الْأُمُور، وَأَرَادُوا الْقِتَال بِسَبَبِهِ وَأَن لَا يردوا أَبَا جندل وَلَا يرضون بِالصُّلْحِ. قَوْله: وَمَا وَضعنَا سُيُوفنَا على عواتقنا جمع عاتق. قَوْله: إِلَى أَمر يفظعنا بِضَم الْيَاء وَسُكُون الْفَاء وَكسر الظَّاء الْمُعْجَمَة أَي: يخوفنا ويهولنا، قَالَه الْكرْمَانِي، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: أَي يوقعنا فِي أَمر فظيع أَي: شَدِيد شنيع وَقد فظع يفظع فَهُوَ مفظع، وفظع الْأَمر فَهُوَ فظيع. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: وأفظع الرجل، على مَا لم يسم فَاعله، أَي: نزل بِهِ أَمر عَظِيم، وأفظعت الشَّيْء واستفظعته وجدته فظيعاً. قَوْله: أَلا أسهلن بِنَا أَي: أفضين بِنَا إِلَى سهولة يَعْنِي السيوف أفضين بِنَا إِلَى أَمر سهل نعرفه خَبرا غير هَذَا الْأَمر أَي: الَّذِي نَحن فِيهِ من هَذِه الْمُقَاتلَة فِي صفّين، فَإِنَّهُ لَا يسهل بِنَا، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني بهَا وَقَالَ بَعضهم إلَاّ أسهلن أَي: أنزلتنا فِي السهل من الأَرْض أَي: أفضين بِنَا وَهُوَ كِنَايَة عَن التَّحَوُّل من الشدَّة إِلَى الْفرج. قلت: هَذَا معنى بعيد على مَا لَا يخفى على المتأمل.
قَوْله: قَالَ: وَقَالَ أَبُو وَائِل أَي: قَالَ الْأَعْمَش: قَالَ أَبُو وَائِل الْمَذْكُور: شهِدت صفّين وبئست صفون أَي: بئست الْمُقَاتلَة الَّتِي وَقعت فِيهَا. وإعراب هَذَا اللَّفْظ كإعراب الْجمع كَقَوْلِه تَعَالَى: {كَلَاّ إِنَّ كِتَابَ الَاْبْرَارِ لَفِى عِلِّيِّينَ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ} وَالْمَشْهُور أَن يعرب بالنُّون وَيكون بِالْيَاءِ فِي الْأَحْوَال الثَّلَاث، تَقول: هَذِه صفّين بِرَفْع النُّون وَرَأَيْت صفّين ومررت بصفين بِفَتْح النُّون فيهمَا، وَكَذَلِكَ تَقول فِي قنسرين وفلسطين ونبرين، وَالْحَاصِل أَن فِيهَا لغتين: إِحْدَاهمَا: إِجْرَاء الْإِعْرَاب على مَا قبل النُّون وَتركهَا مَفْتُوحَة كجمع السَّلامَة. وَالثَّانيَِة: أَن يَجْعَل النُّون حرف الْإِعْرَاب كَمَا ذكرنَا، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر: شهِدت صفّين وبئست صفّين، وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: وبئست الصفون، بِالْألف وَاللَّام وَهُوَ لَا ينْصَرف للعلمية والتأنيث، وَالْمَشْهُور كسر الصَّاد وَقيل: جَاءَ بِفَتْحِهَا أَيْضا.
٨ - (بابُ مَا كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُسْأَلُ مِمَّا لَمْ يُنْزَلْ عَلَيْهِ الوَحْيُ فَيَقُولُ: (لَا أدْرِي) أوْ لَمْ يُجِبْ حَتَّى يُنْزَلَ عَلَيْهِ الوَحْيُ، ولَمْ يَقُلْ بِرَأيٍ وَلَا بِقِياسٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّآ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا كَانَ النَّبِي، الخ. قَوْله: يسْأَل على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: لَا أَدْرِي قَالَ الْكرْمَانِي: فِيهِ حزازة حَيْثُ قَالَ: لَا أَدْرِي، إِذْ لَيْسَ فِي الحَدِيث مَا يدل عَلَيْهِ وَلم يثبت عَنهُ، ذَلِك. وَقَالَ بَعضهم: هُوَ تساهل شَدِيد مِنْهُ لِأَنَّهُ أَشَارَ فِي التَّرْجَمَة إِلَى مَا ورد فِي ذَلِك وَلكنه لم يثبت عِنْده مِنْهُ شَيْء على شَرطه، ثمَّ ذكر حَدِيث ابْن مَسْعُود: من علم شَيْئا فَلْيقل بِهِ، وَمن لم يعلم فَلْيقل: الله أعلم وَذكر حَدِيث ابْن عمر: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي، فَقَالَ: أَي الْبِقَاع خير؟ قَالَ: لَا أَدْرِي، فَأَتَاهُ جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، فَسَأَلَهُ فَقَالَ: لَا أَدْرِي، فَقَالَ: سل رَبك، فانتفض جِبْرِيل انتفاضة وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله، قَالَ: مَا أَدْرِي الْحُدُود كَفَّارَة لأَهْلهَا. انْتهى.
قلَّة نِسْبَة الْكرْمَانِي إِلَى التساهل الشَّديد تساهل أَشد مِنْهُ لِأَن قَوْله: لَيْسَ فِي الحَدِيث مَا يدل عَلَيْهِ، صَحِيح. وَقَوله: وَلم يثبت عَنهُ ذَلِك، أَيْضا صَحِيح لِأَن مُرَاده أَنه لم يثبت عِنْده، فَإِذا كَانَ كَذَلِك فَقَوْل البُخَارِيّ: لَا أَدْرِي، غير وَاقع فِي مَحَله. قَوْله: وَلم يقل بِرَأْي وَلَا قِيَاس قَالَ الْكرْمَانِي: قيل: لَا فرق بَينهمَا وهما مُتَرَادِفَانِ، وَقيل: الرَّأْي هُوَ التفكر، أَي: لم يقل بِمُقْتَضى الْعقل وَلَا بِالْقِيَاسِ، وَقيل: الرَّأْي أَعم لتنَاوله مثل الِاسْتِحْسَان، وَقَالَ الْمُهلب مَا حَاصله الرَّد على البُخَارِيّ فِي قَوْله: وَلم يقل بِرَأْي وَلَا قِيَاس لِأَن النَّبِي، قد علم أمته كَيْفيَّة الْقيَاس والاستنباط فِي مسَائِل لَهَا أصُول وَمَعَان فِي كتاب الله عز وَجل لِيُرِيَهُمْ كَيفَ يصنعون فِيمَا عدموا فِيهِ النُّصُوص، وَالْقِيَاس هُوَ تَشْبِيه مَا لَا حكم فِيهِ بِمَا فِيهِ حكم فِي الْمَعْنى، وَقد شبه، الْحمر بِالْخَيْلِ فَقَالَ: مَا أنزل الله عليّ فيهمَا بِشَيْء غير هَذِه الْآيَة الفاذة الجامعة {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} وَقَالَ للَّتِي أخْبرته: إِن أَبَاهَا لم يحجّ: أَرَأَيْت لَو كَانَ على أَبِيك دين أَكنت قاضيته؟ فَالله أَحَق بِالْقضَاءِ. وَهَذَا هُوَ عين الْقيَاس عِنْد الْعَرَب، وَعند الْعلمَاء بمعاني الْكَلَام، وَأما سُكُوته، حَتَّى نزل الْوَحْي فَإِنَّمَا سكت فِي أَشْيَاء معضلة لَيست لَهَا أصُول فِي الشَّرِيعَة، فَلَا بُد فِيهَا من اطلَاع الْوَحْي، وَنحن الْآن قد فرغت لنا الشَّرَائِع وأكمل الله الدّين فَإِنَّمَا نَنْظُر ونقيس موضوعاتها فِيمَا أعضل من النَّوَازِل. قَوْله: لقَوْله: {بِمَا أَرَاك الله} أَي: لقَوْل الله تَعَالَى، ويروى: هَكَذَا لقَوْل الله، وَهُوَ رِوَايَة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute