مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله:(وَلَا تصل على أحد مِنْهُم) لِأَن قَوْله: (لَا تصل) نهي، وَالنَّهْي يَقْتَضِي الْكَرَاهَة. فَإِن قلت: من التَّرْجَمَة قَوْله: وَالِاسْتِغْفَار للْمُشْرِكين وَلَيْسَ فِي حَدِيث الْبَاب مَا يدل على النَّهْي عَن الاسْتِغْفَار للْمُشْرِكين؟ قلت: فِي قَوْله: (حَتَّى نزلت الْآيَات) مَا يدل على ذَلِك، لِأَن من جملَة الْآيَات قَوْله: تَعَالَى: {اسْتغْفر لَهُم أَو لَا تستغفر لَهُم إِن تستغفر لَهُم سبعين مرّة فَلَنْ يغْفر الله لَهُم}(التَّوْبَة: ٠٨) . الْآيَة، وَقَوله:{فَلَنْ يغْفر الله لَهُم}(التَّوْبَة: ٠٨) . يدل على منع الاسْتِغْفَار لَهُم.
ذكر رِجَاله: وهم سَبْعَة: الأول: يحيى بن بكير، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة، وَقد مر. الثَّانِي: اللَّيْث بن سعد. الثَّالِث: عقيل، بِضَم الْعين: ابْن خَالِد. الرَّابِع: مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب. الْخَامِس: عبيد الله، بِضَم الْعين: ابْن عبد الله، بِفَتْح الْعين: ابْن عُيَيْنَة بن مَسْعُود أحد الْفُقَهَاء السَّبْعَة. السَّابِع: عمر بن الْخطاب.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي خَمْسَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه مَنْسُوب إِلَى جده لِأَنَّهُ يحيى بن عبد الله بن بكير، وَهُوَ وَاللَّيْث مصريان، وَعقيل أيلي وَابْن شهَاب وَعبيد الله مدنيان. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ. وَفِيه: رِوَايَة الصَّحَابِيّ عَن الصَّحَابِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن عبد بن حميد. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن عمار وَمُحَمّد بن رَافع، وَفِي الْجَنَائِز عَن مُحَمَّد ابْن عبد الله بن الْمُبَارك. وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا من طَرِيق ابْن عمر فِي: بَاب الْكَفَن فِي الْقَمِيص، عَن مُسَدّد عَن يحيى عَن سعيد بن عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى، وَنَذْكُر هُنَا بعض شَيْء.
قَوْله:(دعِي) ، على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله:(أَتُصَلِّي عَلَيْهِ؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام. قَوْله:(أعدد عَلَيْهِ قَوْله) أَي: أعد على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَول عبد الله ابْن أبي من أَقْوَاله القبيحة فِي حق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْمُؤمنِينَ. قَوْله:(فَلَمَّا أكثرت عَلَيْهِ) ، أَي: فَلَمَّا زِدْت الْكَلَام على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (إِنِّي خيرت) على صِيغَة الْمَجْهُول، وَذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى:{اسْتغْفر لَهُم أَو لَا تستغفر لَهُم إِن تستغفر لَهُم سبعين مرّة فَلَنْ يغْفر الله لَهُم}(التَّوْبَة: ١٨) . قَوْله: قَوْله: (حَتَّى نزلت (فاخترت) أَي الاسْتِغْفَار الْآيَات) ، ويروى: حَتَّى نزلت الْآيَتَانِ الأولى. قَوْله تَعَالَى:{وَلَا تصل عَليّ أحد مِنْهُم مَاتَ أبدا وَلَا تقم على قَبره إِنَّهُم كفرُوا بِاللَّه وَرَسُوله وماتوا وهم فَاسِقُونَ}(التَّوْبَة: ٤٨) . وَالْآيَة الثَّانِيَة هِيَ قَوْله:{اسْتغْفر لَهُم}(التَّوْبَة: ٠٨) . الْآيَة، وَأما على رِوَايَة الْآيَات فَمن قَوْله:{اسْتغْفر لَهُم}(التَّوْبَة: ٠٨) . إِلَى قَوْله:{وهم فَاسِقُونَ}(التَّوْبَة: ٤٨) . .
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: قَالَ الدَّاودِيّ: هَذِه الْآيَات فِي قوم بأعيانهم يدل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {وَمِمَّنْ حَوْلكُمْ من الْأَعْرَاب}(التَّوْبَة: ٠٢١) . الْآيَة، فَلم ينْه عَمَّا لم يعلم، وَكَذَلِكَ إخْبَاره لِحُذَيْفَة بسبعة عشر من الْمُنَافِقين، وَقد كَانُوا يناكحون الْمُسلمين ويوارثونهم وَيجْرِي عَلَيْهِم حكم الْإِسْلَام لاستتارهم بكفرهم، وَلم ينْه النَّاس عَن الصَّلَاة عَلَيْهِم، إِنَّمَا نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنهُ وَحده، وَكَانَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ينظر إِلَى حُذَيْفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، فَإِن شهد جَنَازَة مِمَّن يظنّ بِهِ شهد، وإلَاّ لم يشهده، وَلَو كَانَ أمرا ظَاهرا لم يسره الشَّارِع إِلَى حُذَيْفَة، وَذكر عَن الطَّبَرِيّ أَنه يجب ترك الصَّلَاة على معلن الْكفْر ومسره، بِهَذَا قَالَ، فَأَما الْمقَام على قَبره فَغير محرم بل جَائِز لوَلِيِّه الْقيام عَلَيْهِ لإصلاحه وَدَفنه، وَبِذَلِك صَحَّ الْخَبَر، وَعمل بِهِ أهل الْعلم. وَفِي (التَّوْضِيح) : وَهَذَا خلاف مَا قدمنَا. أَن ولد الْكَافِر لَا يدفنه وَلَا يحضر دَفنه، وَفِي (النَّوَادِر) عَن ابْن سِيرِين: مَا حرم الله الصَّلَاة على أحد من أهل الْقبْلَة إِلَّا على ثَمَانِيَة عشر رجلا من الْمُنَافِقين، وَقد قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لعَلي، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ:(إذهب فواره) يَعْنِي أَبَاك، وروى سعيد بن جُبَير، قَالَ: مَاتَ رجل يَهُودِيّ وَله ابْن مُسلم، فَذكر ذَلِك لِابْنِ عَبَّاس، فَقَالَ: كَانَ يَنْبَغِي أَن يمشي مَعَه ويدفنه وَيَدْعُو لَهُ بِالصَّلَاةِ مَا دَامَ حَيا، فَإِذا مَاتَ وَكله إِلَى أشباهه، ثمَّ قَرَأَ:{وَمَا كَانَ اسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ إِلَّا عَن موعدة}(التَّوْبَة: ٤١١) . الْآيَة، وَقَالَ النَّخعِيّ: توفيت أم الْحَارِث بن عبد الله بن أبي ربيعَة وَهِي نَصْرَانِيَّة، فاتبعها أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تكرمة لِلْحَارِثِ وَلم يصلوا عَلَيْهَا، ثمَّ فرض على جَمِيع الآمة أَن لَا يدعوا لِمُشْرِكٍ وَلَا يَسْتَغْفِرُوا لَهُ إِذا مَاتَ على شركه، قَالَ تَعَالَى:{مَا كَانَ للنَّبِي وَالَّذين آمنُوا ... }(التَّوْبَة: ٣١١) . الْآيَة، وَقد بَين الله تَعَالَى عذر إِبْرَاهِيم فِي استغفاره لِأَبِيهِ فَقَالَ:{إلَاّ عَن موعدة وعدها إِيَّاه}(التَّوْبَة: ٤١١) . فَدَعَا لَهُ وَهُوَ يَرْجُو إنابته ورجوعه إِلَى الْإِيمَان:{فَلَمَّا تبين لَهُ أَنه عَدو لله تَبرأ مِنْهُ}(التَّوْبَة: ٤١١) . فَفِي هَذَا من الْفِقْه أَنه جَائِز أَن يدعى لكل من يُرْجَى من الْكفَّار إنابته بالهداية