التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن بنْدَار عَن ابْن مهْدي عَن سُفْيَان بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم عَن إِسْمَاعِيل بن علية وَعَن عَليّ بن الْحُسَيْن الدرهمي عَن أُميَّة بن خَالِد، كِلَاهُمَا عَن شُعْبَة بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (إِذا قَالَ: سمع الله لمن حَمده) وَفِي رِوَايَة شُعْبَة: (إِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع) . وَفِي رِوَايَة لمُسلم: (فَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع فَقَالَ: سمع الله لمن حَمده لم نزل قيَاما) . قَوْله: (لم يحن) ، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة، من: حنيت الْعود عطفته وحنوت لُغَة، قَالَه الْجَوْهَرِي، وَفِي رِوَايَة مُسلم: (لَا يحنو أحد، وَلَا يحني) ، رِوَايَتَانِ أَي: لَا يقوس ظَهره. قَوْله: (حَتَّى يَقع سَاجِدا) أَي: حَال كَونه سَاجِدا، وَفِي رِوَايَة الإسرائيلي عَن أبي إِسْحَاق: (حَتَّى يضع جَبهته على الأَرْض) ، وَنَحْوه وَفِي رِوَايَة مُسلم من رِوَايَة زُهَيْر عَن أبي إِسْحَاق، وَفِي رِوَايَة أَحْمد عَن غنْدر عَن شُعْبَة: (حَتَّى يسْجد ثمَّ يَسْجُدُونَ) . قَوْله: (ثمَّ نقع) بنُون الْمُتَكَلّم مَعَ الْغَيْر. قَوْله: (سجودا) حَال، وَهُوَ جمع: ساجد، ونقع، مَرْفُوع لَا غير، و: يَقع، الأول الَّذِي هُوَ مَنْصُوب فَاعله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يجوز فِيهِ الْأَمْرَانِ: الرّفْع وَالنّصب.
ذكر مَا يستنبط مِنْهُ فِيهِ: وجوب مُتَابعَة الإِمَام فِي أَفعاله، وَاسْتدلَّ بِهِ ابْن الْجَوْزِيّ على أَن الْمَأْمُوم لَا يشرع فِي الرُّكْن حَتَّى يتمه الإِمَام، وَفِيه نظر، لِأَن الإِمَام إِذا أتم الرُّكْن ثمَّ شرع الْمَأْمُوم فِيهِ لَا يكون مُتَابعًا للْإِمَام وَلَا يعْتد بِمَا فعله، وَمعنى الحَدِيث أَن الْمَأْمُوم يشرع بعد شُرُوع الإِمَام فِي الرُّكْن وَقبل فَرَاغه مِنْهُ حَتَّى تُوجد الْمُتَابَعَة، وَوَقع فِي حَدِيث عَمْرو بن سليم أخرجه مُسلم: (فَكَانَ لَا يحني أحد منا ظَهره حَتَّى يَسْتَقِيم سَاجِدا) . وروى أَبُو يعلى من حَدِيث أنس: (حَتَّى يتَمَكَّن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من السُّجُود) ، وَمعنى هَذَا كُله ظَاهر فِي أَن الْمَأْمُوم يشرع فِي الرُّكْن بعد شُرُوع الإِمَام فِيهِ، وَقبل فَرَاغه مِنْهُ. وَاسْتدلَّ بِهِ قوم على طول الطُّمَأْنِينَة، وَفِيه نظر، لِأَن الحَدِيث لَا يدل على هَذَا. وَفِيه: جَوَاز النّظر إِلَى الْأَمَام لأجل اتِّبَاعه فِي انتقالاته فِي الْأَركان.
حدَّثنا أَبُو نُعَيْمٍ عنْ سُفْيَانَ عنْ أبي أسْحَاقَ نَحْوَهُ بِهَذَا
أَبُو نعيم هُوَ الْفضل بن دُكَيْن، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ وَأَبُو إِسْحَاق هُوَ السبيعِي الْمَذْكُور، وَهَذَا السَّنَد وَقع فِي البُخَارِيّ فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي وكريمة، وَلَيْسَ بموجود فِي رِوَايَة البَاقِينَ. وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : هَذَا السَّنَد مَذْكُور فِي نُسْخَة سَمَاعنَا، وَفِي بعض النّسخ عَلَيْهِ ضرب، وَلم يذكرهُ أَصْحَاب الْأَطْرَاف: أَبُو الْعَبَّاس الطرقي وَخلف وَأَبُو مَسْعُود فَمن بعدهمْ، وَلم يذكرهُ أَيْضا أَبُو نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج) قلت: أخرجه أَبُو عوَانَة عَن الصَّاغَانِي وَغَيره عَن أبي نعيم، وَلَفظه: (كُنَّا إِذا صلينَا خلف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يحن أحد منا ظَهره حَتَّى يضع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَبهته) .
٥٣ - (بابُ إثْمِ مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإمَامِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إِثْم من رفع رَأسه فِي الصَّلَاة قبل رفع الإِمَام رَأسه. قَالَ بَعضهم: أَي: من السُّجُود. قلت: وَمن الرُّكُوع أَيْضا، فَلَا وَجه لتخصيص السُّجُود لِأَن الحَدِيث أَيْضا يَشْمَل الْإِثْنَيْنِ بِحَسب الظَّاهِر كَمَا يَجِيء. فَإِن قلت: لهَذَا الْقَائِل أَن يَقُول: إِنَّمَا قلت: أَي من السُّجُود، لِأَنَّهُ فِي رِوَايَة أبي دَاوُد عَن حَفْص بن عَمْرو عَن شُعْبَة عَن مُحَمَّد بن زِيَاد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أما يخْشَى أَو ألَا يخْشَى أحدكُم إِذا رفع رَأسه وَالْإِمَام ساجد) الحَدِيث فَتبين أَن المُرَاد الرّفْع من السُّجُود. قلت: رِوَايَة البُخَارِيّ تتَنَاوَل الْمَنْع من تقدم الْمَأْمُوم على الإِمَام فِي الرّفْع من الرُّكُوع وَالسُّجُود مَعًا، وَلَا يجوز أَن تخصص رِوَايَة البُخَارِيّ بِرِوَايَة أبي دَاوُد، لِأَن الحكم فيهمَا سَوَاء، وَلَو كَانَ الحكم مَقْصُورا على الرّفْع من السُّجُود لَكَانَ لدعوى التَّخْصِيص وَجه، وَمَعَ هَذَا فالقائل الْمَذْكُور ذكر الحَدِيث عَن الْبَراء من رِوَايَة مليح ابْن عبد الله السَّعْدِيّ عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: (الَّذِي يخْفض وَيرْفَع قبل الإِمَام إِنَّمَا ناصيته بيد الشَّيْطَان) . وَهَذَا ينْقض عَلَيْهِ مَا قَالَه، وَيَردهُ عَلَيْهِ. وأعجب من هَذَا أَنه رد على ابْن دَقِيق الْعِيد حَيْثُ قَالَ: إِن الحَدِيث نَص فِي الْمَنْع من تقدم الْمَأْمُوم على الإِمَام فِي الرّفْع من الرُّكُوع وَالسُّجُود مَعًا، فَهَذَا دَقِيق الْكَلَام الَّذِي قَالَه ابْن الدَّقِيق، ومستنده فِي الرَّد عَلَيْهِ هُوَ قَوْله: وَإِنَّمَا هُوَ نَص فِي السُّجُود، ويلتحق بِهِ الرُّكُوع لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ، وَهَذَا كَلَام سَاقِط جدا، لِأَن الْكَلَام هَهُنَا فِي رِوَايَة البُخَارِيّ وَلَيْسَ فِيهَا نَص فِي السُّجُود، بل هُوَ نَص عَام فِي السُّجُود وَالرُّكُوع. وَدَعوى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute