للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

مَا فِي العَتَمَةِ والصُّبْحِ لأتَوْهُما ولَوْ حَبْواً.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (إِلَّا أَن يستهموا عَلَيْهِ لاستهموا) أَي: لاقترعوا عَلَيْهِ، وكل مَا ذكر فِي هَذَا الْبَاب من الحَدِيث وَغَيره فِي مَشْرُوعِيَّة الْقرعَة. والْحَدِيث مر فِي كتاب مَوَاقِيت الصَّلَاة فِي: بَاب الاستهام فِي الْأَذَان، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

بِسْمِ الله الرَّحْمانِ الرَّحِيمِ

٣٥ - (كِتَابُ الصُّلْحِ)

أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان أَحْكَام الصُّلْح، هَكَذَا بالبسملة، وَبِقَوْلِهِ: كتاب الصُّلْح، وَقع عِنْد النَّسَفِيّ والأصيلي وَأبي الْوَقْت، وَوَقع لغَيرهم: بَاب، مَوضِع: كتاب، وَوَقع لأبي ذَر فِي الْإِصْلَاح بَين النَّاس، وَوَقع للكشميهني: الْإِصْلَاح بَين النَّاس إِذا تفاسدوا، وَالصُّلْح على أَنْوَاع فِي أَشْيَاء كَثِيرَة لَا يقْتَصر على بعض شَيْء. كَمَا قَالَه بَعضهم، وَالصُّلْح فِي اللُّغَة اسْم بِمَعْنى الْمُصَالحَة، وَهِي المسالمة، خلاف الْمُخَاصمَة، وَأَصله من الصّلاح ضد الْفساد، وَفِي الشَّرْع: الصُّلْح عقد يقطع النزاع من بَين الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ، وَيقطع الْخُصُومَة، فَافْهَم.

١ - (بابُ مَا جاءَ فِي الإصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْإِصْلَاح بَين النَّاس، وَفِي بعض النّسخ: بَاب مَا جَاءَ فِي الْإِصْلَاح بَين النَّاس.

وقَوْلِ الله تعَالى {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إلأ منْ أمَرَ بِصَدَقَةٍ أوْ مَعْرُوفٍ أوْ إصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ومنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضاةِ الله فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أجْرَاً عَظِيماً} (النِّسَاء: ٤١١) .

وَقَول الله بِالْجَرِّ عطفا على قَوْله فِي الْإِصْلَاح، ذكر هَذِه الْآيَة فِي بَيَان فضل الْإِصْلَاح بَين النَّاس. وَأَن الصُّلْح: أَمر مَنْدُوب إِلَيْهِ، وَفِيه قطع النزاع والخصومات. قَوْله: {من نَجوَاهُمْ} (النِّسَاء: ٤١١) . يَعْنِي: كَلَام النَّاس، وَيُقَال: النَّجْوَى السِّرّ، وَقَالَ النّحاس: كل كَلَام ينْفَرد بِهِ جمَاعَة سرا كَانَ أَو جَهرا، فَهُوَ نجوى. قَوْله: {إلَاّ مِن أَمر} (النِّسَاء: ٤١١) . تَقْدِيره: إلَاّ نجوى من أَمر ... إِلَى آخِره، وَيجوز أَن يكون الِاسْتِثْنَاء مُنْقَطِعًا بِمَعْنى: لَكِن من أَمر بِصَدقَة أَو مَعْرُوف، فَإِن فِي نَجوَاهُ خيرا. وَقَالَ الدَّاودِيّ: مَعْنَاهُ: لَا يَنْبَغِي أَن يكون أَكثر نَجوَاهُمْ إلَاّ فِي هَذِه الْخلال. قَوْله: {أَو مَعْرُوف} (النِّسَاء: ٤١١) . الْمَعْرُوف اسْم جَامع لكل مَا عرف من طَاعَة الله عز وَجل، والتقرب إِلَيْهِ وَالْإِحْسَان إِلَى النَّاس، وكل مَا ندب إِلَيْهِ الشَّرْع، وَنهى عَنهُ من المحسنات والمقبحات، وَهُوَ من الصِّفَات الْغَالِبَة، أَي: أَمر مَعْرُوف بَين النَّاس إِذا رَوَاهُ لَا ينكرونه. قَوْله: {ابْتِغَاء مرضاة الله} (النِّسَاء: ٤١١) . أَي: طلبا لرضاه مخلصاً فِي ذَلِك محتسباً ثَوَاب ذَلِك عِنْد الله تَعَالَى.

وخُرُوجِ الإمَامِ إِلَى المَوَاضِعِ لِيُصْلِحَ بَيْنَ النَّاسِ بأصْحَابِهِ

وَخُرُوج الإِمَام، بِالْجَرِّ عطفا على قَوْله: وَقَول الله، وَهُوَ من بَقِيَّة التَّرْجَمَة. قَالَ الْمُهلب: إِنَّمَا يخرج الإِمَام ليصلح بَين النَّاس إِذا أشكل عَلَيْهِ أَمرهم وَتعذر ثُبُوت الْحَقِيقَة عِنْده فيهم، فَحِينَئِذٍ يخرج إِلَى الطَّائِفَتَيْنِ وَيسمع من الْفَرِيقَيْنِ، وَمن الرجل وَالْمَرْأَة، وَمن كَافَّة النَّاس سَمَاعا شافياً يدل على الْحَقِيقَة، هَذَا قَول عَامَّة الْعلمَاء، وَكَذَلِكَ ينْهض الإِمَام على العقارات وَالْأَرضين الَّتِي يتشاح فِي قسمتهَا، فيعاين ذَلِك وَقَالَ عَطاء: لَا يحل للْإِمَام إِذا تبين الْقَضَاء أَن يصلح بَين الْخُصُوم، وَإِنَّمَا يَسعهُ ذَلِك فِي الْأُمُور المشكلة، وَأما إِذا استبانت الْحجَّة لأحد الْخَصْمَيْنِ على الآخر، وَتبين للْحَاكِم مَوضِع الظَّالِم على الْمَظْلُوم، فَلَا يَسعهُ أَن يحملهَا على الصُّلْح، وَبِه قَالَ أَبُو عبيد، وَقَالَ الشَّافِعِي: يأمرهما بِالصُّلْحِ وَيُؤَخر الحكم بَينهمَا يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: إِن طمع القَاضِي أَن يصطلح الخصمان فَلَا بَأْس أَن يرددهما، وَلَا ينفذ الحكم بَينهمَا لعلهما يصطلحان وَلَا يرددهم أَكثر من مرّة أَو مرَّتَيْنِ، فَإِن لم يطْمع أنفذ الحكم بَينهمَا، وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه قَالَ: رددوا الْخُصُوم حَتَّى يصطلحوا، فَإِن فصل الْقَضَاء يحدث بَين النَّاس الضغائن.

<<  <  ج: ص:  >  >>