أَي: بذلك وَهَذِه تسمى بِمن الْبَدَلِيَّة كَقَوْلِه تَعَالَى: { (٩) أرضيتم بِالْحَيَاةِ. . الْآخِرَة} (التَّوْبَة: ٣٨) وَقَالَ الْخطابِيّ: الْجد يُفَسر بالغنى وَيُقَال: هُوَ الْحَظ أَو البخت، وَمن بِمَعْنى الْبَدَل أَي: لَا يَنْفَعهُ حَظّ بذلك أَي: بدل طَاعَتك. وَقَالَ الرَّاغِب الْأَصْفَهَانِي: قيل: أَرَادَ بالجد الأول أَبَا الْأَب وَأَبا الْأُم أَي: لَا يَنْفَعهُ أجداد نسبه كَقَوْلِه تَعَالَى: { (٣٢) فَلَا أَنْسَاب بَينهم} (الْمُؤْمِنُونَ: ١٠١) وَمِنْهُم من رَوَاهُ بِالْكَسْرِ وَهُوَ الِاجْتِهَاد أَي: لَا ينفع ذَا الِاجْتِهَاد مِنْك اجْتِهَاده، إِنَّمَا يَنْفَعهُ رحمتك.
قَوْله: (وَقَالَ شُعْبَة) أَي: بالسند الْمَذْكُور عَن مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر قَالَ: (سَمِعت الْمسيب) بن رَافع، وَرَوَاهُ أَحْمد عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر أخبرنَا شُعْبَة بِهِ، وَلَفظه: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا سلم قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ ... الحَدِيث.
١٩ - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى { (٩) وصل عَلَيْهِم} (التَّوْبَة: ١٠٣)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول الله عز وَجل: {وصل عَلَيْهِم} هَذَا الْمِقْدَار هُوَ الْمَذْكُور فِي رِوَايَة الْجُمْهُور، وَوَقع فِي بعض النّسخ زِيَادَة: {إِن صَلَاتك سكن لَهُم} وَاتفقَ الْمُفَسِّرُونَ على أَن المُرَاد بِالصَّلَاةِ هُنَا الدُّعَاء، وَمَعْنَاهُ: أدع لَهُم واستغفر، وَمعنى: {إِن صَلَاتك سكن لَهُم} أَي: إِن دعوتك تثبيت لَهُم وطمأنينة.
ومَنْ خَصَّ أخاهُ بالدُّعاءِ دُونَ نَفْسِهِ
هُوَ عطف على قَول الله، أَي: وَفِي ذكر من خص أَخَاهُ بِالدُّعَاءِ دون نَفسه. وَفِيه إِشَارَة إِلَى رد مَا رَوَاهُ الطَّبَرِيّ من طَرِيق سعيد بن يسَار قَالَ: ذكرت رجلا عِنْد ابْن عمر فَتَرَحَّمت عَلَيْهِ، فلهز فِي صَدْرِي، وَقَالَ لي: إبدأ بِنَفْسِك، وَمَا روى أَيْضا عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ كَانَ يَقُول: إِذا دَعَوْت فابدأ بِنَفْسِك فَإنَّك لَا تَدْرِي فِي أَي دُعَاء يُسْتَجَاب لَك. وَأَحَادِيث الْبَاب ترد على ذَلِك. وَقيل: يُؤَيّدهُ مَا رَوَاهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد من طَرِيق طَلْحَة بن عبد الله بن كريز عَن أم الدَّرْدَاء عَن أبي الدَّرْدَاء رَفعه: مَا من مُسلم يَدْعُو لِأَخِيهِ بِظهْر الْغَيْب إلَاّ قَالَ الْملك: وَلَك مثل ذَلِك. قلت: فِي الِاسْتِدْلَال بِهِ نظر، لِأَنَّهُ أَعم من أَن يكون الدَّاعِي خصّه أَو ذكر نَفسه مَعَه، وأعم من أَن يكون بَدَأَ بِهِ أَو بَدَأَ بِنَفسِهِ.
وَقَالَ أبُو مُوسَى: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أللَّهُمَّ أغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أبي عامِرٍ {أللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ الله بنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ.
هَذِه قِطْعَة من حَدِيث أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ طَوِيل قد تقدم مَوْصُولا فِي الْمَغَازِي فِي غَزْوَة أَوْطَاس، وَفِيه قصَّة قتل أبي عَامر، وَهُوَ عَم أبي مُوسَى الْمَذْكُور، وَهُوَ عبد الله بن قيس ودعا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لِعبيد أَولا ثمَّ سَأَلَهُ أَبُو مُوسَى أَن يَدْعُو لَهُ أَيْضا، وَقَالَ: (أللهم اغْفِر لعبد الله بن قيس ذَنبه) .
٦٣٣١ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدّثنا يَحْياى عنْ يَزِيدَ بنِ عُبَيْدٍ مَوْلَى سَلَمَةَ حَدثنَا سَلَمَةُ بنُ الأكْوَعِ قَالَ: خَرَجْنا مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَى خَيْبَرَ قَالَ رَجُلٌ منَ القَوْمِ: أيْ عامِرُ} لَوْ أسْمَعْتَنا مِنْ هُنَيْهاتِكَ، فَنَزَلَ يَحْدُو بِهِمْ يُذَكِّرُ.
(تالله لَوْلا الله مَا اهْتَدَيْنا)
وَذَكَرَ شِعْراً غَيْرَ هاذا ولاكِنِّي لَمْ أحْفَظْهُ. قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَن هاذا السَّائِقُ؟ قَالُوا: عامِر بنُ الأكوَعِ. قَالَ: يَرْحَمُهُ الله. وَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: يَا رسولَ الله لَوْلَا مَتَّعْتَنا بِهِ. فَلَمَّا صافَّ القَوْمُ قاتَلُوهُمْ فأُصِيبَ عامِرٌ بِقائِمَةِ سَيْفِ نَفْسِهِ فَماتَ، فَلمَّا أمْسَوْا أوْقَدُوا نَارا كَثِيرَةً، فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا هاذِهِ النَّارُ؟ عَلى أيِّ شَيْءٍ تُوقِدُونَ؟ قالُوا: عَلى حُمُرٍ إنْسِيَّةٍ. فَقَالَ: أهْرِيقُوا مَا فِيها وكَسِّرُوها. قَالَ رَجُلٌ: يَا رسولَ الله! ألَا نُهَرِيقُ مَا فِيها ونَغْسِلُها؟ أوْ ذاكَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (يرحم الله) وَيحيى الْقطَّان.
والْحَدِيث قد مضى فِي أول غَزْوَة خَيْبَر مطولا، وَمضى فِي الْمَظَالِم مُخْتَصرا، وَفِي الذَّبَائِح أَيْضا، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (فَقَالَ رجل من الْقَوْم) هُوَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَوْله: (أَي عَامر) ويروى: