أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الرجل الَّذِي يَقْتَدِي بِالْإِمَامِ ويقتدي النَّاس بالمأموم الَّذِي اقْتدى بِالْإِمَامِ، وَالَّذِي يظْهر من هَذِه التَّرْجَمَة أَن البُخَارِيّ يمِيل إِلَى مَذْهَب الشّعبِيّ فِي ذَلِك، لِأَن الشّعبِيّ يرى أَن الْجَمَاعَة يتحملون عَن بَعضهم بَعْضًا مَا يتحمله الإِمَام، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَنه قَالَ، فِيمَن أحرم قبل أَن يرفع الصَّفّ الَّذِي يَلِيهِ رؤوسهم من الرَّكْعَة: إِنَّه أدْركهَا، وَلَو كَانَ الإِمَام رفع قبل ذَلِك، لِأَن بَعضهم لبَعض أَئِمَّة، فَهَذَا يدل على أَن كل وَاحِد من الْجَمَاعَة إِمَام للْآخر، مَعَ كَونهم مأمومين، وَأَنه لَيْسَ المُرَاد أَنه يأتم بِالْإِمَامِ ويأتم النَّاس بِهِ فِي التَّبْلِيغ فَقَط. فَإِن قلت: ظَاهر حَدِيث الْبَاب السَّابِق يدل على أَن النَّاس كَانُوا مَعَ أبي بكر فِي مقَام التَّبْلِيغ حَيْثُ قَالَ فِيهِ: (وَأَبُو بكر يسمع النَّاس فِيهِ) . قلت: إسماع أبي بكر لَهُم التَّكْبِير جُزْء من أَجزَاء مَا يأتمون بِهِ فِيهِ، وَلَيْسَ فِيهِ نفي لغيره، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق عبد الله بن دَاوُد عَن الْأَعْمَش فِي حَدِيث الْبَاب السَّابِق، وَفِيه:(وَالنَّاس يأتمون بِأبي بكر، وَأَبُو بكر يسمعهم) . وَمِمَّا يُؤَكد أَن ميل البُخَارِيّ إِلَى مَذْهَب الشّعبِيّ كَونه صدر هَذَا الْبَاب بِالْحَدِيثِ الْمُعَلق، فَإِنَّهُ صَرِيح فِي أَن الْقَوْم يأتمون بِالْإِمَامِ فِي الصَّفّ الأول، وَمن بعدهمْ يأتمون بهم، كَمَا نذكرهُ عَن قريب.
ويُذْكَرُ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ائْتَمُّوا بِي ولْيَأتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ
هَذَا التَّعْلِيق أخرجه مُسلم فِي (صَحِيحه) عَن الدَّارمِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله الرقاشِي حَدثنَا بشر بن مَنْصُور عَن الْجريرِي عَن أبي نَضرة (عَن أبي سعيد: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى فِي أَصْحَابه تأخرا، فَقَالَ لَهُم: تقدمُوا فأئتموا بِي، وليأتم بكم من بعدكم، وَلَا يزَال قوم يتأخرون حَتَّى يؤخرهم الله تَعَالَى) ، وَأخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا: حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل وَمُحَمّد بن عبد الله الْخُزَاعِيّ، قَالَا: حَدثنَا أَبُو الْأَشْهب عَن أبي نَضرة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ ... الحَدِيث، وَأخرجه النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه أَيْضا.
قَوْله:(ائتموا بِي) خطاب لأهل الصَّفّ الأول. قَوْله:(وليأتم بكم من بعدكم) مَعْنَاهُ عِنْد الْجُمْهُور: يستدلون بأفعالكم على أفعالي، لَا أَنهم يقتدون بهم، فَإِن الِاقْتِدَاء لَا يكون إِلَّا لإِمَام وَاحِد، وَمذهب من يَأْخُذ بِظَاهِرِهِ وَقد ذَكرْنَاهُ الْآن.