هَذَا التَّعْلِيق عَن عَطاء بن أبي رَبَاح، وَصله ابْن أبي شيبَة حَدثنَا يحيى بن سعيد عَن ابْن جريج عَن عَطاء، قَالَ: لَا إحصار إلَاّ من مرض أَو عَدو أَو أَمر حَابِس.
قالَ أبُو عَبْدِ الله حَصُورا لَا يَأتِي النِّسَاءَ
أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه. وَكَانَ دأبه أَنه إِذا ذكر: لفظا جَاءَ فِي الْقُرْآن من مَادَّة ذكر مَا هُوَ بصدده، وَكَانَ الْمَذْكُور هُوَ لفظ الْمحصر فِي التَّرْجَمَة، وَفِي الْآيَة لفظ: أحصرتم، وَذكر: حصورا، الَّذِي جَاءَ فِي الْقُرْآن أَيْضا. وَهُوَ فِي قَوْله عز وَجل:{إِن الله يبشرك بِيَحْيَى مُصدقا بِكَلِمَة من الله وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا من الصَّالِحين}(آل عمرَان: ٩٣) . ثمَّ إِنَّه فسر الحصور بقوله:{لَا يَأْتِي النِّسَاء}(آل عمرَان: ٨٣) . وروى هَذَا التَّفْسِير ابْن مَسْعُود. وَعَن ابْن عَبَّاس وَمُجاهد وَعِكْرِمَة وَسَعِيد وَأبي الشعْثَاء وعطية الْعَوْفِيّ، وَعَن أبي الْعَالِيَة وَالربيع بن أنس: هُوَ الَّذِي لَا يُولد لَهُ. وَقَالَ الضَّحَّاك: هُوَ الَّذِي لَا يُولد لَهُ وَلَا مَال لَهُ. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: حَدثنَا أبي حَدثنَا يحيى بن الْمُغيرَة أخبرنَا جرير عَن قَابُوس عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس فِي الحصور الَّذِي لَا ينزل المَاء، وَقد روى ابْن أبي حَاتِم فِي هَذَا حَدِيثا غَرِيبا. فَقَالَ: حَدثنَا أَبُو جَعْفَر بن غَالب الْبَغْدَادِيّ حَدثنِي سعيد بن سُلَيْمَان حَدثنَا عباد يَعْنِي ابْن الْعَوام عَن يحيى بن سعيد عَن سعيد بن الْمسيب عَن ابْن الْعَاصِ لَا يدْرِي عبد الله أَو عَمْرو عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا}(آل عمرَان: ٩٣) . قَالَ: ثمَّ تنَاول شَيْئا من الأَرْض، فَقَالَ: كَانَ ذكره مثل هَذَا، وَرَوَاهُ ابْن الْمُنْذر فِي (تَفْسِيره) : حَدثنَا أَحْمد بن دَاوُد السجسْتانِي حَدثنَا سُوَيْد بن سعيد حَدثنَا عَليّ بن مسْهر عَن يحيى بن سعيد عَن سعيد بن الْمسيب، قَالَ: سَمِعت عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَا من عبد يلقى الله أَلا ذَا ذَنْب إِلَّا يحيى بن زَكَرِيَّا فَإِن الله يَقُول: {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} (آل عمرَان: ٩٣) .) قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَ ذكره مثل هدبة الثَّوْب، وَأَشَارَ بأنمله وَذبح ذبحا) . وروى ابْن أبي حَاتِم أَيْضا بِإِسْنَادِهِ إِلَى أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:(كل ابْن آدم يلقى الله بذنب قد أذنبه يعذبه عَلَيْهِ إِن شَاءَ أَو يرحمه إلَاّ يحيى بن زَكَرِيَّا، عَلَيْهِمَا السَّلَام، فَإِنَّهُ كَانَ {سيدا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا من الصَّالِحين} (آل عمرَان: ٩٣) . ثمَّ أَهْوى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى قذاة من الأَرْض فَأَخذهَا، وَقَالَ: كَانَ ذكره مثل هَذِه القذاة) . وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: إعلم أَن ثَنَاء الله تَعَالَى على يحيى بِأَنَّهُ حصور لَيْسَ كَمَا قَالَه بَعضهم: إِنَّه كَانَ هيوبا أَو لَا ذكر لَهُ، بل أنكر حذاق الْمُفَسّرين ونقاد الْعلمَاء، وَقَالُوا: هَذَا نقيصة وعيب، وَلَا يَلِيق بالأنبياء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنه مَعْصُوم من الذُّنُوب، أَي: لَا يَأْتِيهَا كَأَنَّهُ حصر عَنْهَا. وَقيل: مَانِعا نَفسه عَن الشَّهَوَات، وَقيل: لَيست لَهُ شَهْوَة فِي النِّسَاء، وَالْمَقْصُود أَنه مدح يحيى بِأَنَّهُ حصور لَيْسَ أَنه لَا يَأْتِي النِّسَاء كَمَا قَالَه بَعضهم، بل مَعْنَاهُ: أَنه مَعْصُوم عَن الْفَوَاحِش والقاذورات، وَلَا يمْنَع ذَلِك من تَزْوِيجه بِالنسَاء الْحَلَال وغشيانهن وإيلادهن، بل قد يفهم وجود النَّسْل من دُعَاء زَكَرِيَّا، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، حَيْثُ قَالَ:{هَب لي من لَدُنْك ذُرِّيَّة طيبَة}(آل عمرَان: ٨٣) . كَأَنَّهُ سَأَلَ ولدا لَهُ ذُرِّيَّة ونسل وعقب، وَالله تَعَالَى أعلم.
١ - (بابٌ إذَا أُحْصِرَ الْمُعْتَمِرُ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا أحْصر الْمُعْتَمِر، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى الرَّد على من قَالَ: إِن التَّحَلُّل بالإحصار يخْتَص بالحاج بِخِلَاف الْمُعْتَمِر فَإِنَّهُ لَا يتَحَلَّل بذلك، بل يسْتَمر على إِحْرَامه حَتَّى يطوف بِالْبَيْتِ، لِأَن السّنة كلهَا وَقت للْعُمْرَة فَلَا يخْشَى فَوَاتهَا بِخِلَاف الْحَج. رُوِيَ ذَلِك عَن مَالك، وَهُوَ محكي عَن مُحَمَّد بن سِيرِين وَبَعض الظَّاهِرِيَّة، وَاحْتج لَهُم إِسْمَاعِيل القَاضِي بِمَا أخرجه بِإِسْنَاد صَحِيح عَن أبي قلَابَة، قَالَ: خرجت مُعْتَمِرًا فَوَقَعت عَن رَاحِلَتي فَانْكَسَرت، فَأرْسلت إِلَى ابْن عَبَّاس وَابْن عمر، فَقَالَا: لَيْسَ لَهَا وَقت كَالْحَجِّ، يكون على إِحْرَامه حَتَّى يصل إِلَى الْبَيْت، وَقَضِيَّة الْحُدَيْبِيَة حجَّة تقضي عَلَيْهِم، وَالله أعلم.
٣٨٢ - (حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف أخبرنَا مَالك عَن نَافِع أَن عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا حِين خرج إِلَى مَكَّة مُعْتَمِرًا فِي الْفِتْنَة قَالَ إِن صددت عَن الْبَيْت صنعت كَمَا صنعنَا مَعَ