شَيْئاً يدَاً بِيَدٍ ونَسِيئَةٍ فجاءَنا البُراءُ بنُ عازِبٍ فَسَألْناهُ فَقَالَ فَعلْتُ أَنا وشَرِيكي زَيْدُ بن أرْقَمَ فسألْنَا النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنْ ذالِكَ فَقَالَ مَا كانَ يَداً بِيَدٍ فَخُذُوهُ وَمَا كانَ نَسيئَةً فَذَرُوهُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (اشْتريت أَنا وَشريك لي شَيْئا) ، وَذَلِكَ لِأَن أَبَا الْمنْهَال وشريكه كَانَا يشتريان شَيْئا من الذَّهَب وَالْفِضَّة يدا بيد ونسيئة، وَكَانَا شَرِيكَيْنِ فيهمَا، فسألا عَن حكم ذَلِك لِأَنَّهُ صرف، ثمَّ عملا بِمَا بلغهما من النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِن مَا كَانَ يدا بيد فَهُوَ جَائِز، وَمَا كَانَ نَسِيئَة فَلَا يجوز.
والْحَدِيث مر فِي أَوَائِل الْبيُوع فِي: بَاب التِّجَارَة فِي الْبر، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ من طَرِيقين: الأول: عَن أبي عَاصِم عَن ابْن جريج عَن عَمْرو بن دِينَار عَن ابْن المنهار، وَالْآخر: عَن الْفضل بن يَعْقُوب عَن الْحجَّاج بن مُحَمَّد ... إِلَى آخِره، وَهنا أخرجه: عَن عَمْرو، بِفَتْح الْعين: ابْن عَليّ بن بَحر أبي حَفْص الْبَاهِلِيّ الْبَصْرِيّ الصَّيْرَفِي عَن أبي عَاصِم النَّبِيل، واسْمه: الضَّحَّاك بن مخلد، وَهُوَ شيخ البُخَارِيّ أَيْضا، وروى عَنهُ هُنَا بِوَاسِطَة، وَكَذَلِكَ فِي عدَّة مَوَاضِع يروي عَنهُ بِوَاسِطَة، وَفِي مَوَاضِع يروي عَنهُ بِلَا وَاسِطَة، وَعُثْمَان هُوَ ابْن الْأسود ابْن مُوسَى بن باذان الْمَكِّيّ. وَقَوله: (يَعْنِي: ابْن الْأسود) إِشْعَار مِنْهُ بِأَن شَيْخه لم يقل إلَاّ عُثْمَان فَقَط، وَأما ذكر نسبه فَهُوَ مِنْهُ، وَهَذَا من جملَة الاحتياطات،. وَسليمَان بن أبي مُسلم هُوَ الْأَحول، مر فِي التَّهَجُّد، وَأَبُو الْمنْهَال، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون النُّون وباللام: عبد الرَّحْمَن.
قَوْله: (شَيْئا يدا بيد ونسيئة) وَلَفظه فِي كتاب الْبيُوع: كنت أتجر فِي الصّرْف. قَوْله: (فَخُذُوهُ) ، بِالْفَاءِ وَكَذَلِكَ: فذروه، بِالْفَاءِ، ويروى: ذروه، بِدُونِ الْفَاء، وَذَلِكَ لِأَن الِاسْم الْمَوْصُول بِالْفِعْلِ المتضمن للشّرط يجوز فِيهِ دُخُول الْفَاء فِي خَبره وَيجوز تَركه. قَوْله: (فذروه) ، بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الرَّاء، أَي: اتركوه، وَهُوَ من الْأَفْعَال الَّتِي أمات الْعَرَب ماضيها، وَهَذِه هِيَ رِوَايَة كَرِيمَة، وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: فَردُّوهُ، بِضَم الرَّاء وَتَشْديد الدَّال من الرَّد.
وَفِيه: رد مَا لَا يجوز وَهُوَ النَّسِيئَة وَهُوَ التَّأْخِير، فَلَا يجوز شَيْء من الصّرْف نَسِيئَة، وَإِنَّمَا يجوز يدا بيد، وَقد مر.
١١ - (بابُ مُشَارَكَةِ الذِّمِّيِّ والْمُشْرِكِينَ فِي الْمُزَارَعَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم مُشَاركَة الذِّمِّيّ وَالْمُشْرِكين الْمُسلم فِي الْمُزَارعَة. قَوْله: (وَالْمُشْرِكين) من بَاب عطف الْعَام على الْخَاص، على أَن المُرَاد من الْمُشْركين هم المستأمنون، فيكونون فِي معنى أهل الذِّمَّة، وَأما الْمُشرك الْحَرْبِيّ فَلَا تتَصَوَّر الشّركَة بَينه وَبَين الْمُسلم فِي دَار الْإِسْلَام، على مَا لَا يخفى، وَحكمهَا أَنَّهَا تجوز، لِأَن هَذِه الْمُشَاركَة فِي معنى الْإِجَارَة واستئجار أهل الذِّمَّة جَائِز، وَأما مُشَاركَة الذِّمِّيّ مَعَ الْمُسلم فِي غير الْمُزَارعَة فَعِنْدَ مَالك: لَا يجوز إلَاّ أَن يتَصَرَّف الذِّمِّيّ بِحَضْرَة الْمُسلم، أَو يكون الْمُسلم هُوَ الَّذِي يتَوَلَّى البيع وَالشِّرَاء، لِأَن الذِّمِّيّ قد يتجر فِي الرِّبَا وَالْخمر وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لَا يحل للْمُسلمِ، وَأما أَخذ أَمْوَالهم فِي الْجِزْيَة فللضرورة، إِذْ لَا مَال لَهُم غَيره، وروى مَا قَالَه مَالك عَن عَطاء وَالْحسن الْبَصْرِيّ، وَبِه قَالَ اللَّيْث وَالثَّوْري وَأحمد وَإِسْحَاق وَعند أَصْحَابنَا: مُشَاركَة الْمُسلم مَعَ أهل الذِّمَّة فِي شركَة الْمُفَاوضَة لَا يجوز عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد. خلافًا لأبي يُوسُف، وَقد عرف فِي مَوْضِعه.
٩٩٤٢ - حدَّثنا موساى بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا جُوَيْرِيَةُ بنُ أسْمَاءَ عنْ نافِعٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ أعْطاى رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خيْبَرَ الْيَهُودَ أنْ يَعْمَلُوها ويَزْرَعُوها ولَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث، وَهُوَ أَن فِيهِ مُشَاركَة الْيَهُود فِي مُزَارعَة خَيْبَر من حَيْثُ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعل لَهُم شطر مَا يخرج من الزِّرَاعَة من خَيْبَر، والشطر الْبَاقِي يصرف للْمُسلمين، وَهَؤُلَاء الْيَهُود كَانُوا أهل ذمَّة وأُلحق الْمُشْركُونَ بهم لأَنهم فِي حكم أهل الذِّمَّة لكَوْنهم مستأمنين، كَمَا ذكرنَا. والْحَدِيث قد مضى فِي أَوَائِل كتاب الْمُزَارعَة فِي مَوَاضِع، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، وَنَذْكُر بعض شَيْء من ذَلِك.
قَوْله: (أَن يعملوها) ، أَي: يزرعوا بَيَاض أرْضهَا، وَلذَلِك سموا الْمُسَاقَاة. وَفِيه: إِثْبَات الْمُسَاقَاة والمزارعة، وَمَالك لَا يُجِيزهُ. قَوْله: (وَلَهُم شطر مَا يخرج مِنْهَا) أَي: من أَرض خَيْبَر الَّتِي يزرعونها.
وَفِيه: دَلِيل على أَن رب الأَرْض وَالشَّجر إِذا بَين حِصَّة نَفسه جَازَ، وَكَانَ الْبَاقِي لِلْعَامِلِ كَمَا لَو بيَّن حِصَّة