. قَالُوا: يَا رَسُول الله، قَوْلك فِي الْجِنَازَة وَالثنَاء عَلَيْهَا أثني على الأول خير، وعَلى الآخر شَرّ، فَقلت فيهمَا وَجَبت وَجَبت وَجَبت، فَقَالَ: نعم يَا أَبَا بكر، إِن لله مَلَائِكَة ينْطق على لِسَان بني آدم بِمَا فِي الْمَرْء من الْخَيْر وَالشَّر) . وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح على شَرط مُسلم وَلم يخرجَاهُ بِهَذَا اللَّفْظ، وَفِي هَذَا الحَدِيث تَفْسِير مَا أبهم من الْخَيْر وَالشَّر فِي حَدِيث الْبَاب، وروى الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث كَعْب بن عجْرَة: (أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِجنَازَة فَقيل: هَذَا بئس الرجل، وأثنوا عَلَيْهِ شرا، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تعلمُونَ ذَلِك؟ قَالُوا نعم. قَالَ: وَجَبت، وَقَالَ فِي الَّتِي أثنوا عَلَيْهَا خيرا كَذَلِك) . وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، قَالَ: (مروا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute