مِنْهَا فَلذَلِك لم يتْرك قيام اللَّيْل بعد ذَلِك وَقَالَ الْمُهلب السِّرّ فِي ذَلِك كَون عبد الله كَانَ ينَام فِي الْمَسْجِد وَمن حق الْمَسْجِد أَن يتعبد فِيهِ فنبه على ذَلِك بالتخويف بالنَّار قَوْله " لَو كَانَ يُصَلِّي " كلمة لَو لِلتَّمَنِّي لَا للشّرط وَلذَلِك لم يذكر لَهَا جَوَاب. (ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) فِيهِ قصّ الرُّؤْيَا على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِأَنَّهَا من الْوَحْي وَهِي جُزْء من سِتَّة وَأَرْبَعين جُزْء من النُّبُوَّة كَمَا نطق بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. وَفِيه تمني الرُّؤْيَا الصَّالِحَة ليعرف صَاحبهَا مَا لَهُ عِنْد الله وتمني الْخَيْر وَالْعلم والحرص عَلَيْهِ. وَفِيه جَوَاز النّوم فِي الْمَسْجِد وَلَا كَرَاهَة فِيهِ عِنْد الشَّافِعِي وَقَالَ التِّرْمِذِيّ وَقد رخص قوم من أهل الْعلم فِيهِ وَقَالَ ابْن عَبَّاس لَا تتخذه مَيتا وَلَا مقيلا وَذهب إِلَيْهِ قوم من أهل الْعلم وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ وَذَلِكَ لمن كَانَ لَهُ مأوى فَأَما الْغَرِيب فَهُوَ دَاره والمعتكف فَهُوَ بَيته وَيجوز للْمَرِيض أَن يَجعله الإِمَام فِي الْمَسْجِد إِذا أَرَادَ افتقاده كَمَا كَانَت الْمَرْأَة صَاحِبَة الوشاح سَاكِنة فِي الْمَسْجِد وكما ضرب الشَّارِع قبَّة لسعد رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي الْمَسْجِد حِين سَالَ الدَّم من جرحه وَمَالك وَابْن الْقَاسِم يكرهان الْمبيت فِيهِ للحاضر الْقوي وَجوزهُ ابْن الْقَاسِم للضعيف الْحَاضِر. وَفِيه رُؤْيَة الْمَلَائِكَة فِي الْمَنَام وتحذيرهم للرائي لقَوْله " فَرَأَيْت ملكَيْنِ أخذاني ". وَفِيه الانطلاق بالصالح إِلَيْهَا فِي الْمَنَام تخويفا. وَفِيه السّتْر على مُسلم وَترك غيبته وَذَلِكَ قَوْله " وَإِذا فِيهَا أنَاس قد عرفتهم " إِنَّمَا أخبر بهم على الْإِجْمَال ليزدجروا وَسكت عَن بيانهم لِئَلَّا يغتابهم إِن كَانُوا مُسلمين وَلَيْسَ ذَلِك مِمَّا يخْتم عَلَيْهِم بالنَّار وَإِمَّا أَن يكون ذَلِك تحذيرا كَمَا حذر ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا وَفِيه القص على الْمَرْأَة وَفِيه تَبْلِيغ حَفْصَة وَفِيه قبُول خبر الْمَرْأَة. وَفِيه استحياء ابْن عمر عَن قصه على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِنَفسِهِ. وَفِيه فَضِيلَة قيام اللَّيْل وَعَلِيهِ بوب البُخَارِيّ هَذَا الْبَاب. وَفِيه أَن قيام اللَّيْل منج من النَّار. وَفِيه فضل عبَادَة الشَّاب. وَفِيه مدح لِابْنِ عمر. وَفِيه تَنْبِيه على صَلَاحه. وَفِيه كَرَاهَة كَثْرَة النّوم بِاللَّيْلِ وروى سعيد عَن يُوسُف بن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن أَبِيه عَن جَابر مَرْفُوعا " قَالَت أم سُلَيْمَان لِسُلَيْمَان يَا بني لَا تكْثر النّوم بِاللَّيْلِ فَإِن كَثْرَة النّوم بِاللَّيْلِ تدع الرجل فَقِيرا يَوْم الْقِيَامَة " وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال -
٣ - (بابُ طُولِ السجُودِ فِي قِيامِ اللَّيْلِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل طول السُّجُود فِي صَلَاة اللَّيْل.
٣٢١١ - حدَّثنا أبُو اليَمَانِ قَالَ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبرنِي عُرْوَةُ أنَّ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أخبَرَتْهُ أنَّ رسولَ الله كانَ يُصَلِّي إحْدَى عَشْرَةَ ركْعَةً كانَتْ تِلْكَ صَلَاتَهُ يَسْجُدُ السَّجْدَةَ مِنْ ذالِكَ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ أحَدُكُمْ خَمْسِينَ آيَةً قَبْلَ أنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الفَجْرِ ثُمَّ يَضْطَجِعُ عَلَى شِقِّهِ الأيْمَنِ حتَّى يَأْتِيِهِ المُنَادِي لِلصَّلَاةِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (يسْجد السَّجْدَة من ذَلِك قدر مَا يقْرَأ أحدكُم خمسين آيَة قبل أَن يرفع رَأسه) ، فَإِن هَذَا الْمِقْدَار من الْقِرَاءَة فِي السَّجْدَة يدل على طول السَّجْدَة، والْحَدِيث أخرجه فِي: بَاب مَا جَاءَ فِي الْوتر، بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد عَن أبي الْيَمَان الحكم بن نَافِع عَن شُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ إِلَى آخِره، نَحوه، غير أَن لَفظه هُنَاكَ: (حَتَّى يَأْتِيهِ الْمُؤَذّن) ، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى. قَوْله: (تِلْكَ) أَي: أحد عشرَة، والتعريف فِي السَّجْدَة للْجِنْس، فَيحْتَمل تنَاوله لكل سَجدَات تِلْكَ الصَّلَاة، وَالتَّاء الَّتِي فِيهَا لَا تنافيها. قَوْله: (قدر) ، مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض أَي: بِقدر. قَوْله: (للصَّلَاة) أَي: لصَلَاة الصُّبْح. وَقَالَ ابْن بطال: مَا طول سُجُوده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قيام اللَّيْل، فَذَلِك لاجتهاده فِيهِ بِالدُّعَاءِ والتضرع إِلَى الله تَعَالَى، فَإِن ذَلِك أبلغ أَحْوَال التَّوَاضُع والتذلل إِلَيْهِ، وَكَانَ ذَلِك شكرا على مَا أنعم الله بِهِ عَلَيْهِ، وَقد كَانَ غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر فِيهِ الأسوة الْحَسَنَة، وَكَانَ السّلف يَفْعَلُونَ ذَلِك، وَقَالَ يحيى بن وثاب: كَانَ ابْن الزبير، رَحمَه الله تَعَالَى، يسْجد حَتَّى تنزل العصافير على ظَهره كَأَنَّهُ حَائِط.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute