الْمَدِينَة وحملوا الِاسْتِثْنَاء فِي مَسْجِد الْمَدِينَة بِأَلف صَلَاة على الْمَسَاجِد كلهَا إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام فبأقل من الْألف وَاحْتَجُّوا بِمَا قَالَ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَلَا يَقُول عمر هَذَا من تِلْقَاء نَفسه فعلى هَذَا تكون فَضِيلَة مَسْجِد الْمَدِينَة على الْمَسْجِد الْحَرَام بتسعمائة وعَلى غَيره بِأَلف وَذهب الْكُوفِيُّونَ والمكيون وَابْن وهب وَابْن حبيب إِلَى تَفْضِيل مَكَّة وَلَا شكّ أَن الْمَسْجِد الْحَرَام مُسْتَثْنى من قَوْله من الْمَسَاجِد وَهِي بالِاتِّفَاقِ مفضولة والمستثنى من الْمَفْضُول مفضول إِذا سكت عَلَيْهِ فالمسجد الْحَرَام مفضول لكنه يُقَال مفضول بِأَلف لِأَنَّهُ قد اسْتَثْنَاهُ مِنْهَا فَلَا بُد أَن يكون لَهُ مزية على غَيره من الْمَسَاجِد وَلم يعينها الشَّارِع فَيتَوَقَّف فِيهَا أَو يعْتَمد على قَول عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَيدل على صِحَة مَا قُلْنَاهُ قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فَإِنِّي آخر الْأَنْبِيَاء ومسجدي آخر الْمَسَاجِد " فَربط الْكَلَام بفاء التَّعْلِيل مشْعر بِأَن مَسْجده إِنَّمَا فضل على الْمَسَاجِد كلهَا لِأَنَّهُ مُتَأَخّر عَنْهَا ومنسوب إِلَى نَبِي مُتَأَخّر عَن الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي الزَّمَان وَقَالَ عِيَاض أَجمعُوا على أَن مَوضِع قَبره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أفضل بقاع الأَرْض وَاخْتلفُوا فِي أفضلهما مَا عدا مَوضِع الْقَبْر فَمن ذهب إِلَى تَفْضِيل مَكَّة احْتج بِحَدِيث عبد الله بن عدي بن الْحَمْرَاء سمع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول وَهُوَ وَاقِف على رَاحِلَته بِمَكَّة " وَالله إِنَّك لخير الأَرْض وَأحب أَرض الله إِلَى الله وَلَوْلَا أَنِّي أخرجت مِنْك مَا خرجت " صَححهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم وَالتِّرْمِذِيّ والطوسي فِي آخَرين وَعند أَحْمد عَن أبي هُرَيْرَة بِسَنَد جيد قَالَ " وقف رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بالخرورة فَقَالَ علمت أَنَّك خير أَرض وَأحب أَرض الله إِلَى الله عز وَجل " وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لمَكَّة " مَا أطيبك من بلد وَأَحَبَّك إِلَيّ " الحَدِيث قَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث صَحِيح غَرِيب وَعند أبي دَاوُد حَدثنَا أَحْمد بن صَالح حَدثنَا عَنْبَسَة حَدثنِي يُونُس وَابْن سمْعَان عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة " عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ بِالْمَدِينَةِ وَرفع يَدَيْهِ حَتَّى رَأْي بَيَاض إبطَيْهِ اللَّهُمَّ أَنْت بيني وَبَين فلَان وَفُلَان لرجال سماهم فَإِنَّهُم أَخْرجُونِي من مَكَّة هِيَ أحب أَرض الله إِلَيّ " قَالَ أَبُو عَمْرو قد روى عَن مَالك مَا يدل على أَن مَكَّة أفضل الأَرْض كلهَا لَكِن الْمَشْهُور عَن أَصْحَابه فِي مذْهبه تَفْضِيل الْمَدِينَة وَاخْتلفُوا هَل يُرَاد بِالصَّلَاةِ هُنَا الْفَرْض أَو هُوَ عَام فِي النَّفْل وَالْفَرْض وَإِلَى الأول ذهب الطَّحَاوِيّ وَإِلَى الثَّانِي ذهب مطرف الْمَالِكِي وَقَالَ النَّوَوِيّ مَذْهَبنَا يعم الْفَرْض وَالنَّفْل جَمِيعًا ثمَّ إِن فضل هَذِه الصَّلَاة فِي هَذِه الْمَسَاجِد يرجع إِلَى الثَّوَاب وَلَا يتَعَدَّى ذَلِك إِلَّا الْإِجْزَاء عَن الْفَوَائِت حَتَّى لَو كَانَ عَلَيْهِ صلاتان فصلى فِي مَسْجِد الْمَدِينَة صَلَاة لم تجزه عَنْهُمَا وَهَذَا لَا خلاف فِيهِ (فَإِن قلت) سَبَب التَّفْضِيل هَل ينْحَصر فِي كَثْرَة الثَّوَاب على الْعَمَل أم لَا (قلت) قيل لَا ينْحَصر كتفضيل جلد الْمُصحف على سَائِر الْجُلُود (فَإِن قلت) مَا سَبَب تَفْضِيل الْبقْعَة الَّتِي ضمت أعضاءه الشَّرِيفَة (قلت) قيل أَن الْمَرْء يدْفن فِي الْبقْعَة الَّتِي أَخذ مِنْهَا ترابه عِنْدَمَا يخلق رَوَاهُ ابْن عبد الْبر من طَرِيق عَطاء الْخُرَاسَانِي مَوْقُوفا فِي كِتَابه التَّمْهِيد (قلت) روى الزبير بن بكار أَن جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَخذ التُّرَاب الَّذِي خلق مِنْهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من تُرَاب الْكَعْبَة فعلى هَذَا فَتلك الْبقْعَة من تُرَاب الْكَعْبَة فَيرجع الْفضل الْمَذْكُور إِلَى مَكَّة إِن صَحَّ ذَلِك (فَإِن قلت) هَل يخْتَص تَضْعِيف الصَّلَاة بِنَفس الْمَسْجِد الْحَرَام أَو يعم جَمِيع مَكَّة من الْمنَازل والشعاب وَغير ذَلِك أم يعم جَمِيع الْحرم الَّذِي يحرم صَيْده (قلت) فِيهِ خلاف وَالصَّحِيح عِنْد الشَّافِعِيَّة أَنه يعم جَمِيع مَكَّة وَصحح النَّوَوِيّ أَنه جَمِيع الْحرم
(بَاب مَسْجِد قبَاء)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل مَسْجِد قبَاء بِضَم الْقَاف ذكره ابْن سَيّده فِي الْمُحكم والمخصص أَن قبَاء بِالْمدِّ وَلم يحك غَيره يصرف وَلَا يصرف وَقَالَ الْبكْرِيّ من الْعَرَب من يذكرهُ ويصرفه وَمِنْهُم من يؤنثه وَلَا يصرفهُ وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي وقاسم فِي كتاب الدَّلَائِل وَقد جَاءَت قبا مَقْصُورَة وأنشدا
(وَلَا يعنيكم قبا وعوارضنا ... وَلَا قبلن الْخَيل لابة ضرغد)
وَهَذَا وهم مِنْهَا لِأَن الَّذِي فِي الْبَيْت إِنَّمَا هُوَ قِنَا بنُون بعد الْقَاف وَهُوَ جبل فِي ديار بني ذبيان كَذَا أنْشدهُ الروَاة الموثوق
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute